يجد ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، نفسه في موقف صعب، حيث يخوض الحاكم الفعلي للمملكة 3 أنواع مختلفة من الحروب.
الأولى وأطولها على الإطلاق هي الحملة التي تقودها المملكة ضد المتمردين الحوثيين في اليمن، التي مر عليها في 25 مارس/آذار 5 أعوام منذ انطلاقها.
والثانية هي الحرب على فيروس "كورونا" الجديد "كوفيد-19"، التي انخرطت فيها السعودية منذ شهر تقريبا.
أما الثالثة فهي حرب أسعار النفط مع روسيا، التي بدأت قبل أسابيع قليلة.
وعند مقارنتها بالاستجابات المترددة والمضطربة من المملكة المتحدة والولايات المتحدة، كانت معالجة السلطات السعودية لأزمة الفيروس التاجي مثالية.
واتخذت المملكة الخطوة الأولى في 27 فبراير/شباط، عندما أوقفت تأشيرات العمرة. وفي 2 مارس/آذار، أبلغت المملكة عن أول حالة إصابة.
وأغلقت السعودية المدارس والجامعات في 9 مارس/آذار، وتم تعليق جميع الرحلات الدولية في 15 مارس/آذار.
وفي اليوم التالي، تم تعليق العمل في العديد من الجهات الحكومية، وتم إغلاق الأسواق ومراكز التسوق والمطاعم، مع السماح للأخيرة بتقديم خدمة الوجبات السريعة.
ولا تزال الصيدليات ومحلات البقالة مفتوحة، في حين تم مطالبة الناس بالعزل الذاتي في المنزل.
وفي 23 مارس/آذار، عندما ارتفعت الأرقام بشكل حاد إلى 562 إصابة، أعلنت الحكومة حظر تجول لمدة 21 يوما، من الساعة 6 مساء حتى الساعة 7 صباحا، مع فرض غرامات وسجن على من يخالف.
تدربت بشكل جيد
وتعود استجابة السعودية جزئيا إلى حقيقة أن المملكة قد تلقت تدريبا جيدا بالفعل في التعامل مع الفيروسات الخطيرة، حين عانت في السابق من تفشي فيروس "ميرس"، المعروف باسم متلازمة الشرق الأوسط التنفسية.
ومن المفيد أيضا أن النظام الحاكم في المملكة استبدادي حيث يديره "محمد بن سلمان" بإحكام شديد.
وتشهد صور الشوارع الفارغة في العاصمة الرياض، والكورنيش المهجور في جدة، على الحقيقة البسيطة، وهي أنه عندما تأمر الحكومة الناس بالمكوث في المنازل، فلا خيار أمامهم سوى الانصياع.
لكن الحرب في اليمن مختلفة تماما، وعندما شن "بن سلمان" الحرب ضد المتمردين الحوثيين في 25 مارس/آذار 2015، كان مقتنعا بأنه سيحقق فوزا سريعا في غضون بضعة أسابيع.
وتصاعدت الحرب، ووجد ولي العهد نفسه يتقاسم المسؤولية عن الكارثة الإنسانية التي اجتاحت شعب اليمن.
وليس هناك شك في أنه يسعى لإيجاد مخرج من المستنقع الذي يكلف السعوديين عدة مليارات من الدولارات شهريا، بالإضافة إلى الدمار الذي لحق بأفقر دولة عربية.
وتعثرت الجهود الأخيرة لإنهاء الحرب إلى حد كبير، لأن الحوثيين لم يظهروا أي ميل للتراجع، واستمروا في الاستيلاء على الأراضي، وآخرها محافظة "الجوف"، واستفادوا بقوة من اقتصاد حرب السوق السوداء، الذي يتضمن الاستيلاء على المواد الغذائية الإنسانية والمساعدات الطبية وبيعها.
وما زاد الطين بلة أن الإمارات اتبعت أجندة مختلفة، دعمت فيها الحركة الانفصالية للمجلس الانتقالي الجنوبي، في حين بقي السعوديون وحدهم يحاولون دعم حكومة "عبدربه منصور هادي" المعترف بها دوليا في حين فقدت مصداقيتها وشرعيتها على نطاق واسع.
وتبادلت قوات "هادي" والمجلس الانتقالي الجنوبي الهجمات بعد أن أعلنت الإمارات انسحابها من جنوب اليمن في أغسطس/آب من العام الماضي، وخرجت اتفاقية الرياض على عجل، التي تم توقيعها في نوفمبر/تشرين الثاني بهدف إنهاء القتال بين الجانبين، ليتم خرقها سريعا.
