الخليج أونلاين-
قال إياد الجعفري، الباحث في الشأن الاقتصادي، إن قطاع السياحة حول العالم تلقى ضربة قاصمة بسبب إجراءات الدول المتخذة للحد من تفشي وباء كورونا، وإن خسائر القطاع السياحي غير مسبوقة على مدى عقود.
وأدى انتشار فيروس كورونا في أغلب دول العالم إلى تأثيرات اقتصادية كبيرة، خصوصاً في أسواق المال والبورصة، بالإضافة لانخفاض أسعار النفط، وتوقف حركة الحياة في العديد من الدول، وهو ما أثر بطبيعة الحال على القطاع السياحي وما يتصل به من مؤسسات وشركات وأيدٍ عاملة.
خسارة تاريخية
وأضاف الجعفري في حديث خاص مع "الخليج أونلاين": إن "قطاعي السياحة والطيران يتربعان على القطاعات الاقتصادية المتضررة بشدة من تفشي الوباء".
واستدرك بأن قطاع السياحة أكثر تضرراً بمراحل مقارنة بقطاع الطيران، الذي لن يتوقف بالمطلق؛ إذ من المتوقع أن يستمر الشحن الجوي وبعض رحلات السفر المدنية، مشيراً إلى أن السياحة يبدو أنها ستهوي إلى حد الانهيار الكامل في عدد كبير من دول العالم، بعضها يُعتبر قطاع السياحة بالنسبة لها مصدراً هاماً لدخلها القومي؛ مثل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، وكذلك تركيا مرشحة أيضاً للمزيد من الخسائر.
وأكّد الجعفري أن الأمر لا يتعلق فقط بتفشي الوباء، بل بإجراءات حظر التجول، وحالات الطوارئ، والحجر المنزلي، التي بدأت دول عديدة حول العالم تطبقها، ما يؤدي إلى إغلاق المنافذ أمام السياحة الداخلية حتى؛ بوصفها بديلاً جزئياً قد يخفف من كارثية خسائر توقف حركة السفر بصورة شبه مطلقة بين دول العالم.
ولفت إلى أن رقم تريليون دولار بوصفه خسائر مرتقبة لقطاع السياحة العالمي خلال العام 2020 مرجح بشدة، إلا إن حصلت مفاجأة إيجابية وتمكن العلماء من إيجاد لقاح أو دواء يحد بصورة كبيرة من تفشي الوباء، وهو سيناريو مستبعد نسبياً حسبما أقرت بذلك منظمة الصحة العالمية، التي أشار خبراؤها إلى أن الأمر يتطلب على الأقل سنة.
وبحسب الباحث فإن عدم التوصل إلى علاج لوباء كورونا يعني أن "الإجراءات الاستثنائية الهادفة إلى الحد من تفشي الوباء قد تستمر لأشهر، ربما حتى خريف العام الحالي، وربما أكثر من ذلك، مما يعني أن حجم الخسائر سيكون نوعياً وغير مسبوق في تاريخ قطاع السياحة العالمي".
وقال الجعفري: إن "توقعات منظمة السياحة العالمية بأن خسائر القطاع، التي وصلت الآن إلى 77 مليار دولار، مرشحة لأن تصل إلى عتبة الـ180 مليار دولار، في نهاية شهر أبريل القادم، فما بالك لو استمرت الأزمة ستة أشهر قادمة؟".
وأضاف أن انعكاسات خسارة قطاع السياحة تختلف بين دولة وأخرى، حسب مقدار مساهمة ذلك القطاع في الدخل القومي لكل دولة على حدة، لكن على المستوى العالمي تذهب تقديرات إلى أن قطاع السياحة العالمي يشكل 10% من الناتج المحلي الإجمالي في العالم، ما يعني خسارة بنسبة 10% من الاقتصاد العالمي، وهو رقم ربما يتجاوز التريليون دولار (تذهب تقديرات إلى أن حجم قطاع السياحة العالمي 1.7 تريليون دولار).
وأكمل أن الخسارات ليست متساوية لكل الدول، فهناك دول يسهم قطاع السياحة فيها بأكثر من 10% من ناتجها المحلي؛ مثل مصر، التي تشكل السياحة 15% من الناتج المحلي لديها، أما في تركيا فيسهم قطاع السياحة بنحو 12% من الناتج الإجمالي، بقيمة 34.5 مليار دولار سنوياً.
ونوه الخبير في الشأن الاقتصادي بأن المشكلة الكبرى تتعلق بخسارة وظائف العاملين بقطاع السياحة، وخسارة فرص ومشاريع العمل المرتبطة بشكل غير مباشر بالسياحة، وهنا نتكلم عن أرقام تتجاوز الأرقام السابقة.
