الجارديان - ستيفاني كيرشجيسنر - ترجمة الخليج الجديد-
في أواخر 2019، عندما وقف "جو بايدن" على منصة المناظرة، وتعهد بجرأة بجعل السعودية منبوذة إذا تم انتخابه رئيسا، كان مساعد سابق له غير معروف على نطاق واسع وخبير في شؤون الشرق الأوسط يبحث خطة التعامل مع المملكة الغنية بالنفط في مرحلة ما بعد "دونالد ترامب".
فقد سافر "دانيال بنعيم"، الخبير السياسي الذي عمل مع "بايدن" ككاتب خطابات، ومن قبل ذلك مع "هيلاري كلينتون" و"جون كيري"، أولا إلى السعودية، ثم بدأ في إجراء مقابلات مع العشرات من خبراء السياسة الديمقراطيين والتقدميين للتوصل إلى برنامج عمل.
انقسم الخبراء - دبلوماسيون أمريكيون سابقون ومسؤولون حاليون وأكاديميون وناشطون - حول سؤال واحد: هل علاقة الولايات المتحدة مع السعودية وحاكمها الفعلي الشاب الطائش بشكل جلي والقاتل والمتقلب "محمد بن سلمان" تستحق الإنقاذ أم لا؟
بالنسبة لـ"معيدي التفكير" في العلاقة بين البلدين، كما أطلق عليهم "بنعيم"، كانت الإجابة "لا"؛ فالشراكة مع السعودية غير موثوقة وغير مستساغة وعفا عليها الزمن ومبالغ فيها. بينما يعتقد "مناصرو الضبط" أن هناك قيمة دائمة في العلاقة بين البلدين، لكنها تحتاج إلى بعض من "الحب القاسي".
وبينما كانت إدارة "بايدن" تستعد الأسبوع الماضي لإصدار تقرير طال انتظاره حول جريمة قتل الصحفي في "واشنطن بوست"، "جمال خاشقجي"، كان المعارضون والنشطاء وبعض أعضاء الكونجرس يأملون في رد من الرئيس الأمريكي الجديد يكون بمثابة وفاء بما وعد به خلال حملته الانتخابية بجعل السعودية "منبوذة".
يعتقد بعض "معيدي التفكير" أن الضغط المكثف من قبل الولايات المتحدة، أهم حليف للرياض، والذي يستهدف مباشرة الرجل الذي خلصت وكالات المخابرات إلى أنه متواطئ في قتل "خاشقجي"، قد يؤدي إلى تنحية الأمير "بن سلمان" عن خط خلافة العرش.
لكن بدلا من ذلك، أيد "بايدن" سياسة "إعادة المعايرة" للعلاقات مع السعودية مع توخي "عدم تمزيقها"، وهي الكلمات ذاتها التي استخدمها "بنعيم"، وهو الآن أحد كبار مستشاري وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط، في تحليلاته وتوصياته الخاصة بالسياسة الأمريكية إزاء المملكة.
فبعد سنوات "ترامب"، التي تجاهلت فيها الإدارة السابقة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في المملكة، قوبل قرار البيت الأبيض بإصدار تقرير مكتب مدير المخابرات الوطنية (ODNI) بشأن جريمة قتل "خاشقجي" بالترحيب لشفافيته، كما كان الحال بالنسبة لقرار "بايدن" نبذ "بن سلمان" شخصيا، والدعوة إلى إنهاء الحرب السعودية في اليمن.
لكن خطوة التخلي عن معاقبة الأمير الشاب، قُوبلت أيضا باستياء في العديد من الدوائر، بما في ذلك قاعات الكونجرس؛ حيث يعتبر النفور من ولي العهد أحد القضايا القليلة التي يمكن أن تجمع الديمقراطيين والجمهوريين على أرضية مشتركة.
