الخليج أونلاين-
بحلول الذكرى الثانية لمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي على يد مسؤولين سعوديين في مقر قنصلية بلاده بإسطنبول، تحول الرجل إلى فكرة، وبات يمثل تهديداً لسلطة بلاده أكبر مما كان وهو على قيد الحياة.
وقبل يومين من حلول ذكرى الجريمة التي هزّت الضمير العالمي وأثارت عاصفة من الاتهامات للمملكة ولولي عهدها بتصفية المعارضين السلميين، أطلق عدد من أصدقاء الصحفي المغدور منظمة حقوقية وضع خاشقجي إطارها العام قبل أسابيع من اغتياله.
ورغم إغلاق سلطات المملكة لملف خاشقجي محلياً، بطريقة لم تنل رضا العالم فإنها لم تنجح حتى اللحظة في إغلاق القضية عالمياً، بعدما تحولت إلى قضية إنسانية بامتياز، وبعدما صار "شبح" الرجل وصورته يطاردان الرياض في كل محفل.
ومؤخراً، رفض عمدة لندن ولوس أنجلس وبارس المشاركة في قمة العمدات التي تستضيفها الرياض من 30 سبتمبر حتى 2 أكتوبر، ضمن فعاليات مجموعة العشرين التي تترأسها، وذلك حتى لا تؤخذ المشاركة على أنها دعم للنظام السعودي.
وبينما كان خاشقجي مجرد صحفي يعارض حكومة بلاده سلمياً عبر مقالات يكتبها في "واشنطن بوست" الأمريكية، أو عبر رؤى ومبادرات يطرحها للخروج ببلاده من مأزق الاستبداد، فقد أصبح اسمه الآن "أيقونة" للتحرر، وأصبح مقتله شاهداً على ما ترتكبه بعض النظم العربية من جرائم.
ليس خاشقجي وحده الذي نكّلت به جهات في حكومة بلاده، فثمة كثيرون غيره يتعرضون للتنكيل والاضطهاد، لكنه الوحيد الذي قررت حكومته تقطيعه وتذويب جثته، ضاربين بكل القوانين والمواثيق عُرض الحائط.
خاشقجي تحوّل إلى هاجس
وحاول أصدقاء الراحل، من خلال تأسيس منظمة "فجر"، الإبقاء على قضيته وعلى حلمه، وهم يرون أن التمسك بهذين الأمرين يمثل ضربة موجعة للنظام السعودي ومن يشبهه.
الدكتور عبد الله العودة، وهو أحد مؤسسي منظمة "فجر"، ومدير أبحاث منطقة الخليج فيها، قال لـ"الخليج أونلاين"، إن التمسك بأحلام خاشقجي أصبح ضرورة الآن؛ لأنها أحلام تؤرق السلطات ويمكنها الضغط عليها لتغيير سلوكها.
وفعلياً بات اسم خاشقجي يطارد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في كل مكان يذهب إليه، بعدما تحول الرجل الذي كان يوصف بأنه "مقرّب" من ولي العهد إلى "ضحية" مقربين من ولي العهد.
وكانت أزمة ولي العهد السعودي مع خاشقجي تتلخص في أن الأخير قدم رؤية لمستقبل المملكة تقوم على الحقوق والحريات ودعم القضايا العربية والإسلامية، في حين قدّم الأول رؤية تقوم على الانفتاح المجتمعي والتضييق السياسي، بغية الوصول إلى الحكم.
وبينما كان ولي العهد يقدم نفسه على أنه مصلح اجتماعي من خلال السماح بالحفلات والمباريات بحضور الجنسين، ورفع القيود المفروضة على المرأة في السفر أو في قيادة السيارة، كان خاشقجي يطرح رؤية سياسية واجتماعية لإعادة بناء المجتمع السعودي وعصرنته، دون التفريط في ثوابته.
ولإنهاء هذا السجال بدا أن المتهمين الذين يطالب العالم بكشف من أعطاهم الأوامر، قرروا التخلص من خاشقجي، لكن، وبعد عامين من الجريمة، ما يزال الرجل حاضراً في المشهد السعودي بكل تفاصيله.
قضية عالمية
المحلل السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو، يرى أن الجريمة ليست جريمة عادية، وأن الكثير من خيوط القضية من الواجب معرفتها؛ فهناك جثة أخفيت ولا أحد يعرف ما الذي جرى لها، وهو ما يستوجب تعاوناً دولياً للإمساك بكل هذه الخيوط.
وفي تصريح لـ"الخليج أونلاين"، قال كاتب أوغلو إن جريمة خاشقجي ككل تحولت إلى شبح كبير يحاصر السعودية في كل مكان بعدما فشلت في لملمة القصة عبر روايات كل واحدة منها تكذّب الأخرى.
لقد تحول خاشقجي إلى خطر أكبر على السعودية بعد مقتله، بعدما بات نموذجاً لصحفي استدرجته دولته إلى حتفه، بحسب كاتب أوغلو، الذي يرى أن خاشقجي بات يملك تأثيراً كبيراً بعد مقتله.
