الخليج أونلاين-
عادت قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي إلى الواجهة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ بعد أن ضعف تسليط الضوء عليها خلال الأشهر الماضية.
ويعد الضغط الذي تشهده السعودية من جراء هذه القضية كثيفاً ومعقداً، إذ إنه بعد أن تسبب بتشويه صورة المملكة إقليمياً ودولياً تسبب أيضاً بحرمانها من مكتسبات كثيرة بحكم العلاقة الوطيدة مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي استغل هذه القضية لأخذ المزيد من الأموال من الرياض.
إلا أن المعلومات الجديدة التي تكشفت خلال الأيام الماضية تبين ذهاب القضية إلى بُعد آخر لم يكن متوقعاً؛ إذ رُبطت بهجمات 11 سبتمبر 2001 شديدة الحساسية بين الأمريكيين، خصوصاً أنها خلفت أكبر نسبة ضحايا مدنيين داخل الولايات المتحدة.
يُضاف إلى ذلك الضغط داخل الكونغرس للكشف عن المعلومات السرية التي توصلت لها الإدارة حول مقتل خاشقجي في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول التركية، في أكتوبر 2018.
وتحمل عودة ملف خاشقجي إلى الضوء الكثير من الاعتبارات فيما لو نفذت القوانين الأمريكية المرتبطة بها، خصوصاً أن بعضها مرتبط بعقوبات هائلة على المملكة.
قتل الشاهد
ورغم أنه مضى على مقتل خاشقجي قرابة عام ونصف فإنه لم يشر أبداً إلى أنه قد يكون شاهداً في قضية حساسة مثل تورط مسؤولين سعوديين في هجمات 11 سبتمبر، ما يعني تغيراً كبيراً في حيثيات القضية.
ويرتبط النبأ الجديد بقانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب"، المعروف باسم "جاستا"، وهو مشروع قانون مُرر من قبل مجلس الشيوخ بلا أي معارضة، في مايو 2016.
وفي سبتمبر 2016، مُرر كذلك بالإجماع من مجلس النواب، ويسمح ضمنياً بإجراء دعاوى قضائية ضد المملكة من قبل الضحايا أو أسرهم، وإن كان القانون نفسه لا يذكر الهجمات الدموية أو السعودية بالاسم، ولكنه يوحي بذلك تماماً.
وكان مئات الناجين والعديد من أقارب ضحايا هجمات سبتمبر قد رفعوا دعوى قضائية عام 2017 ضد السعودية، سعياً للاستفادة من قانون جاستا في محاسبتها بناء على الاتهامات الموجهة لها بالمسؤولية عن الهجمات التي أعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عنها، وشارك فيها 15 مواطناً سعودياً، وأسفرت عن مقتل نحو ثلاثة آلاف شخص.
وقال أندرو مالوني، محامي عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر، في رسالة لقاضية فيدرالية، يوم الأربعاء (4 مارس 2020)، إن اغتيال الصحفي السعودي أثر في الحصول على أدلة، موضحاً أن خاشقجي كان شاهداً محتملاً في القضية.
وأضاف مالوني أن خاشقجي قد التقى بالمحققة كاثرين هانت، التي عملت في السابق عميلة لمكتب التحقيقات الفيدرالية، وتعمل الآن مع العائلات، في 26 أكتوبر 2017، ثم أرسل رسالة نصية لمسؤولين سعوديين كبار في نفس اليوم.
وأردف المحامي: إن "اغتيال خاشقجي يُثبت أن ادعاءات الرياض بعدم تخويفها الشهود غير صحيحة".
كما أن موقع "كورتهاوس نيوز" نشر تقريراً للصحفي آدم كلاسفيلد قال فيه: إن "مالوني الذي عمل مدعياً عاماً لقسم الجنايات في منطقة جنوب نيويورك تحدث عن ثلاثة تهديدات متصورة في 22 فبراير الماضي".
وقال في الوثيقة المكونة من ثماني صفحات، والتي قدمت للمحكمة: "وافق عدة شهود آخرين أن يتحدثوا إلى محققينا فقط إن تم إخفاء هوياتهم خوفاً من الانتقام السعودي".
ولفت المحامي إلى أن "خاشقجي كان مسؤولاً حكومياً سابقاً في السعودية. في الواقع أعتقد أنه عمل مع الأمير تركي الفيصل الذي كان رئيساً سابقاً للمخابرات، وكان خاشقجي يعرف أسامة بن لادن، وكان يعرف عن آخرين من مؤيدي القاعدة، وكان لديه معلومات مهمة".
وتعتقد العائلات بأن أحد المسؤولين الذين كان يتصل بهم خاشقجي هو السفير السعودي السابق في واشنطن، خالد بن سلمان (شقيق ولي العهد محمد بن سلمان)، الذي غرد حول اتصالاته بخاشقجي بعد وفاة الصحفي بفترة قصيرة.
وقال السفير السعودي السابق، في نوفمبر 2018: "كما قلنا لواشنطن بوست، آخر مرة كان بيني وبين خاشقجي اتصال كان عبر رسائل نصية في 26 أكتوبر 2017". أما موضوع الرسائل النصية بين خاشقجي وخالد بن سلمان في ذلك اليوم فيبقى غامضاً.