لقد سلمت افتتاحية نشرتها "واشنطن بوست" (قبل أيام) بأن "بايدن" وضع على الأقل حدا لـ"التدليل غير المألوف وغير المسبوق" الذي انتهجه سلفه "ترامب" مع السعودية. لكن الصحيفة قالت إن الرئيس الأمريكي الجديد، "منح، رغم ذلك، ما يرقى إلى إفلات من العقاب لحاكم زرع عدم الاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، وقاد أعنف حملة قمع ضد المعارضة في التاريخ السعودي الحديث.
لقد دافع المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية "نيد برايس" عن قرار إدارة "بايدن" بهذا الخصوص، وقال في مؤتمر صحفي مطلع هذا الأسبوع: "الإدارة بعثت برسالة صريحة إلى القادة السعوديين".
وأضاف: "نسعى إلى شراكة (مع السعودية) تعكس عملنا المهم معا ومصالحنا وأولوياتنا المشتركة، ولكن أيضا شراكة يتم إجراؤها بمزيد من الشفافية والمسؤولية وتتوافق مع قيم أمريكا".
وأكد أن الولايات المتحدة لن "تتجاهل أو تقلل من أي سلوك فاضح" من قبل المملكة، لكن العلاقة مع السعودية "لا تزال مهمة لمصالح الولايات المتحدة".
تقرير "بنعيم" الذي جرى تقديمه إلى "مؤسسة القرن" (مؤسسة بحثية تقدمية) في يونيو/حزيران 2020، والذي يبدو أنه ألقى بظلاله على قرار إدارة "بايدن"، قدم أدلة إضافية حول القضايا التي ربما تكون وجهت تفكير الإدارة، بما في ذلك الأهمية الدائمة للتعاون مع المملكة في مجالي النفط ومكافحة الإرهاب.
وأشار "بنعيم" إلى أن بعض الخبراء يعتقدون أنه من الخطر التقليل من أهمية الاستقرار الداخلي للمملكة، محذرين من أن "عواقب سقوط بن سلمان على الولايات المتحدة قد تكون أسوأ من الثورة الإيرانية عام 1979".
وقال آخرون إنه - رغم خلافات البلدين - فإن علاقة واشنطن بالرياض كانت مهمة في التصدي لطهران وعدائها التقليدي لأمريكا.
وفي حديث مع "واشنطن بوست"، وصف مسؤولون (لم تذكر الصحيفة أسماءهم) المداولات الداخلية لإدارة "بايدن" بشأن كيفية التعامل مع السعودية بعد نشر تقرير "خاشقجي"، قائلين إنه تم النظر إلى أن فرض حظر علني على حفيد مؤسس المملكة (بن سلمان) على أنه أقرب إلى إعلان علاقة عدائية مع المملكة، حامية أقدس المواقع الإسلامية في العالم. كما نُظر إلى تجميد أصول "بن سلمان"، وهي فكرة أخرى طرحها النقاد، على أنه أمر شبه مستحيل.
ومع ذلك، أعرب أعضاء الكونجرس عن إحباطهم، وقال "بروس ريدل"، وهو محلل سابق في الشأن السعودي لدى "وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية" (سي آي إيه) وأحد الخبراء البارزين في العالم في شؤون العائلة الحاكمة بالسعودية: "إلى حد بعيد، لا أعتقد أن هذه القصة انتهت".
وأضاف: "ما يمكنني قوله بثقة هو أن الجدل لم ينته بعد، وسيستمر في المجال العام وفي وسائل الإعلام وفي الكونجرس".
وتابع: "ستواجه الإدارة وقتا عصيبا في إقناع الناس بأن ما اتخذته من إجراءات (بحق السعودية) كان كافيا".
وحاليا، يجري العمل بالفعل على مقترحات تشريعية في الكونجرس لاستهداف "بن سلمان". إذ طرح رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الديمقراطي "روبرت مينينديز"، إمكانية معاقبة ولي العهد من خلال قانون ماجنيتسكي، الذي يستهدف المسؤولين الدولييين لانتهاكهم حقوق الإنسان، وقال إنه من المهم أن يواجه الأمير السعودي "عواقب حقيقية".