كما أن خاشقجي، يضيف كاتب أوغلو لـ"الخليج أونلاين"، كان صحفياً، أي إنه لم يكن يحمل سلاحاً، ومن ثم فما حدث له يكشف بشاعة فِعل من قاموا بهذه الجريمة، وعليه فإن الحكومة التركية عازمة على كشف الحقيقة ومعاقبة الجناة، بعيداً عن أي خلاف أو توافق سياسي، حسب قوله.
ويرى الكاتب التركي أن قضية خاشقجي أصبحت وستبقى قضية عالمية يدافع عنها كل الأحرار في العالم حتى معاقبة الجناة، مؤكداً أن "لعنة خاشقجي" ستبقى ضاغطة على الجناة وعلى كل الأحرار "حتى تتكشف حقائقها التي يريد البعض طمسها".
و"حتى لو نجح القتلة في تمييع القضية سنوات أخرى قادمة، فإن القضية ستظل باقية تبحث عن الحقيقة، وسيبقى ذكر اسم خاشقجي مقروناً بجملة: الصحفي الذي قتل في قنصلية بلاده"، يضيف كاتب أوغلو.
بن سلمان تجنّب العواقب.. حتى الآن
والأربعاء (30 سبتمبر) نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية مقالاً باللغة العربية عن الصحفي السعودي الراحل. وتناولت كاتبة المقال سارة لي ويتسون، المديرة التنفيذية لمنظمة فجر (DAWN) للديمقراطية، رؤية خاشقجي لحل مشاكل الشرق الأوسط.
وقالت الكاتبة: "إن خاشقجي اقترح حلاً للواقع المؤلم لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فأنشأ قبل عامين من جريمة قتله الوحشية بقنصلية بلاده في إسطنبول منظمة DAWN؛ لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم العربي".
وذكرت أن خاشقجي أخبرها، في ديسمبر 2016، أن نائب ولي العهد الجديد محمد بن سلمان منعه من نشر كتاباته، عقوبة على تغريدة له انتقد فيها إدارة ترامب القادمة، "ما جعلها تحثه على مغادرة البلاد، قبل أن تمنعه حكومة بلاده من السفر وتخنقه".
وعقب حملة الاعتقالات الواسعة للسلطات السعودية ضد العلماء والكتّاب والصحفيين في 2017، أدرك خاشقجي علامات ذلك وهرب، وفقاً للكاتبة.
وأضافت: "أتى جمال إلى الولايات المتحدة، وأصبح كاتب أعمدة في صحيفة واشنطن بوست. ومن منصته الجديدة دافع جمال عن الحرية في العالم العربي، من دون اعتبار لغضب حكام السعودية. اعتقد جمال أنه في مأمن خارج بلاده. اعتقدتُ أنه آمن أيضاً. كنا مخطئين".
وأشارت إلى أنه ورغم الضرر الذي لحق بمحمد بن سلمان من جراء مقتل خاشقجي فإنه حتى الآن "تمكن من تجنب أي عواقب وخيمة على دوره في الجريمة".
وإلى جانب ذلك، استمرت مبيعات الأسلحة المربحة إلى السعودية. ورأت الكاتبة أن الاجتماع الافتراضي القادم لقمة مجموعة العشرين في الرياض "دفعة جماعية كبيرة أخرى من قبل الشركات العالمية والحكومات؛ لمساعدة محمد بن سلمان على تطهير سجله الملطخ بالدماء".
وباتت جولات المسؤولين السعوديين، وخصوصاً ولي العهد، تستقبل في العواصم العالمية بالانتقادات واللافتات والوقفات المنددة باستقبالهم، مع المطالبة بإيقاف "الانتهاكات الحقوقية في الداخل والخارج".
من جهتها، تصر تركيا على محاسبة القتلة دولياً، فيما كشفت تحقيقات الاستخبارات الأمريكية والأممية ضلوع ولي العهد بالجريمة عبر إعطائه الأوامر، وهو ما يجعل القضية أخطر شيئاً فشيئاً.
على خطا خاشقجي
لكن منظمات المجتمع المدني الأمريكية، بحسب ويتسون، "تعمل على تغيير جهود الحكومة السعودية التي تغذيها العلاقات العامة من أجل التطبيع"، وهي "ترفع دعاوى قضائية لإجبار حكومة الولايات المتحدة على الكشف عن معلومات بشأن مقتل جمال، وتنظيم مقاطعة لعرض محمد بن سلمان في مجموعة العشرين".
وتهدف منظمة "الديمقراطية الآن للعالم العربي" (DAWN) لخوض النضال؛ من أجل أن تكون "منبراً مهماً للمنفيين السياسيين من جميع أنحاء المنطقة للمناقشة والترويج بحرية لرؤيتهم للحرية والديمقراطية في المنطقة".
وستسير على خُطا خاشقجي في السعي نحو "التأثير على سياسة الولايات المتحدة، وكذلك الدول الأخرى لوقف إيذاء شعوب هذه المنطقة من خلال دعم قادتها المسيئين وغير الشرعيين"، بحسب ما ورد في المقال.