متابعات-
يبدو أن إدارة "بايدن" وقعت تخليها عن رجل الرياض القوي "محمد بن سلمان" بعد كشف تقرير استخباراتي أمريكي أن هذا الأخير "أجاز اعتقال أو قتل" الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، كيف تسبب هذا التقرير بانهيار مكانة ولي عهد المملكة على الساحة الدولية؟
كان ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" محقا في تخوفاته من وصول الرئيس الديمقراطي "جو بايدن" إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة بعد أن راهن كثيرا على فوز حليفه الأساسي "دونالد ترامب" بعهدة رئاسية ثانية.
فغداة نشر واشنطن للتقرير الاستخباري الذي يتهمه بأنه "أجاز اعتقال أو قتل" الصحافي السعودي جمال خاشقجي، بدا ولي العهد السعودي وكأنه الخاسر الأكبر على الساحة الدبلوماسية في الشرق الأوسط بعد انتخاب "جو بايدن" رئيسا جديدا للولايات المتحدة الأمريكية.
الرئيس الأمريكي الجديد يريد إعادة "ضبط" العلاقات التي تربط واشنطن بالرياض وإحداث قطيعة مع الدبلوماسية التي كان يتبعها "دونالد ترامب" في المنطقة لا سيما أن بايدن لم يخف طيلة حملته الانتخابية "عداوته" إزاء الأمير السعودي الشاب.
صدى دولي "لتخلي" واشنطن الصريح عن "محمد بن سلمان"
إضافة إلى تأكيد واشنطن بأنها تحتفظ بحق معاقبة الأمير "محمد بن سلمان" في المستقبل في حال لزم الأمر، فإن التصريحات الأمريكية المنتقدة له أثرت سلبا على صورته بشكل خاص وعلى صورة بلاده عامة.
بل وأكثر من ذلك، شكلت التصريحات الأمريكية ضربة موجعة لهذا الأمير الشاب الذي كان يريد أن يسوق لدى الغرب صورة رجل منفتح على العالم مستعد وعازم على تنفيذ إصلاحات تغير المملكة المحافظة.
عين الملك "سلمان" ابنه "محمد" وزيرا للدفاع ثم في يونيو/حزيران 2017 وليا للعهد، وبالرغم أن "محمد بن سلمان" كان يوصف بالاندفاع والتسرع، إلا أن نجمه سطع في سماء السياسية السعودية بشكل مذهل بفضل مشروع تغيير الاقتصاد السعودي إضافة إلى محاربة الفساد والإرهاب من جهة أخرى.
لكن الطريقة القاسية التي اتبعها "محمد بن سلمان" في إدارة شؤون البلاد والحكم الاستبدادي الذي فرضه في الداخل السعودي ألقت بظلالها على المبادرات السياسية والاقتصادية التي اتخذها. والدليل على ذلك أن شهورا قليلة كانت كافية لكي يصبح فعليا صاحب السلطة في المملكة العربية السعودية عبر تغيير طبيعة الحكم فيها، وهو نظام ملكي يرتكز على التوافق بين مختلف العائلات النافذة، إلى شخصنة الحكم والاستفراد بالسلطة.
هذا، واستغل "محمد بن سلمان" الزيارات العديدة التي قام بها إلى الخارج، خاصة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا، لكي ينسي العالم سلسلة الاعتقالات في المملكة والتي طالت العديد من أفراد الأسرة الملكية والشخصيات ذات النفوذ في السعودية والمدافعين عن حقوق الإنسان والمثقفين والمنتقدين لسياسته.
وندد الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، الذي كان يعيش في المنفى بالولايات المتحدة الأمريكية منذ 2017 بنهج الأمير الشاب وخصص العديد من الأعمدة الصحفية حول هذا الموضوع نشرت على موقع "واشنطن بوست" الشهير.
وأثار اغتيال هذا الصحفي في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018 زوبعة عالمية، أثرت سلبا على صورة "محمد بن سلمان"، فراح الإعلام ينتقد حصيلته "الرديئة " في مجال حقوق الإنسان والحريات.
تضييق حرية التعبير، منع التجمعات السلمية في المملكة، ممارسة التمييز إزاء النساء والأقلية الشيعية، إصدار أحكام تعسفية بالإعدام وممارسة التعذيب، إذا كان الطابع القمعي هو الذي يميز منذ زمن بعيد النظام السعودي الذي يطبق بشكل صارم قوانين الشريعة الإسلامية ويتعامل بقساوة مع الاحتجاجات الداخلية، فالوضع تأزم أكثر منذ وصول "محمد بن سلمان" إلى السلطة.
