الخليج أونلاين-
وفر فيروس كورونا المستجد فرصة جديدة لأبوظبي لكي ترسل رسالة ود سياسي جديد لطهران، سبق أن أظهرته في مناسبات سابقة لهذا البلد الذي يحتل ثلاثاً من جزرها، منذ 1971.
الود الجديد في زمن الكورونا لم تظهره الإمارات لقطر، الجارة الأقرب التي سجلت إصابات بعدد أعلى من جميع البلدان الخليجية، وهي التي لا تحتل جزيرة أو شبراً من أرض إماراتية!
"تعاطف بلاده وتضامنها مع الشعب والحكومة الإيرانية في مكافحتهم فيروس كورونا الجديد"، هذا ما أوصله وزير الخارجية والتعاون الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، في اتصاله الهاتفي مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف.
وأكدت وكالة الأنباء الإماراتية أن بن زايد وظريف ناقشا خلال الاتصال "التطورات التي تشهدها المنطقة والعالم في ضوء انتشار وباء كورونا المستجد".
خلاف ظاهر وود باطن
ومنذ الاعتداء على البعثة الدبلوماسية السعودية في إيران، صيف 2016، اتخذت دول عربية مواقف تجاه هذا الاعتداء تضامناً مع السعودية.
بالنسبة إلى الإمارات قللت تمثيلها الدبلوماسي إلى مستوى قائم بالأعمال، وهو ما لم يؤثر في طبيعة العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين، على خلاف التصريحات السياسية التي كانت تصدر من مسؤولين إماراتيين وتعبر عن وجود خلاف بين البلدين.
لكن الخلاف السياسي الظاهر عبر وسائل الإعلام تلاشى بعد عامين على حادثة البعثة الدبلوماسية السعودية في إيران؛ حيث رفضت الإمارات، في 26 يونيو 2019، اتهام إيران بالوقوف خلف هجمات استهدفت أربع ناقلات نفط قبالة سواحلها (مايو 2019)، داعية إلى ضرورة خفض حدة التوتر في المنطقة.
ورغم أن الولايات المتحدة والسعودية حمَّلتا إيران علناً المسؤولية عن تلك الهجمات، وعن هجوم وقع في وقت لاحق استهدف سفينتين بخليج عُمان، لكن الإمارات تبنّت رواية طهران ورفضت تحميلها أي مسؤولية عن الهجمات.
وفي 30 يوليو 2019، وصل وفد من خفر السواحل الإماراتية يتكون من 7 أفراد إلى إيران؛ لبحث التعاون الحدودي بين البلدين.
وسائل إعلام إيرانية قالت إن الاجتماع بحث تنقل الأجانب بين البلدين والدخول غير الشرعي عبر الحدود البحرية، إضافة إلى تسريع وتسهيل تبادل المعلومات الأمنية بين الجانبين.
وفي بداية أغسطس 2019، وقَّعت إيران والإمارات مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون بمجال أمن الحدود البحرية، في خطوةٍ وصفها مراقبون بـ"طعنة في ظهر السعودية".
وفي (14 أكتوبر 2019)، تحدثت وسائل إعلام عن زيارة أجراها مستشار الأمن الوطني الإماراتي، طحنون بن زايد آل نهيان، إلى العاصمة الإيرانية طهران، في خطوة لم يُعلن عنها سابقاً.
لا صلح مع قطر
إذا ما قورن التودد الإماراتي لإيران -سواء في زمن "كورونا" أم قبله- مع مواصلة النفور من قطر والتعنت في عدم إعادة العلاقات وإزالة الخلاف، تكون النتيجة أن أبوظبي تعيش في انفصام وتناقض كبيرين.
فالإمارات التي قالت عبر سفيرها في واشنطن، يوسف العتيبة، في يوليو 2017، إن علاقة قطر المتزايدة مع إيران كانت أحد أسباب الخلاف والحصار المفروض من (الإمارات والسعودية والبحرين ومصر) على الدوحة، منذ يونيو 2017، تقف باستمرار في مقدمة الدول التي تحتفظ بعلاقات واسعة مع طهران.
وشملت إملاءات دول الحصار المرفوضة من الدوحة خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران، وإغلاق القاعدة العسكرية التركية، فضلاً عن إغلاق قنوات الجزيرة، وعدد من وسائل الإعلام، الأمر الذي رفضته الدوحة.
وعلى الرغم من توافر فرصة إنسانية وأخلاقية تسمح بإزالة الخلاف وإنهاء الأزمة الخليجية؛ تتجسد بفيروس كورونا، حيث تسجل قطر نسبة أكبر بالإصابات قياساً بدول الخليج الأخرى، لكن الإمارات لم تبادر وتعبر عن موقف إنساني تضامني مع قطر مثلما فعلت مع إيران!
سياسة المصالح
ورغم الحرب الإعلامية التي تخوضها وسائل الإعلام الإماراتية أو المدعومة إماراتياً ضد قطر بزعم "تعاونها" مع إيران، فإن الإحصاءات الرسمية تقول إن أبوظبي تصدّرت قائمة الدول العربية من حيث التبادل التجاري مع طهران خلال العام 2017. وقفزت صادرات الإمارات إلى إيران بنسبة 16.8% خلال عام 2019.
وتتم 80% من التحويلات المالية الإيرانية عبر الإمارات، في حين تقدَّر الاستثمارات الإيرانية في الدولة الخليجية بـ300 مليار دولار.
وفي تصريحات سابقة ذكرت وكالة "فارس" الإيرانية في تقرير أن "الإمارات خفضت ضغوطها على الصرافات الناقلة للأموال إلى إيران بشكل ملحوظ جداً"، لافتة إلى أن 70 إلى 80% من التحويلات المالية الإيرانية تتم عبر الإمارات.
بدوره قال محافظ المركزي الإيراني إن الإمارات سحبت ضغوطها الاقتصادية على إيران.
وقبل أزمة "كورونا" تسير شركات الطيران 200 رحلة أسبوعياً من شتى المدن الإيرانية إلى الإمارات لنقل 100 ألف سائح إيراني، فضلاً عن 600 ألف مواطن إيراني آخرين يقطنون جارة بلادهم الجنوبية، ما يجعلهم أكثر الجاليات المقيمة في البلاد عدداً.
ووفقاً لصحيفة إيران الرسمية فإن ثمانية آلاف رجل أعمال إيراني ينشطون على الساحة الإماراتية عبر نحو ستة آلاف شركة تم تسجيلها هناك، أما حجم التبادل التجاري بينهما فيتراوح بين 10 و15 مليار دولار.
وتستحوذ الإمارات على 80% من التبادلات التجارية بين طهران ودول مجلس التعاون، وتعد إيران رابع شريك تجاري للإمارات.
وحسب تقديرات مجلس الأعمال الإيراني، يمتلك الإيرانيون في الإمارات استثمارات وأصولاً تتجاوز قيمتها 200 مليار دولار.