ميدل إيست مونيتور - ترجمة الخليج الجديد-
"محمد بن سلمان لعبها بخبرة".. هكذا وصف الكاتب "ريك زاند" مآل مشروع ولي العهد السعودي الاقتصادي في ضوء الأزمات التي صنعها، والتي هددت هذا المشروع وجوديا، خاصة جريمة مقتل الصحفي "جمال خاشقجي".
وذكر "زاند"، في مقال نشره بموقع "ميدل إيست مونيتور" وترجمه "الخليج الجديد"، أن خطط "بن سلمان" الطموحة لإحداث ثورة في اقتصاد أكبر دولة خليجية واجهت خطر الانهيار بعدما اتُهم بإصدار أوامر القتل الوحشي لـ "خاشقجي"، مشيرا إلى سحب أكبر الشركات ومؤسسات التمويل العالمية استثماراتها من السعودية آنذاك.
وأضاف أن "بن سلمان" اكتسب زخمًا في العام السابق للجريمة عبر قيامه بجولة في الولايات المتحدة مع حاشيته، وحجز فندق فورسيزونز بأكمله في "بيفرلي هيلز" وتناوله العشاء مع "مايكل دوغلاس" و"دواين جونسون" و"مورجان فريمان" في قصر "روبرت مردوخ" ولقائه "بيل جيتس" و"جيف بيزوس" و"ريتشارد برانسون" وحتى "كوبي براينت" و"أوبرا ويتفري"، وتوقيعه صفقة أسلحة بقيمة 350 مليار دولار مع الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب".
وبذلك أصبح "بن سلمان" وجه الإصلاح في بلد تحكمه منذ فترة طويلة "المراسيم الصارمة للسلفية الوهابية" التي ترفض التحديث، وعاد إلى وطنه بخطط طموحة حظيت بدعم مالي من اللاعبين الغربيين الرئيسيين.
وفي هذا الإطار، كان على رجل الأعمال البريطاني "ريتشارد برانسون" يوجه السياحة لمنتجعات البحر الأحمر، ضمن محاولة المملكة لإنشاء سوق سياحي.
لكن "برانسون" ألغى الصفقة عندما ظهرت اتهامات وقوف "بن سلمان" وراء مقتل "خاشقجي". وبالمثل، سحبت شركة أمازون خطتها لبناء مراكز في جميع أنحاء المملكة، والتي بلغت قيمتها مليار دولار.
وهنا يشير "زاند" إلى أن هذه المحطة كان ينبغي أن تكون نهاية أي فرصة لازدهار حكم "بن سلمان"، مشيرا إلى أن مؤتمر مبادرة الاستثمار في المستقبل، الذي عقد في الرياض بعد 3 أسابيع فقط من مقتل "خاشقجي"، وأطلق عليه اسم "دافوس في الصحراء"، سرعان ما فقد رعايته من جانب شركات وشبكات إعلامية كبرى منها "سي إن إن" و"نيويورك تايمز" و"جي بي مورجان".
لكن حليفا رئيسيا، وقف بقوة إلى جانب "بن سلمان" في أعقاب مقتل "خاشقجي" ولعب دورا حاسما في قلب المعادلة، وهو "ترامب"، الذي جعل السعودية وجهته الدولية الأولى كرئيس للولايات المتحدة.
اعترف "ترامب" في وقت لاحق للصحفي "بوب وودوارد" بأنه "أنقذ بن سلمان وتمكن من إقناع الكونجرس بتركه وشأنه".
التوجه شرقا
ومع تلقيهم مساندة "ترامب"، تواصل السعوديون بهدوء مع الحكومات الواقعة شرق الخليج من خلال شركة النفط الحكومية السعودية أرامكو، وفي أوائل عام 2018، وقعت الشركة اتفاقيات ضخمة في الصناعة والتكنولوجيا والتمويل مع كوريا الجنوبية.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، وقعت أرامكو العديد من الصفقات موقع التي عززت الصين كلاعب مركزي في المحفظة الاستثمارية السعودية.
وتضمنت الصفقات طرقًا للمساعدة في تنويع الاقتصاد السعودي من خلال نقله بعيدا عن الوقود الأحفوري إلى منتجات كيميائية أكثر قيمة.
والعام الماضي، وقعت السعودية تفاهمًا مع إندونيسيا لاستكشاف الاستثمار في سلسلة قيمة الهيدروجين والأمونيا لتحقيق هدف المملكة الطموح لتصفير انبعاثات الكربون بحلول عام 2060.
وفي نهاية عام 2022، شحنت أرامكو كميات كبيرة من النفط إلى دول شمال آسيا على الرغم من الوعد بخفض إنتاج الخام.
وفي الآونة الأخيرة، منحت إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" ولي العهد السعودي حصانة كاملة في قضية رفعتها "خديجة جنكيز"، خطيبة "خاشقجي"، بسبب حصول ولي العهد مؤخرًا على لقب رئيس الوزراء، الذي طالما كان أحد ألقاب الملك.
القرار واجه انتقادات من جماعات حقوق الإنسان ويمثل تحوّلًا عن تعهد "بايدن" السابق بأن يجعل السعودية "منبوذة" وأن يدفع قتلة "خاشقجي" ثمن جريمتهم، وخفف الضغط عن الشركات التي سحبت استثماراتها من السعودية، وقد يسمح لها باستئناف أعمالها في المملكة.
عودة الاستثمارات
وفي مؤتمر مبادرة الاستثمارة في المستقبل، في أكتوبر/تشرين الأول 2022، حضرت عديد الوجوه الأمريكي ذات الثقل الاستثماري، ومنها صهر "ترامب" ومستشاره "جاريد كوشنر" ومدير الاتصالات السابق في إدارته "أنتوني سكاراموتشي"، إلى جانب عودة عمالقة وول ستريت جي بي مورجان وجولدمان ساكس.
وعندما سئل عن مقتل "خاشقجي"، علق "سكاراموتشي" قائلاً: " إنها مأساة"، ثم أضاف "هل نحن قادرون على تجاوز ذلك الآن؟".
وهنا يشير "زاند" إلى أن "بن سلمان" كان في الـ 33 من عمره عندما تم تتويجه وليًا للعهد، وربما يمكن أن تُعزى بعض أخطائه إلى قلة الخبرة والشباب، رغم صعوبة تصنيف حرب غير إنسانية في اليمن وقتل صحفي على أنها أخطاء من ذلك النوع.
وأشار إلى أن الاختبار الحقيقي لمشروع ولي العهد الاقتصادي يعتمد على نجاح مدينة المستقبل "نيوم"، باعتبارها جزءا من خطة رؤية 2030 التي من شأنها أن تقدم للعالم مملكة تقدمية ومتنوعة اقتصاديًا.
والتحدي القائم هنا، حسبما يرى "زاند" هو ما إذا كانت هذه المدينة المتقدمة تقنيًا يمكن أن تحقق جدواها الاقتصادية من خلال جذب السياح والصناعات الأجنبية.
فإذا نجحت المدينة في تحقيق جدواها، فقد تكون بمثابة نموذج للدول الأخرى التي ترغب في جذب المستثمرين وبناء مركز صناعي.
أما في حال عدم نجاح نيوم، فستكون قصة أخرى تحذر العالم من مغبة غطرسة السلطة، و"عندها فقط سنعرف مدى انتعاش بن سلمان" حسبما يرى "زاند".
وحتى ذلك الحين، فالمؤكد أن البراجماتية تفوز اليوم على المثالية، وأن "بن سلمان" تغلب بهدوء على أزماته الكبرى، وعلى رأسها جريمة اغتيال "خاشقجي".