يواجه الشرق الأوسط تهديدًا آخر لاستقراره، وإن كان خطرًا بيولوجيًا هذه المرة، لكن هل يمكن أن يكون هناك جانب مضيء للوضع يسمح بتقارب أكبر بين مجلس التعاون الخليجي وإيران؟
ضرب فيروس "كورونا" إيران بشكل أصعب من جميع دول المنطقة مع ما يقرب من 2230 حالة وفاة مؤكدة.
سيزيد قرار إدارة "ترامب" بفرض عقوبات جديدة على الجمهورية الإسلامية في 17 مارس/آذار من خنق الاقتصاد الإيراني، الذي كان يعاني بالفعل لمدة 22 شهرًا من حملة "أقصى ضغط"، في أعقاب قرار الولايات المتحدة الانسحاب من الاتفاق النووي.
في حين أن السلطات في طهران تستحق نصيبها من اللوم على الإهمال والفساد والتستر الأولي الذي ساهم في الانتشار السريع لفيروس "كورونا"، فإن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على البلاد قد فاقمت بشكل كبير من تأثير هذا المرض في إيران، وربما المنطقة بأكملها.
في غضون ذلك، اتخذت بعض دول مجلس التعاون الخليجي زمام المبادرة لإرسال مساعدات إنسانية لمساعدة إيران على مكافحة تفشي الفيروس، ما يوفر فرصة فريدة لتحسين علاقات طهران مع الملكيات في شبه الجزيرة العربية.
في خضم الأزمة المستمرة، زعم وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" مؤخرًا أن واشنطن عرضت المساعدة على إيران، لكن طهران رفضت، ومع ذلك، يشير تقرير لـ"نيويورك تايمز" إلى أن" بومبيو" قال مؤخرًا إن الإجراءات الصارمة ضد طهران خلال هذه الفترة يمكن أن تدفع قادة إيران إلى مفاوضات مباشرة.
وفي حين أن طهران وواشنطن لا تزالان على خلاف، قدمت عدد من الدول والمنظمات الدولية المساعدة لإيران في معركتها ضد "كورونا".
على سبيل المثال، أرسل "أطباء بلا حدود" في جنيف مستشفى ميداني بسعة 50 سريرًا وفريقا طبيا طارئا إلى إيران، لكن الصراع السياسي داخل الجمهورية الإسلامية أدى إلى اتخاذ بعض المسؤولين الإيرانيين قرارا بطرد أطباء المنظمة من البلاد.
وبالرغم من الاختلافات السياسية الرئيسية، أرسلت بعض دول مجلس التعاون الخليجي رسائل للمساعدة في احتواء انتشار هذا المرض الفتاك.
في 17 مارس/آذار، أبلغ وزير الخارجية الكويتي الشيخ "أحمد ناصر المحمد الصباح" نظيره الإيراني "محمد جواد ظريف" أن الحكومة الكويتية ستقدم لإيران حزمة مساعدات بقيمة 10 ملايين دولار للمساعدة في مكافحة "كورونا"،ـ مشيرا إلى "أن الحكومة والشعب الكويتي يقفون مع الحكومة والشعب الإيراني في هذه الأيام العصيبة".
ولا يعد هذا شيئا مفاجئًا بالنظر إلى المحاولات الكويتية السابقة لمواصلة الحوار مع إيران وحث دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى على بدء محادثات مع طهران لتخفيف التوتر.
كما عقد المسؤولون العمانيون والإيرانيون مناقشات حول التعاون الثنائي في المعركة ضد "كورونا".
وأعلنت قطر، التي تلقت مساعدة من إيران أثناء الحصار، أنها سترسل 6 أطنان من المعدات والإمدادات الطبية إلى إيران، وفي 22 مارس/آذار، استقبل مساعد وزير الصحة الإيراني للشؤون الدولية "جلال نعلي" وسفير الدوحة في طهران "محمد بن حمد الهاجري" معا الشحنة الثانية من المساعدة الطبية القطرية التي أرسلها الصندوق القطري للتنمية عبر الخطوط الجوية القطرية.