وإذا قرر الكونجرس بالفعل اتخاذ إجراء ضد الأمير دون دعم صريح من "بايدن"، فلن تكون هذه هي المرة الأولى التي يتغلب فيها المشرعون على مناورات رئيس في قضية متعلقة بالسعودية. ففي نهاية عهد إدارة "باراك أوباما"، تجاوز الكونجرس حق النقض الرئاسي، وأصدر قانونا يحد من الحصانة السيادية للسعودية أمام الدعاوى القضائية التي رفعتها عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
أشار "ريدل" إلى أن "بن سلمان" يتعرض لضغوط شديدة في الداخل؛ حيث يقود حربا مكلفة وخاسرة في اليمن، ويواجه تهديدات من أعداء محليين بعد قيامه بإبعاد أفراد من العائلة المالكة، بما في ذلك أولئك الذين "قمعهم" كجزء مما عرف بـ"حملة مكافحة الفساد في فندق ريتز كارلتون".
وردا على سؤال عما إذا كان الوقت قد فات الآن للاعتقاد بإمكانية منع "بن سلمان" من أن يصبح ملكا، قال "ريدل": "لا. لديه أعداء كثيرون في السعودية. إذا كان هدف الولايات المتحدة هو إقامة سعودية مستقرة ومعتدلة ومستقرة داخليا وليست مصدرا للاضطرابات في المنطقة، فلا مكان لمحمد بن سلمان في السعودية. نحن نعرف ذلك، وقد عاينا تصرفاته على مدار سنوات".
كما أشار "ريدل" وآخرون إلى تناقضات في سياسة البيت الأبيض من الصعب التعامل معها. فقد قالت الإدارة إن "بايدن" سيتعامل فقط مع نظيره الملك "سلمان"، لكن نجله يمكن نظريا أن يصبح ملكا في أي لحظة.
وعندما سعى البيت الأبيض للدفاع عن قراره بالإحجام عن فرض عقوبات مباشرة على "بن سلمان"، أشار إلى السوابق التاريخية التي لم تشهد إصدار مثل هذه الإجراءات بحق رؤساء الدول الأجنبية. وهذا يتناقض مع تصريحات سابقة للإدارة جادلت بأن "بن سلمان" ليس في الواقع رئيس دولة.
وتابع "ريدل": "لهذا السبب أعتقد أن لم يتم التفكير جيدا ببعض جوانب هذه السياسة. ومن الواضح لي أنهم (مسؤولو إدارة بايدن) لم يتوقعوا كل هذا النقد".
وأضاف: "إنهم ما زالوا يحاولون الدفاع عن قضيتهم، ولم يحققوا الكثير من النجاح".
من جانبه، قال "سيث بيندر"، من منظمة "مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط" (POMED)، إن الولايات المتحدة سعت إلى إرسال رسالة مفادها أن "بايدن" أصدر التقرير التزاما بالقانون الذي أصدره الكونجرس، لكنها أظهرت في النهاية أن "بن سلمان" لا يمكن معاقبته لأنه فوق القانون.
وقال "بيندر": "لا أعتقد أيضا أن الإدارة نجحت في تبرير عدم قدرتنا على معاقبة بن سلمان و(أيضا) عدم قطع العلاقة" معه.
وتابع: "لا يزال بإمكان الولايات المتحدة التعامل مع مسؤولي الأمن والدبلوماسيين (السعوديين) الآخرين كما نريد، دون العفو عن بن سلمان".
كان هناك أيضا قرار غامض يتعلق بحذف أسماء 3 سعوديين مدرجين على أنهم متواطئون في جريمة قتل "خاشقجي" في تقرير مكتب مدير المخابرات الوطنية.
