ستراتفور -
مع ضعف الدوافع التي تجمعهما، ستصبح الولايات المتحدة والسعودية أكثر تحفظا في تعميق علاقاتهما الاستراتيجية وأكثر انتقادا لبعضهما البعض. وفي 26 فبراير/شباط، أصدرت إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" تقريرا يلوم علنا ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" في اغتيال الصحفي "جمال خاشقجي" عام 2018، وفرضت حظرا على تأشيرات 76 سعوديا مرتبطين بهذه الجريمة بموجب قانون جديد يسمى "حظر خاشقجي".
ويشير ذلك، إلى جانب التصريحات الأخيرة وتجميد الأسلحة، إلى أن "بايدن" يستعد لتحويل العلاقات السعودية الأمريكية بعيدا عن العلاقة الشخصية الوثيقة لسلفه مع المملكة. ويبدو أن البيت الأبيض مستعد للضغط على السعودية للانخراط في سياسة خارجية أكثر انضباطا، مع التركيز على أهداف حقوق الإنسان الأمريكية في حواره مع المملكة. وسوف يتعارض هذا الضغط بلا شك مع العديد من ضرورات السعودية، ما يؤدي إلى تراجع من جانب الرياض واضطراب في العلاقات طويلة الأمد بين الولايات المتحدة والسعودية.
وفي 27 يناير/كانون الثاني، تحركت إدارة "بايدن" لتجميد مبيعات الأسلحة إلى السعودية. وأجرى البيت الأبيض مراجعة استراتيجية لعلاقاته مع المملكة، وتم تصميم المراجعة لتوفير خارطة طريق لواضعي السياسات خلال فترة ولاية "بايدن" تتضمن مجال حقوق الإنسان كعنصر بارز، فيما يمثل خروجا عن نهج الرئيس السابق "دونالد ترامب". وكذلك أشار "بايدن" إلى التدخل السعودي في اليمن باعتباره قضية مثيرة للقلق، منهيا الدعم الأمريكي الرسمي للحملة هناك.
وكان "ترامب" قد حمى المملكة من إجراءات الكونجرس خلال فترة ولايته، ما أخر تقريرا علنيا عن اغتيال "خاشقجي" كان من شأنه أن يكشف تورط ولي العهد. كما خففت إدارة "ترامب" العقوبات الأمريكية على المملكة لتكون رمزية إلى حد كبير.
وأصبح ولي العهد السعودي حاجزا لانتقاد الولايات المتحدة للسعودية منذ اغتيال "خاشقجي". لكن العديد من القضايا الأخرى كانت تغلي تحت السطح، بما في ذلك المخاوف بشأن البرنامج النووي للسعودية، وسجل حقوق الإنسان الأوسع، والعلاقة الوثيقة السابقة مع "الحركة الوهابية" واتهامات الإرهاب.
وأصدرت مكتب التحقيقات الفدرالي مذكرة العام الماضي، قال فيها إن الحكومة السعودية ساعدت مواطنيها المتهمين بارتكاب جرائم خطيرة على الفرار من الولايات المتحدة "بشكل شبه مؤكد"، ما أثار دعوات بين المشرعين الأمريكيين لضمان محاسبة السعوديين الذين يدرسون ويعيشون في الولايات المتحدة جنائيا.
وتحت إدارات متعددة، كانت الولايات المتحدة تقلل من أهمية العلاقة الاستراتيجية الوثيقة مع السعودية، مدفوعة بتراجع الحاجة إلى النفط السعودي، وتراجع مشاركة الأمريكيين في صراعات الشرق الأوسط، والرغبة في تركيز موارد الولايات المتحدة على منافستها مع القوى العظمى، الصين وروسيا.
وفي عهد الرئيس "باراك أوباما"، أكدت الولايات المتحدة علنا أنها ستنتقل من الشرق الأوسط نحو آسيا لمواجهة الصين الصاعدة، وحثت واشنطن الحلفاء الإقليميين على أن يصبحوا أكثر مسؤولية عن أمنهم الخاص. كما تجاهل "أوباما" السعودية خلال التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني، الذي عارضته الرياض بشدة لما رأت أنه فشل في معالجة مخاوف المملكة بشأن السياسات الخارجية لإيران.
وخلال فترة ولايته، أقام "ترامب" علاقة شخصية وثيقة مع "بن سلمان"، حيث سعى وراء صفقات الأسلحة رفيعة المستوى، بينما منع محاولات الكونجرس لوقف مبيعات الأسلحة وأشكال التعاون الأخرى مع المملكة.
ومع ذلك، أدت المخاوف من الانجرار إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط إلى تقييد رد إدارة "ترامب" العسكري على الهجمات المرتبطة بإيران على الأراضي السعودية في الأعوام الأخيرة، بما في ذلك ضربات 2019 ضد منشآت النفط التابعة لشركة "أرامكو" السعودية في بقيق وخريص والتي انطلقت من إيران على الأرجح، إلى جانب العديد من هجمات الحوثيين التي انطلقت من اليمن باتجاه المدن السعودية والبنية التحتية للمملكة.
