الخليج أونلاين-
يمر عام على واحدة من أبشع الجرائم التي ارتُكِبَت بحق حرية الرأي والتعبير، حيث كان مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، في 2 أكتوبر 2018، أشبه بزلزال هز العالم، واليوم تحول إلى رمز للمناضلين والباحثين عن الحرية، وبقيت روحه ومأساته كابوساً يؤرق قاتليه.
ومع استمرار التجاهل السعودي للكشف عن مصير قتلة خاشقجي، أو إلى أين وصلت محاكمتهم، واصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تعهده بالسعي لملاحقة الجناة حتى ينالوا عقابهم.
ومؤخراً، لم تعد الأخبار المبعثرة من هنا وهناك حول جريمة مقتل خاشقجي تدفع باتجاه محاسبة المتورطين عن الجريمة التي ارتكبها فريق اغتيال من المخابرات السعودية، بل عن مدى مسؤولية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن إصدار أمر القتل.
أردوغان يتعهد بملاحقة الجناة
في 30 سبتمبر 2019، قال الرئيس التركي إن السعي لعدم بقاء الجناة بدون عقاب "دين علينا لعائلة جمال خاشقجي".
وفي مقالة كتبها لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، أوضح أردوغان أن اغتيال خاشقجي "مثير للقلق بسبب بُعد القضية الإنساني، واستغلال مبدأ الحصانة الدبلوماسية".
وأضاف أردوغان أن بلاده تتعهد بمواصلة بذل الجهود في المرحلة المقبلة، لكشف ملابسات جريمة مقتل خاشقجي.
وتابع قائلاً: "نؤمن بأن العدالة لن تتحقق إلا على يد المحاكمة الوطنية والدولية، ومن مصلحة تركيا والإنسانية عدم وقوع مثل هذه الجريمة في أي مكان بالعالم".
وأردف قائلاً: إن "ادعاءات إدارة المحاكمة بعيداً عن الشفافية، وراء الأبواب المغلقة وإخلاء سبيل المتهمين بشكل غير رسمي، يتنافى مع ما ينتظره المجتمع الدولي ويؤثر سلبياً على صورة السعودية، ونحن لا نريد هذا للسعودية الحليفة والصديقة".
تعهد بن سلمان لأردوغان
في 26 سبتمبر 2019، كشف أردوغان عن أنه ناقش مسألة مقتل خاشقجي مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، كما ناقش الموضوع أيضاً مرتين مع بن سلمان.
وأوضح أردوغان أن ولي العهد السعودي تعهد له بأن "دم خاشقجي لن يذهب هدراً".
وفي تصريحات أدلى بها الرئيس التركي لقناة "فوكس نيوز" الأمريكية، على هامش مشاركته في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة بمدينة نيويورك، قال أردوغان: "مع الأسف لقد مر عام على مقتله ولم نرَ أي خطوة اتخذت حيال قتلة خاشقجي".
ورداً على سؤال من هو الشخص الذي أمر بقتل خاشقجي؟ أشار الرئيس التركي إلى أنه لا يمكنه تحديد تلك الجهة، إلا أن الموضوع انتقل إلى القضاء، وهذا الأمر "مسؤولة عنه السلطات السعودية، والقضاء السعودي، وعليهم أن يكشفوا هذا الموضوع".
بن سلمان: أنا المسؤول
وجاءت تصريحات أردوغان بالتزامن مع حديث محمد بن سلمان عن أن الجريمة حدثت أثناء توليه منصب ولي العهد، مضيفاً: "أتحمل كل المسؤولية، لأنها وقعت في ظل سلطتي، لا أريد أن أقول لك: لم أفعلها أو فعلتها أو أي شيء آخر، هذه تبقى مجرد كلمات".
وفي فيلم وثائقي بثته قناة "بي بي إس"، بالتزامن مع ذكرى مقتل خاشقجي، سأل الصحفي بن سلمان كيف يمكن أن تحدث العملية دون علمه، فأجابه بقوله: "الحوادث تحصل، هل لك أن تتخيل أن لدينا 20 مليون شخص و3 ملايين موظف حكومي؟ أنا لست جوجل ولا كمبيوتراً خارقاً يمكنه مراقبة 3 ملايين شخص".
وعن استخدام فريق الاغتيال طائراته الخاصة لنقلهم إلى إسطنبول حيث وقعت الجريمة، قال: "لديّ مسؤولون ووزراء لمتابعة الأمور وهم يتحملون المسؤولية، إذ لديهم صلاحيات القيام بذلك".
وعن مراسلاته مع مستشاره السابق سعود القحطاني، يوم حادثة اغتيال خاشقجي، أجاب ولي العهد السعودي: "نعم صحيح، كان بيننا رسائل نصية بشكل يومي"، ثم أصر على أن الرسائل فيما بينهما كانت "بريئة".
