الخليج أونلاين-
يواصل فيروس "كورونا" المستجد انتشاره في العديد من دول العالم، مخلفاً مئات الآلاف من المصابين وآلاف الوفيات، حتى أصبح وباءً عالمياً، حسب منظمة الصحة العالمية، التي دعت جميع الدول إلى الاستعداد لأسوأ السيناريوهات.
وفي خضم كل هذا الرعب العالمي تعيش دول عربية حروباً دموية منذ سنوات في منأى حالياً عن هذا الوباء، لكن في حال تفشى المرض في كلٍ من اليمن وسوريا وليبيا، فإن الأمر سيتحول إلى كارثة كبيرة إن لم تستجب الأطراف المتقاتلة للدعوات المطالبة بإيقاف الحرب، والاستعداد للتصدي للفيروس القاتل.
وتعيش البلدان الثلاثة حالة من الانهيار في المؤسسات الصحية والخدمية التي لا تمكنها من الصمود أمام هذه الجائحة، تزامناً مع استمرار الحروب التي امتد بعضها نحو 9 سنوات، كما هو حال سوريا، ما تسبب في نزوحٍ كبير من مناطق القتال، ووسط انقسام في إدارة تلك البلدان بين أطراف الصراع.
دعوات لإيقاف الحرب
يبدو أن قادة العالم آمنوا أخيراً بأن كورونا لن يتوقف عند دولة أو عدد محدود من الناس، وهو ما لخصه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الذي دعا في 23 مارس 2020، إلى وقف "فوري" للصراعات المسلحة في جميع أنحاء العالم، والعمل على إنشاء ممرات للمساعدات المنقذة للحياة، لمواجهة فيروس كورونا.
وقال غوتيريش: إن "العالم يواجه الآن عدواً مشتركاً هو فيروس كورونا، الذي لا يبالي بالجنس أو العرق أو العقيدة، ويهاجم الجميع بلا هوادة".
وأردف: "أدعو اليوم إلى وقف فوري لإطلاق النار في جميع أنحاء العالم. لقد حان الوقت لوضع حد للنزاع المسلح والتركيز معاً على القتال الحقيقي في حياتنا".
من جانبه أعلن صندوق النقد الدولي، في 24 مارس، أن منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى ستعاني تراجعاً كبيراً في النمو الاقتصادي هذا العام؛ وذلك بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد.
وأشار الصندوق إلى أن العديد من الدول ستواجه صعوبات جمة بعد تفشي فيروس كورونا المستجد، خصوصاً الدول التي تمزقها الحروب، وبينها العراق والسودان واليمن.
أما الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، فقد قال يجب أن تتوقف تلك الحروب الدائرة في عددٍ من الدول العربية، مضيفاً: "لقد آن للمدافع التي يقتل بها أبناء الوطن الواحد بعضهم البعض أن تسكت، خصوصاً وأن الوضع العالمي في مواجهة جائحة كورونا يجعل من استمرار مثل هذه النزاعات نوعاً من العبث".
وأطلق أبو الغيط، في 22 مارس، مناشدة بإسكات المدافع ووقف الصراعات على جميع الجبهات العربية المشتعلة، في سوريا واليمن وليبيا.
وعبرت منظمة الصحة العالمية عن قلقها من نقص حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد المبلغ عنها في سوريا واليمن، وقالت إنها تتوقع "انفجاراً في الحالات".
كارثة في اليمن..
يعاني اليمن منذ 5 سنوات من الصراع بين الحوثيين والحكومة المدعومة من السعودية والإمارات، الذي سبب نقصاً في الغذاء والدواء، وانهياراً لمعظم مؤسسات الدولة، خصوصاً المرافق الصحية، وهو ما يزيد من خطورة وصول المرض إلى البلاد.
وحتى الآن لم تعلن سلطتا الحكم باليمن (الحوثيين – الحكومة) عن أي حالة بكورونا، وهو ما دفع وزير الدولة في الحكومة الشرعية، عبد الرب السلامي، إلى الدعوة لتشكيل خلية مشتركة من وزارة الصحة في حكومته وسلطات الحوثيين في صنعاء، وذلك برعاية منظمة الصحة العالمية للحد من انتشار كورونا.
من جانبها رحبت جماعة "الحوثي" (24 مارس)، بدعوة غوتيريش إلى وقف إطلاق النار وقالوا إن الدعوة "هامة لتوحيد جهود المجتمع الدولي في مواجهة كورونا".
وأضاف: "نعرب عن أملنا في أن تعي دول تحالف العدوان ومرتزقتها (تقصد التحالف العربي والحكومة اليمنية) رسالة الأمين العام للأمم المتحدة، والتعاطي الإيجابي معها، وإنهاء عمليات وغارات التحالف، ورفع الحصار عن الشعب اليمني".
فريسة سهلة للوباء
يعتقد المحلل السياسي اليمني خليل العمري أن البلدان العربية الثلاثة التي تشهد حروباً ستكون "فريسة سهلة للوباء، ولن ينجو منها أحد في حال لم تستمع الأطراف للمناشدات لوقف الحرب".
ويقول، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": إنه "يجب على الأطراف المتقاتلة أن تتوقف الآن، ربما يكون كورونا هو مبعوث السلام الذي يجبر الجميع على ترك السلاح والعودة إلى منازلهم ورعاية أهاليهم والسماح للسلطات المحلية الصحية بالقيام بواجبها في مواجهة الوباء".