المحامي مالوني علق بالقول: "لا نعرف عم كان حديثهم، ولكن نعرف أنه بعد أقل من عام تم قتل خاشقجي، حيث تم قتله بصورة وحشية داخل القنصلية في إسطنبول، في عملية قتل مرتبة ومخطط لها؛ حيث أحضر المسؤولون السعوديون معهم منشار عظم لتقطيع جثمانه".
وأشار مالوني إلى أن "شهوداً آخرين محتملين أشاروا إلى مقتل الصحفي كمثال على ما يحدث لمن يجرؤ على أن يتكلم ضد المملكة"، مبيناً: "لا نعرف ماذا حصل ولماذا تم قتله.. وأنا لست هنا لأخبر المحكمة بأن ذلك حصل بسبب المقابلة أو لأي سبب آخر؛ نحن فقط لا نعرف".
وصحة كلام المحامي تعني أن الرياض كانت تخشى من معلومات خاشقجي وليست من معارضته الناعمة لها، أو دعواته لحقوق الإنسان، خصوصاً أنه كان مقرباً من رئيس جهاز الاستخبارات السابق تركي الفيصل، وعمل مستشاراً إعلامياً له عندما كان سفيراً في لندن ثم في واشنطن.
ويعد حديثه مع محققة أمريكية في موضوع الهجمات التي نفذتها غالبية سعودية محط اشتباه كبير لدى سلطات المملكة، وخشيتها من تسريبه لأي معلومة قد تفيد في سير التحقيق.
ضغوط كشف السرية
وتزامن مع موضوع شهادة خاشقجي على هجمات 11 سبتمبر، ازدياد وتيرة الضغوط التي يمارسها مشرعون في الكونغرس على الإدارة الأمريكية لإخراج حقيقة مقتل خاشقجي إلى العلن.
ولم يكن مطلب كشف السرية عن معلومات الاغتيال بمجلس الشيوخ من قبل الحزب الديمقراطي فقط، بل من صفوف الحزب الجمهوري، متهمين ترامب بحظر نشرها بهدف حماية السعودية.
وكانت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي.آي.إيه"، وبعض الحكومات الغربية عبرت، نهاية 2018، عن اعتقادها بأن ولي العهد محمد بن سلمان هو من أمر بالقتل، لكن المسؤولين السعوديين يقولون إنه لم يكن له دور في ذلك.
إلا أن الرئيس ترامب أبدى شكوكاً إزاء تقييم "سي.آي.إيه"، وقال إن على واشنطن عدم المجازفة بتحالفها مع الرياض؛ حجر الزاوية للسياسة الأمنية الأمريكية في الخليج، والثقل الموازن لإيران في المنطقة.
في المقابل حمّل تقرير نشرته المفوضية العليا لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، في يونيو 2019، السعودية المسؤولية عن قتل خاشقجي "عمداً"، وأشار أيضاً إلى وجود أدلة موثقة تكفي للتحقيق مع مسؤولين كبار، بينهم بن سلمان.
وفي رسالة مشتركة، الثلاثاء (3 مارس 2020)، طلب كل من رئيس لجنة الاستخبارات السيناتور الجمهوري ريتشار بور، وكبير الديمقراطيين باللجنة السيناتور مارك وارنر، من القائم بأعمال مدير إدارة الاستخبارات الوطنية رفع السرية عن التفاصيل الرئيسية المتعلقة بقتل الصحفي السعودي.
من جانبه قال السيناتور الديمقراطي بلجنة المخابرات رون وايدن، أثناء مؤتمر صحفي، إنه سيلجأ إلى سلطة تعود إلى فترة السبعينيات قلما يتم استخدامها، وبموجبها يمكن لمجلس الشيوخ نفسه نشر معلومات عن مقتل خاشقجي؛ إذا تقرر أن ذلك يصب في المصلحة العامة.
وفي حال صوتت اللجنة للكشف عن التقرير فسيكون أمام ترامب خمسة أيام لتقديم اعتراض مكتوب، وبعدها يمكن أن يصوت مجلس الشيوخ بالكامل (أغلبيته جمهورية) على القرار.
وأوضح وايدن: "إذا لم يقم بلدنا وأصدقاؤنا وشركاؤنا بأي شيء في وجه هذا العمل الهمجي فإن ذلك يبعث برسالة في جميع أنحاء العالم مفادها أنه موسم اضطهاد الصحفيين".
بدوره قال العضو الديمقراطي بمجلس النواب توم مالينوفسكي: إن "الإدارة لم تحاول حتى أن تثبت لنا أن هذا الأمر (النشر) يمكن أن يتسبب بهذا النوع من الضرر".
وأضاف للصحفيين: "ما يخشونه باعتقادي واضح للغاية، إنهم يخشون إحراج شخص يملك علاقة وثيقة مع الرئيس ترامب وإدارته".
وبموجب قانون ميزانية "البنتاغون" كان يتعين على إدارة الرئيس ترامب إعلان تقييمها الرسمي بشأن المسؤول عن قتل خاشقجي، بحلول نهاية يناير الماضي، غير أن أجهزة الاستخبارات لم تُصدر التقييم علناً، واكتفت بإطلاع الكونغرس على تقرير سري.
وطلب الكونغرس، العام الماضي، من مدير الاستخبارات الوطنية تسمية مَن أمر بقتل خاشقجي، غير أنه قال إن المعلومات يجب أن تبقى سرية لعدم إلحاق الضرر بالأمن القومي.