وتم إسناد الملف لـ"خالد بن سلمان"، الشقيق الأصغر لولي العهد، في محاولة لإيجاد طريقة لإخراج السعوديين من اليمن، لكن جهوده لم تحقق نتائج ملحوظة، ولا تزال الحرب مستمرة بلا نهاية في الأفق ولا نهاية محتملة لبؤس الشعب اليمني.
الانقلاب على روسيا
وتأتي حرب "محمد بن سلمان" الثالثة، التي تدور حول أسعار النفط، مع روسيا، وهي الحرب التي كان من الممكن أن يختار تجنبها، وبدافع الرغبة في معاقبة الروس، قفز "بن سلمان" إلى أرض المعركة.
وحين كانوا يتوجهون إلى اجتماع "أوبك+" في فيينا في 5 مارس/آذار، كان السعوديون يراقبون بقلق الضغط على أسعار النفط بسبب تفشي فيروس "كورونا".
وعندما غادر وزير الطاقة الروسي "ألكسندر نوفاك" الاجتماع في اليوم التالي، بعد عدم التوصل إلى اتفاق، أصدر بيانا أغضب السعوديين.
وقال الوزير: "اعتبارا من الأول من أبريل/نيسان، بدأنا العمل دون مراعاة الحصص أو التخفيضات التي كانت سارية في وقت سابق، وترى روسيا أن أي عضو يمكن أن يضخ ما يحلو له".
وبدون الكثير من التفكير في العواقب المحتملة، استجاب "بن سلمان" للاستفزاز الروسي، وأعلن السعوديون أنه اعتبارا من 1 أبريل/نيسان سيرفعون الإنتاج بأكثر من 2 مليون برميل يوميا، ليصل إلى 12 مليون برميل.
ومع زيادة وفرة النفط في السوق العالمية بشكل يومي بفضل الانكماش الاقتصادي الناجم عن جائحة "كوفيد-19"، انهار سعر النفط.
وفي وقت كتابة هذا التقرير، كان برميل النفط يدور حول سعر 25 دولارا للبرميل، وقبل شهر واحد فقط، كان يتم تداوله بسعر 65 دولارا.
وخرج الروس بشكل رسمي للإعلان عن رضاهم بسعر النفط عند 30 دولارا، في حين يحتاج السعوديون إلى 80 دولارا للبرميل للوصول لنقطة التعادل في الموازنة.
ويرى بعض محللي الطاقة أن السعر قد ينخفض إلى 10 دولارات للبرميل.
وفي غضون ذلك، تراجعت أسهم "أرامكو" السعودية دون قيمتها الافتتاحية، حيث خفضت أكبر شركة نفط في العالم نفقاتها الرأسمالية.
وتجد الحكومة السعودية نفسها في موقف قاتم، حيث تواجه عجزا هائلا، في الوقت الذي تحتاج فيه بشكل عاجل إلى أموال لإعادة "رؤية 2030" إلى المسار الصحيح.
وحرم الفيروس التاجي بالفعل المملكة من جزء كبير من الأموال التي تحصل عليها من السياحة الدينية، مع إلغاء العمرة والتهديد بإلغاء الحج الآن، وبالتوازي، تواصل الحرب المستمرة في اليمن استنزاف الميزانية السعودية.
في النهاية، تختبر الحروب الثلاثة "محمد بن سلمان" إلى أقصى حد، وفي حرب أسعار النفط، ربما "يرمش" الروس أولا، وقد يجد "خالد بن سلمان" طريقا إلى السلام في اليمن، بالرغم من أن احتمالات حدوث ذلك ليست عالية.
وفي هذه الأثناء، تنتشر آثار "كوفيد-19" المدمرة للاقتصادات ويهدد الفيروس بركود عالمي.
ومن المفارقات، أنه بالرغم أن "بن سلمان" يقوم بكل الخطوات الصحيحة لكسب معركة الفيروس التاجي في المملكة العربية السعودية، لكن الآثار الطويلة للفيروس على الاقتصاد العالمي قد تتسبب في خسارته الحرب الوحيدة التي أظهر فيها أداء جيدا حتى الآن.
بيل لو | فير أوبسيرفر - ترجمة الخليج الجديد