في الكابيتول هيل، أطلق عضو الكونجرس الديمقراطي عن ولاية نيوجيرسي "آندي كيم"، الذي عمل سابقا في فريق الأمن القومي في إدارة "أوباما"، بعضا من أشد الانتقادات ضد إدارة "بايدن"، قائلا إن عدم اتخاذ إجراء ضد "بن سلمان" أرسل "رسالة واضحة في جميع أنحاء العالم. أن أولئك الذين في القمة يمكنهم الإفلات من العواقب".
وفي مقابلة مع صحيفة "الجارديان" البريطانية، قال "كيم"، وهو عضو في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، إنه لم يكن في نيته أبدا محاولة إجبار "بايدن" على تغيير خط الخلافة السعودية.
وقال: "يتعلق الأمر بمحاولة وضع الأمور في نصابها الصحيح فيما يتعلق بالعلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية. أشعر أننا في كثير من الأحيان لا ننظر إلى تلك العلاقة بعيون صادقة".
وأضاف: "ما نحاول أن نقرره الآن هو الخطوات التالية. لقد دفعت الإجراءات التي اتخذها بن سلمان قبل عامين علاقتنا إلى حافة الهاوية. بن سلمان هو الذي عرض علاقتنا للخطر؛ وبالتالي فهو المسؤول عن اتخاذ إجراءات لمحاولة إصلاحها. ماذا سيفعل؟ ما الذي سيأتي به إلى الطاولة؟".
بالنسبة لـ"كيم" والمشرعين الآخرين، فإن القضية لا تتعلق فقط بالفوز في معركة إحقاق العدالة لـ"خاشقجي"، ولكن أيضا تصور الشكل الذي ستبدو عليه العلاقات الأمريكية السعودية في المستقبل عندما يصبح "بن سلمان" ملكا، ويكون المسؤول عن المملكة لعقود.
وقال "كيم": "التحالف ليس مجرد تحالف في حد ذاته؛ فهو يخدم الأهداف والغايات الاستراتيجية" للمتحالفين.
وأيد هذا الرأي "عبدالله العودة"، الأكاديمي والناشط السعودي المقيم في واشنطن، والذي يواجه والده، الداعية الإسلامي البارز المؤيد للإصلاح، "سلمان العودة"، عقوبة الإعدام في سجن سعودي.
وقال "عبدالله": "هناك أشخاص يقولون: (لنكن واقعيين)، حسنا، لنكن واقعيين. لنتحدث عن الاستقرار. لقد شن هذا الرجل (بن سلمان) حربا (باليمن) في جنوب المملكة وخلق أسوأ أزمة إنسانية هناك، وهذا ليس فقط وصمة عار على جبين المملكة، ولكن أيضا على جبين الولايات المتحدة، وعلى جبين كل من ساعد السعوديين في شن هذه الحرب".
وأضاف: "بن سلمان حتى الآن ولي عهد فقط. تخيل ماذا سيفعل عندما يصبح ملكا ويحكم لأربعين سنة قادمة؟".
ولفت "عبدالله" إلى أن البدائل الثلاثة الأكثر نفوذا لـ"بن سلمان" لتولى حكم المملكة جميعها رهن الاحتجاز الآن: ولي العهد السابق والحليف المقرب للولايات المتحدة "محمد بن نايف"، والأخ الشقيق الوحيد المتبقي للملك "سلمان" الأمير "أحمد بن عبدالعزيز آل سعود"، ونجل الملك الراحل "عبدالله" الأمير "تركي بن عبدالله".
وتابع: "إذا لم يتعرض بن سلمان ليس فقط للضغط، وإنما أيضا تم إجباره على إطلاق سراحهم (الشخصيات الثلاث) من السجن، وإذا كانوا محميين من قبل المجتمع الدولي، أعتقد أن العائلة المالكة ستفقد فرصتها لتقرير من هو ولي العهد والملك القادم".