حليف محرج للولايات المتحدة
إلى ذلك، قال "كريم سدير"، وهو مختص ومستشار في شؤون الخليج عن الحصيلة الدبلوماسية لولي العهد السعودي، "سواء تعلق الأمر بالحرب في اليمن الذي تحول إلى فيتنام جديدة على أبواب المملكة أو بالحصار الاقتصادي الذي فرض على قطر أو التعامل بالقوة مع الملف اللبناني عبر قضية رئيس الوزراء سعد الحريري … لم يتمكن أي من مبادراته السعوديين من تعزيز موقعهم في المنطقة أمام إيران".
ففي اليمن مثلا، خاض "محمد بن سلمان" حربا ضروسا منذ مارس/آذار 2015 في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران مع التحالف الدولي، ما تسبب في "أسوأ أزمة إنسانية في العالم" حسب تعبير الأمم المتحدة.
كما ربط "محمد بن سلمان" دبلوماسيته بإدارة ترامب الذي زار السعودية مباشرة بعد انتخابه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، وكلاهما تركز أنظارهما على التهديد الإيراني.
واقترب "بن سلمان" من "جاريد كوشنير"، صهر "دونالد ترامب" الذي كلف بمتابعة قضايا الشرق الأوسط.
هذا التقارب بين الرجلين سهل لولي العهد السعودي إمكانية الوصول إلى دائرة القرار في واشنطن وإلى دونالد ترامب شخصيا فسانده بقوة أثناء فضيحة مقتل الصحفي "جمال خاشقجي".
ورغم أن "محمد بن سلمان" ظهر كحليف محرج للولايات المتحدة، إلا أن "دونالد ترامب" دافع عنه شخصيا مقابل ضمان السعودية لـ"صفقة القرن" في الشرق الأوسط وهي الصفقة التي فتحت الباب واسعا أمام تطبيع بعض الدول العربية (الإمارات العربية المتحدة، المغرب، البحرين...) لعلاقاتها مع إسرائيل.
لكن في الجهة المقابلة، لم ينفك الإعلام الأمريكي والمعسكر الديمقراطي عن توجيه انتقادات لاذعة لولي العهد السعودي، إلى درجة أنه أرغم في نهاية المطاف على "تحمل مسؤولية" مقتل الصحفي "جمال خاشقجي"، نافيا في نفس الوقت أن يكون هو من أمر بهذه العملية.
هل هي طريقة عمل الإدارة الأمريكية الجديدة للإطاحة به؟
في أكتوبر/تشرين الأول 2019، نشرت مجلة "نيوزويك" الأمريكية مقابلة غير مؤرخة مع الصحفي "جمال خاشقجي" وصف فيها "محمد بن سلمان" بـ"الحاكم القبلي والرجعي" وبرجل ذات سلطة "استبدادية" وبالمناهض لأي تطور للنظام السعودي نحو الديمقراطية.
ولغاية الآن لم تكشف الرياض عن مكان تواجد جثة هذا الصحافي الذي اختفى في 2 أكتوبر/تشرين الثاني 2018 بعد دخوله مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول.
وصول "جو بايدن" إلى السلطة أدى إلى تراجع نفوذ "بن سلمان"، الرئيس الأمريكي اتخذ قرارات لا تخدم كثيرا مصالح ولي العهد السعودي (مد اليد لإيران لكي تعود إلى الاتفاق النووي حظر بيع بعض الأسلحة للرياض).
ويشار إلى أن منظمة مراسلون بلا حدود أعلنت الثلاثاء أنها تقدمت بدعوى قضائية في ألمانيا تتعلق بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بحق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ، منددة بـ"مسؤوليته في مقتل الصحافي خاشقجي وسجن حوالي ثلاثين صحافيا آخرين.
لا بد أن "محمد بن سلمان" فقد الشعور بالحصانة التي كان يملكها عندما كان "دونالد ترامب" رئيسا للولايات المتحدة. ويبقى السؤال: ما هو مستقبل "محمد بن سلمان" في السعودية وهل هي طريقة عمل الإدارة الأمريكية للإطاحة به؟.