وأضاف: "الأشياء المشتركة بين الدول الثلاث في ظل انتشار فيروس كورونا هو انهيار الأنظمة الصحية نتيجة الحرب المشتعلة من سنوات طويلة، خاصة في ليبيا وسوريا، التي تشارف الحرب فيها على عشر سنوات".
وأشار إلى أن اليمن شهد مبادرة "مهمة من الحكومة الشرعية للتنسيق مع الحوثيين لمواجهة تداعيات كوفيد 19"، مضيفاً: "لكن لم تجد آذاناً صاغية من قبل الجماعة التي تنظر إلى الموضوع من جانب المؤامرة وتعتبره فيروساً أمريكياً إسرائيلياً، وقامت باحتجاز الآلاف في نقاط التفتيش بحجة إجراءات منع انتقال الفيروس".
أما فيما يتعلق بسوريا، فيقول: "تشهد أسوأ أزمة لاجئين بالعالم، اعتبرتها منظمة الصحة العالمية بأنها الأكثر عرضة لانتشار كورونا، في وقتٍ يمضي النظام هناك غير آبه بالتحذيرات ولا يوجد أي تقارب مع المعارضة من أجل مواجهة تداعيات انتشار الفيروس، وهو ما قد يجعل إيقاف الحرب فيها صعباً".
ليبيا.. والتحرك الدولي
وفيما يخص ليبيا يرى العمري أن الأطراف المتقاتلة فيها "بادرت نوعاً ما إلى الاستجابة للدعوات الأوروبية والدولية لوقف القتال، خصوصاً أنها حدودية مع إيطاليا؛ أكبر مكان موبوء بالمرض".
وتابع العمري: "هناك تجاوب من الطرفين، وهي بادرة جيدة في اعتقادي، وقد يسهم في توقف الحرب، رغم وجود اختراقات من قبل مقاتلي حفتر".
لكن يبدو أن مليشيات الجنرال الليبي المتمرد خلفية حفتر، تواصل هجماتها على العاصمة الليبية طرابلس غير آبهة بتفشي وباء "كورونا" والأخطار الناجمة عنه، والنداءات الدولية للتصدي له في ليبيا، رغم إعلانه السابق بالتزامه بالتوقف عن الحرب استجابة لتلك النداءات.
وكان آخر فصول تمرد حفتر مقتل فتاتين إثر قصف مدفعي لمليشياته طال منزلهما بمحور عين زارة جنوبي طرابلس، وعاملين أجانب في 24 مارس 2020.
من جهتها، أعلنت حكومة الوفاق الوطني الليبية حظر التجول في البلاد ابتداء من الساعة السادسة مساء وحتى الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي، ابتداء من 22 مارس، لمواجهة خطر انتشار كورونا المستجد.
سوريا..خطر كبير
يشكل عدد نازحي الداخل في سوريا الأكبر في العالم، وفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهو ما اعتبرته منظمة الصحة العالمية "سبباً في أن يكون السوريون أكثر عرضة للإصابة بالفيروس من بقية العالم".
وأعلن وزير الصحة في النظام السوري، في 22 مارس، تسجيل أول إصابة بفيروس كورونا المستجد في سوريا، تعود لفتاة قال إنها قادمة من خارج البلاد.
وفي هذا الإطار، يرى المحلل السياسي السوري عبد الوهاب عاصي، أنه من المفترض أن يؤدي الوباء إلى تعطيل إجباري للعمليات القتالية، مشيراً إلى أنه "خيار غير محبّذ بالنسبة إلى بعض الدول سابقة الذكر مثل سوريا".
واستطرد قائلاً: "لكون النظام السوري يعاني من أزمة عميقة قد تنبئ بانهياره على مستوى الاقتصاد والأمن، بمعنى أنّ أي تجميد غير مترافق مع حسم سياسي أو أمني قد يدفع باتجاه زعزعة سيطرته داخلياً".
وفيما يتعلق بالأسباب التي تسهم في إيقاف الحروب، يقول لـ"الخليج أونلاين": "الفيروس ليس هو فقط الذي قد يؤثر على استمرار الحروب في تلك الدول من عدمها، بل أيضاً هناك أزمة النفط العالمية التي قد تؤثر على مساعي الدول الداعمة".
وأضاف: "قد تكون هذه هي المرّة الأولى التي يصيب بها وباء ما القطاع العسكري والأمني في معظم دول العالم بشكل غير مسبوق، فإذا كانت الولايات المتّحدة تقول إنّ انتشار كورونا في صفوف وزارة الدفاع قد يؤثر على الاستعداد القتالي للقوات الأمريكية، فهذا يعني أنّ تداعيات الوباء على الجهود الحربية لدول مثل سوريا، واليمن، وإيران، وليبيا، يُفترض أن يكون أكبر بكثير".
وتابع: "وعليه، يُمكن إرجاع عدم شفافية تلك الدول في الإعلان عن كشف وباء كورونا إلى المخاوف المتزايدة من تأثيره على مساعيها العسكرية، لأنّ الإعلان يحتمل بثّ الذعر في الكوادر القتالية والقيادية، وفي حالة سوريا وليبيا قد يُشكّل ذلك انهياراً، لا سيما في ظل التأثير الكبير للبعد المعنوي في تحديد مسارات الخيار العسكري".