ويكفي أن نذكر أن منظمة العمل الدولية توقعت أن يخسر 25 مليون إنسان وظائفهم بسبب تفشي الوباء، جزء كبير من هؤلاء هم من العاملين بصورة رئيسية في القطاع السياحي، وفق تعبيره.
وأوضح: "بكلمات أخرى؛ إن تحققت السيناريوهات المرجحة المتداولة في أوساط الخبراء الدوليين بأن إيجاد لقاح للوباء واحتواءه بشكل كامل قد يتم حتى الخريف أو ربما لنهاية العام، فإن ذلك يعني أن قطاع السياحة سيتعرض لأضخم نكسة له في تاريخه، ربما منذ الحرب العالمية الثانية".
وحول كيفية تدبر الدول المتضررة لأمورها جراء انهيار قطاع السياحة لديها فهذا الأمر يختلف من دولة لأخرى؛ فهناك دول تحتفظ باحتياطي موازنة يمكن استخدامه حين الأزمات، وهناك دول لديها صناديق تحوط أو احتياطيات مالية، وهناك دول أخرى لا تملك هذه الإمكانيات.
وفي إطار ذلك أكّد أن "أثر انهيار قطاع السياحة سيختلف من دولة لأخرى حسب مدى أهمية هذا القطاع لاقتصادها، وحسب إمكانياتها المالية والاقتصادية التي يمكن أن تمكنها من تعويض أو التخفيف من الأضرار".
تأثر قطاع السياحة الخليجي
ولا يخفى أن تأثيرات تفشي كورونا في الخليج واضحة، إلا أنها متباينة من ناحية قطاع السياحة من دولة لأخرى في مجلس التعاون الخليجي.
وهنا قال إياد الجعفري إن الدولة الأكثر تضرراً الآن بين دول الخليج هي الإمارات، التي شكلت مساهمة قطاع السياحة في ناتجها المحلي -كمثال- في العام 2019، نحو 45 مليار دولار.
وأردف أن هناك تقديرات رسمية تذهب إلى أن مساهمة قطاع السياحة، بما فيها السياحة الدينية (العمرة والحج) في السعودية، تقدر بـ71 مليار دولار، لكن ربما تكون هذه التقديرات مبالغاً بها.
وبيّن أنه في حال "أخذنا بتلك التقديرات فالمقارنة بين الإمارات والسعودية، من حيث تعداد الإماراتيين، نحو (3 ملايين)، لا نحتسب هنا السكان الوافدين الذين هم عمالة، مقارنة بالسعوديين الذين يبلغ تعدادهم (21 مليوناً)، أيضاً لا نحتسب الوافدين الذين هم عمالة، يمكن ملاحظة أن مساهمة السياحة في دخل الإماراتيين أكبر بثلاثة أضعاف مقارنة بمساهمة السياحة في دخل السعوديين.
وبخصوص باقي الدول الخليجية قال الباحث إن سلطنة عُمان مثلاً تسهم السياحة في دخلها المحلي بشكل ضئيل؛ نحو 2.5%.
ولفت إلى أن البحرين تصل مساهمة قطاع السياحة فيها إلى نحو 7%، لكن تبقى أقل مقارنة بدول مثل مصر وتركيا، وكذلك الدول الأوروبية التي ينتشر بها الفيروس بقوة مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا.
وأشار إلى أن دول الخليج جميعها تملك احتياطيات نقدية كبيرة قد تساعدها على التخفيف من آثار الأزمة الراهنة، مع انهيار أسعار النفط وانهيار قطاع السياحة.
واختتم حديثه بالقول: "يجب أن ننبه إلى أن انهيار أسعار النفط هو المؤثر الرئيس على اقتصاديات دول الخليج، وهو ما دفع السعودية إلى ضغط الإنفاق مؤخراً، حسبما أعلنت سلطاتها قبل أيام".
ووفق إحصائية رصدها "الخليج أونلاين"، حتى ظهر اليوم الثلاثاء، فإن نحو 382 ألفاً و572 شخص أصيبوا بالفيروس التاجي حول العالم، توفي منهم 16 ألفاً و578 شخصاً، وتعافى 102 ألف و522 شخصاً.
وأجبر انتشار الفيروس دولاً عديدة على إغلاق حدودها، وتعليق الرحلات الجوية، وفرض حظر التجول، وتعطيل الدراسة، وإلغاء فعاليات عديدة، ومنع التجمعات العامة، وإغلاق المساجد والكنائس.