القدس العربي-
لم يستطع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مقاومة إغراء الظهور على شبكة «سي بي أس» الأمريكية وفي برنامجها الشهير «60 دقيقة»، معتقداً أن هذا يمكن أن يسهم في تحسين صورته التي انحدرت للحضيض بعد اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية السعودية بإسطنبول، في مثل هذا اليوم من السنة المنصرمة.
ورغم ما قيل من أنه تلقى الأسئلة مسبقاً واستعد لها وجازف بالدخول في لعبة ادعاء المصارحة والمكاشفة والشفافية، فقد خاب فأل بن سلمان وباءت محاولاته بفشل ذريع.
ذلك لأن ولي العهد اعتمد تكتيك المخاتلة واستغفال العقول وسوق الأكاذيب التي يستحيل أن تنطلي على أكثر العقول براءة وأشد المدارك بساطة، ولا يدحضها الحد الأدنى من المنطق السليم فقط بل تنفيها جملة وتفصيلاً سلسلة الوقائع ذاتها التي اضطرت المملكة إلى الإقرار بها بعد الافتضاح التدريجي لحقائق اغتيال خاشقجي.
فكيف يعقل أن يكون بن سلمان مسؤولاً عن الجريمة النكراء ولكنه في الآن ذاته لم يكن على علم بها قبل وقوعها، مع أن رجاله الأقربين هم أدوات التخطيط والتنفيذ والتلفيق والتعمية؟
وإذا كان هو المسؤول الأول في حكم المملكة كما أوحى في حواره وسوف يحاكم الجناة مهما علت مراتبهم، فما الذي ينتظره منذ سنة كاملة؟
وأين اختفى سعود القحطاني المستشار السابق في الديوان الملكي وأحد أعوان بن سلمان المقربين، وهو المتهم الأول بتدبير الاغتيال ويتوجب تقديمه للمحاكمة حسب مزاعم ولي العهد؟
شريط الأكاذيب لم يقتصر على ملف اغتيال خاشقجي لأن بن سلمان استمرأ المخادعة في ملف آخر محزن يخص الناشطات المعتقلات، واستنكاره خلال المقابلة أن يكن قد تعرضن للتعذيب لأن هذا أمر «بشع جداً»، و«الإسلام يحرم التعذيب».
لم يكن أقل فجاجة وعده بأن يتابع هذا الأمر بنفسه، و«بلا شك»، وكأن أجهزة الاستخبارات التابعة له يمكن أن ترفع عصا في وجه سجينة دون إذن من ولي العهد أو من رجاله الذين يفوضهم بتمثيله في أقبية الاعتقال.
وعلى منوال المخاتلة ذاتها سارت أقوال بن سلمان بأن قرار الإفراج عن لجين الهذلول لا يعود له، بل هو «متروك للمدعي العام» وهذا الأخير «مستقل» في قراراته، أو زعمه بأن الناشطات معتقلات استناداً إلى قوانين قد لا يتفق معها شخصياً ولكن «طالما أنها قوانين موجودة حالياً، فيجب احترامها حتى يتم إصلاحها».
استغفال عقول العباد على هذا النحو جعل المقابلة أقرب إلى سيل من الأكاذيب بمعدل 60 أكذوبة في الدقيقة الواحدة، وتكشف عجز بن سلمان عن تسويق أباطيله، بحيث تجلى الفشل تباعاً في مفردات الخطاب ولغة الجسد، وفي ردود أفعال الصحافية الأمريكية المحاورة التي لم تجد أي صعوبة في إحراج ولي العهد إزاء الحقائق الساطعة التي ظلت تفرض معطياتها على الحوار.
وكما أخفقت حملات إنكار الجريمة والتمويه على أفراد عصابة المنشار، رغم الملايين التي أنفقتها المملكة وعلى مدار سنة كاملة أعقبت جريمة الاغتيال، فإن أي مقدار من ساعات الكذب الطويلة الإضافية لن يحجب الحقيقة أو يغسل الأيدي الملوثة بالدماء.