ومحليا، ساعدت التطورات الأمريكية فيما يتعلق مصادر الطاقة البديلة وزيادة إنتاج النفط الصخري أيضا على تقليل الحساسية الاقتصادية والسياسية العامة للولايات المتحدة تجاه أمن النفط في السعودية.
وستكون إدارة "بايدن" أكثر صراحة في انتقاد قيادة ولي العهد السعودي، وكذلك أي من السياسات الداخلية والخارجية للمملكة التي يبدو أنها تقوض نظرة الولايات المتحدة لحقوق الإنسان. ولكن بفضل النفوذ الاقتصادي للسعودية في الولايات المتحدة جزئيا، من غير المرجح أن تشعر الرياض بالحاجة إلى الإسراع في تغييرات في السياسة تتجاوز الاسترضاء الرمزي.
وبينما تقوم الولايات المتحدة بمعايرة سياساتها، فمن غير المرجح أن تخاطر بعلاقاتها الاقتصادية والاستراتيجية التي لا تزال جوهرية مع السعودية بما يتجاوز الضغط الخطابي والدبلوماسي على المملكة لتعديل سلوكها.
وستكون السعودية، مدعومة بقاعدة محلية قومية متنامية، منفتحة على تغيير بعض السياسات والانخراط في تنازلات رمزية بشأن قضايا مثل حقوق الإنسان، لكنها ستحجم عن السماح للضغط الأجنبي بتحديد أجندتها السياسية الشاملة.
وستبقى السياسة الداخلية للمملكة مرنة في مواجهة الضغوط الخارجية، مع عدم وجود تاريخ من الانقلابات الخارجية ولا انتخابات قد تتلاعب بها قوى خارجية. وتاريخيا، جعل الهيكل القبلي والعائلي الضيق للمملكة من الصعب على الغرباء اختراق البلاد. كما أدى المد المتصاعد من القومية السعودية إلى جعل السعوديين العاديين أكثر تشككا في النفوذ الأجنبي.
وفي عام 2015، قدرت وزارة التجارة الأمريكية أن 165 ألف وظيفة أمريكية تم توفيرها من خلال الصادرات إلى السعودية. وفي عام 2019، بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر للمملكة في الولايات المتحدة 13.2 مليار دولار، مع 8 آلاف و500 عامل في الشركات المملوكة للسعودية. وأصبح صندوق الاستثمارات العامة السعودي يستحوذ على نحو 12.8 مليارات دولار من الأسهم الأمريكية اعتبارا من فبراير/شباط 2021.
وسوف تضعف التوترات الأمريكية المتزايدة معنويات المستثمرين تجاه المملكة، مدفوعة بمخاوف من أن السعودية قد تتورط في انتهاك آخر لحقوق الإنسان من شأنه أن يزيد من توتر علاقاتها مع واشنطن والغرب على نطاق أوسع.
ويتمتع كل من "بايدن" والكونجرس الأمريكي بسلطة اتخاذ إجراءات ضد السعودية بشأن أي انتهاكات جديدة لحقوق الإنسان أو قمع المعارضين في المملكة، وكلاهما لا يزال محتملا، نظرا لأن الناشطين السعوديين يشعرون الآن بمزيد من الجرأة لانتقاد الحكومة علنا بعد أن أطلقت الرياض سراح المعارضين البارزين في محاولة لتحسين سجل حقوق الإنسان.
وقد يؤدي الصعود المحتمل لـ"بن سلمان" إلى العرش إلى تفاقم التوترات مع واشنطن أيضا، لا سيما إذا شهد عهده عودة السعودية إلى السلوكيات عالية الخطورة في الداخل والخارج.
وقد عمل الملك "سلمان" وأنصاره المقربون بمثابة رقيب على بعض تأثيرات وسياسات "بن سلمان"، بالرغم أن ولي العهد يدير الكثير من الشؤون اليومية للمملكة. لكن الملك يبلغ من العمر 85 عاما، وبحسب ما ورد فإنه في حالة صحية سيئة.
وتعتمد "رؤية 2030" للمملكة جزئيا على الاستثمار الأجنبي للمساعدة في تحقيق أهداف التنمية في السياحة والبناء والتصنيع وخطط التنويع الأخرى. وقد تعثر الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة بسبب المخاطر المستمرة على سمعة بعض الشركات، التي أدى اغتيال "خاشقجي" إلى تفاقمها.
وفي عام 2019، فشلت السعودية في تحقيق هدفها للاستثمار الأجنبي المباشر البالغ 10 مليارات دولار، ووصل فقط إلى 4.6 مليار دولار في ذلك العام، بالرغم من تصنيف المملكة الجيد في تقرير سهولة ممارسة الأعمال الصادر عن البنك الدولي عام 2020.