مساءلة أمريكية لابن سلمان
هذا الاعتراف أثار عدداً كبيراً من التعليقات في الولايات المتحدة من قبل سياسيين وناشطين، فقد قال مارتن إنديك، المسؤول والسفير السابق والخبير بمجلس العلاقات الخارجية؛ أثناء ندوة بالمجلس بحضور وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير، إن ولي العهد السعودي كان عليه قول ثلاث كلمات بسيطة ومباشرة هي: "أنا أتحمل المسؤولية".
من جهتها، غردت تامارا ويتس، المسؤولة السابقة بوزارة الخارجية والباحثة بمعهد "بروكينغز"، قائلة: "لو قبل بن سلمان المسؤولية عن هذه الجريمة كعمل قام به أشخاص ينتمون للحكومة السعودية، فلماذا يرفض تقرير الأمم المتحدة الذي توصل للنتيجة نفسها؟".
وأضافت تامارا موجهة حديثها لولي العهد السعودي: "بما أنك تحملت المسؤولية فلماذا لا تعتذر علناً لأسرة خاشقجي عن قتل جمال؟ وتعتذر للحكومة التركية لانتهاك الحصانة الدبلوماسية داخل أراضيها؟ وتعتذر للولايات المتحدة عن قتل أحد المقيمين الشرعيين فيها؟".
أما كريس ميرفي، السيناتور بمجلس الشيوخ عن ولاية كونيكتيت، فكتب: "بعض حلفائنا من الدول التي نتعامل معها يومياً يكذبون علينا عياناً، ألا يثير ذلك شكوكاً حول مصداقية السعودية ورغبتها في أن تصبح شريكاً مخلصاً للولايات المتحدة؟".
وبشأن السؤال الذي طُرح عدة مرات عن مكان جثة خاشقجي، وتغيرت الردود السعودية بشأنه عدة مرات؛ يعتقد السفير السابق والخبير بمعهد الشرق الأوسط بواشنطن، ديفيد ماك، أن السلطات السعودية "ربما تعلم مكان الجثة، ربما أيضاً تكون قامت بتكليف أحد الأشخاص أو الجهات بالتخلص منها وعدم ترك أي آثار لها، وربما أعطتها لأحد المتعهدين الأتراك وطلبت منه التخلص منها دون أن تعرف ماذا جرى للجثة".
متحف خاشقجي
وفي حراك مستمر لتخليد ذكرى واسم خاشقجي، كشف رئيس جمعية "بيت الإعلاميين العرب" في تركيا، توران قشلاقجي، أن الجمعية تعمل على شراء مبنى القنصلية العامة السعودية في إسطنبول.
ولفت قشلاقجي إلى وجود مشاريع عديدة تهدف لإحياء ذكرى صديقه جمال خاشقجي الذي قتل بوحشية في قنصلية بلاده، وقال: "سنعلن عن ذلك في 2 أكتوبر المقبل".
وأضاف، في تصريح نقلته وكالة "الأناضول"، أن "أحد هذه الأعمال هو إنشاء متحف يخلد اسم جمال خاشقجي"، متابعاً: "لذلك فإن محاولاتنا لشراء مبنى القنصلية العامة السعودية مستمرة، نعمل على شراء المبنى لتحويله إلى متحف يحمل اسم جمال".
وختم بالقول: "الصحفيون يريدون من المؤسسات الدولية أن تتخذ إجراءً حتى لا يتعرض الصحفيون حول العالم لمثل هذه الأعمال الوحشية، ينبغي منع الدول من ممارسة مثل هذه الجرائم، من خلال معاقبة كل من شارك في جريمة قتل جمال خاشقجي".
فعالية تضامنية
وتستعد منظمات حقوقية تركية ودولية لتنظيم فعالية أمام القنصلية السعودية في إسطنبول الأربعاء المقبل (2 أكتوبر)، سيتخللها الوقوف دقيقة صمت على روح خاشقجي.
جاء ذلك حسب بيان مشترك، صدر في 30 سبتمبر، عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" ومنظمة العفو الدولية ومنظمة مراسلون بلا حدود، إضافةً إلى جمعية الإعلاميين العرب والأتراك، ومنتدى الشرق.
وذكر البيان أن الفعالية المخصصة لإحياء الذكرى السنوية الأولى لمقتل خاشقجي ستشهد حضور خطيبته خديجة جنكيز، والمقررة الأممية الخاصة بحالات الإعدام خارج نطاق القانون أغنيس كالامارد، إضافة إلى حضور مستشار رئيس حزب "العدالة والتنمية" التركي الحاكم ياسين أقطاي، والناشطة اليمنية الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان، إضافةً للعديد من الصحفيين والإعلاميين وغيرهم.
وذكر البيان أن الفعالية سيتخللها إلقاء كلمات من بعض الحضور، وعرض مقاطع فيديو، وأن دقيقة الصمت على روح خاشقجي ستكون في الساعة 13:14 بالتوقيت المحلي، في إشارة إلى توقيت دخول خاشقجي للقنصلية.
وقتل خاشقجي في 2 أكتوبر 2018، داخل القنصلية السعودية بإسطنبول، في قضية هزت الرأي العام الدولي وأثارت استنكاراً واسعاً لم ينضب حتى اليوم.