في 3 مارس/آذار، قامت الإمارات بتسليم 7.5 طن من الإمدادات الطبية (مضاد للبكتيريا، أقنعة، قفازات، وما إلى ذلك) إلى إيران، وفي 15 مارس/آذار، تحدث وزير الخارجية الإماراتي "عبدالله بن زايد" إلى نظيره الإيراني "محمد جواد ظريف"، وأكد على "دعم الإمارات للشعب الإيراني في خضم هذه الأزمة".
وقالت "ريم بنت إبراهيم الهاشمي" عضو مجلس الوزراء وزير الدولة في أبوظبي، إن "مساعدة الإمارات لإيران مهمة، خاصة أن العلاقات بين البلدين كانت مضطربة في السنوات القليلة الماضية ولديهما منذ فترة طويلة خلافات إقليمية حول 3 جزر؛ أبوموسى، وطنب الكبرى، وطنب الصغرى في الخليج".
حتى الآن، جاءت شحنتا المساعدة الإنسانية المتوجهتان إلى إيران من الإمارات من المدينة العالمية للخدمات الإنسانية في دبي (IHC) وهي مركز عالمي رئيسي للاستجابة للطوارئ الإنسانية.
وبحكم قرب دبي من إيران وعزم الإمارات على لعب دور إقليمي حاسم فيما يتعلق باحتواء انتشار الفيروس، قد تصبح المدينة العالمية للخدمات الإنسانية، خلال الأسابيع المقبلة، المركز اللوجستي الرئيسي للدول حول العالم حيث يستخدمها العالم لتوصيل الإمدادات الطبية وغيرها من أشكال المساعدة لإيران بينما يواصل العالم كفاحه لمواجهة "كورونا".
جدير بالذكر أن السعودية والبحرين لم تنضما إلى دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى فيما يتعلق بتقديم المساعدات الإنسانية لإيران وسط هذا الوباء العالمي الذي ضرب الجمهورية الإسلامية بشدة، في الواقع، لم تسمح إيران والسعودية للفيروس بتأجيل نزاعاتهما السياسية.
وفي حين انتقدت إيران السعودية لـ"منع حركة عدم الانحياز من إصدار بيان يدين العقوبات الأمريكية على طهران"، فقد اتهمت المملكة طهران بعدم ختم جوازات سفر أشخاص مصابين بالفيروس سافروا إليها، ما سمح بعدم الكشف عنهم عند عودتهم إلى السعودية.
كما اتهمت البحرين إيران "بالعدوان البيولوجي" من خلال التستر على انتشار الفيروس.
بالنظر إلى المستقبل، سيتذكر المسؤولون في طهران، وكذلك العديد من المواطنين الإيرانيين العاديين، الدول التي قدمت لهم المساعدة في خضم هذه الأزمة العالمية.
ونظرًا لضخامة المعاناة والذعر في جميع أنحاء البلاد، لن ينسى الإيرانيون أيضًا كيف أدى رفض إدارة "ترامب" تخفيف العقوبات أثناء تفشي المرض إلى تفاقم انتشار الفيروس في جميع أنحاء البلاد وسيعقدون مقارنة مع أولئك الذين تقدموا لمساعدة إيران وتنحية القضايا الجيوسياسية الخلافية.
وسط تفشي الفيروس القاتل الذي أثر على العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم، ربما تكون نصيحة الشاعر الفارسي "السعدي الشيرازي" في القرن الثالث عشر والمكتوبة على جدران الأمم المتحدة والتي يدعو فيها لأخوة كل البشر ووحدة أهدافهم ومعاناتهم، مفيدة لدول المنطقة، وبالتالي، للمجتمع الدولي.
وبعد الخطوات الإيجابية لدول مجلس التعاون الخليجي في مساعدة إيران، يمكن أن يستغل كلا الجانبين تفشي الفيروس لبدء حوار إقليمي طال انتظاره، ويوضح الأثر المميت للفيروس كيف أن أي تهديد لاستقرار منطقة الخليج لن يستثني أي دولة في الجوار.
سينا أزودي وجورجيو كافييرو - منتدى الخليج الدولي - ترجمة الخليج الجديد