الخليج أونلاين-
تشهد العلاقات الإماراتية الإيرانية تقارباً واسعاً ازداد في عام 2019، بعيد ارتفاع حدة التوتر بين إيران والولايات المتحدة في مياه الخليج على إثر تهديد ناقلات النفط المتجهة إلى أنحاء العالم التي تمر في مياهه.
وكان التقارب الإماراتي الإيراني في منتصف العام الماضي مفاجئاً، في ظل العلاقات الاستراتيجية التي تجمع الإمارات مع المملكة العربية السعودية، والوضع المتوتر بين الرياض وطهران، خصوصاً أن الأخيرة محل اتهام كبير بأنها تتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد العربية (اليمن والعراق وسوريا ولبنان) وحتى الخليجية أيضاً.
يضاف إلى ذلك أن الأزمة الخليجية التي قامت ضد قطر كانت حجتها العلاقة مع إيران، حيث فرضت السعودية والإمارات والبحرين ومصر مقاطعة وحظراً برياً وجوياً وبحرياً على قطر، في 5 يونيو 2017، بزعم دعمها للإرهاب وعلاقتها مع طهران، وهو ما نفته الدوحة تماماً واعتبرته محاولة للنيل من سيادتها.
كورونا يقرب المسافات
ومع تفشي وباء فيروس كورونا المستجد، ووصوله إلى الخليج عبر إيران وفق تصريحات أغلب دول الخليج، كان معظم المصابين في نهاية فبراير وبداية مارس قادمين من إيران حيث كانوا يزورون مقامات دينية شيعية.
وفي تلك الفترة شهدت العلاقات الإيرانية الإماراتية مزيداً من التقارب إلى درجة إرسال المساعدات؛ حيث أجرى وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، اتصالاً هاتفياً نادراً مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، دعا فيه إلى العمل المشترك في مواجهة فيروس كورونا.
وبحسب وكالة الأنباء الإماراتية "وام" ناقش الوزيران في الاتصال الهاتفي النادر بين المسؤولين "التطورات التي تشهدها المنطقة والعالم في ضوء انتشار وباء كورونا المستجد".
وقدّم المسؤول الإماراتي "تعازيه إلى الشعب الإيراني بضحايا هذا الوباء العالمي"، مؤكّداً أن "دولة الإمارات تدعم الشعب الإيراني لتخطي هذه المحنة".
وأرسلت أبوظبي نحو 40 طناً من الإمدادات والمعدات الطبية إلى إيران لدعمها في مواجهة الفيروس وذلك بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، منتصف مارس الماضي.
ومؤخراً في 20 مايو المنصرم، بحث وزير الصحة الإماراتي عبد الرحمن العويس في اتصال هاتفي مع نظيره الإيراني سعيد نمكي الإجراءات المتخذة في بلديهما لمواجهة أزمة جائحة كورونا.
ونقلت الوكالة الإماراتية عن وزير الصحة الإيراني إعرابه خلال الاتصال عن شكره لدولة الإمارات على تعاونها مع إيران ووقوفها إلى جانبها في دعم جهودها للحد من انتشار الفيروس.
وأضافت أن الوزير الإيراني أكد خلال الاتصال أن المساعدات التي قدمتها الإمارات لبلاده ساهمت في تزويد العاملين في الخطوط الأمامية في إيران بالمعدات الوقائية المناسبة للحفاظ على صحة الكادر الطبي وتمكينهم من ممارسة عملهم في مواجهة جائحة كورونا.
علاقات أكثر من جيدة
وفي خضم أكبر تصعيد سياسي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران منذ وصول دونالد ترامب إلى سدة الحكم في البيت الأبيض، بدأت سلسلة من التقاربات الأمنية بين أبوظبي وطهران.
وكان آخرها في نوفمبر 2019، حيث وصفت إيران علاقاتها بدولة الإمارات بـ"الجيدة جداً"، ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية عن قائد قوات حرس الحدود الإيراني، العميد قاسم رضائي، في مؤتمر صحفي قوله: "علاقة إيران بالإمارات جيدة جداً، والدول المجاورة ومنطقة الخليج".
وبيّن رضائي أن قوات حرس الحدود الإيرانية "عقدت الكثير من الاجتماعات مع نظيرتها الإماراتية، وتوصلنا إلى اتفاقات جيدة للغاية على المستوى الوطني والإقليمي".
وفي المقابل رأى وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، أنّ للحوثيين (المتهمة إيران بدعمهم) دوراً في مستقبل اليمن، مؤكداً أن العلاقات مع إيران تتطلب جهوداً ودبلوماسية قوية للتوصل إلى اتفاق يخدم المصلحة الإقليمية، وبمشاركة خليجية.
وقال قرقاش، خلال كلمة في افتتاح "أعمال ملتقى أبوظبي الاستراتيجي السادس"، الأحد (10 نوفمبر 2019): "التصعيد مع إيران لا يصب في مصلحة أي طرف، ولذلك نأمل من خلال الجهود أن نوجد انفتاحاً لوضع عملية سياسية ذات مغزى، تعمل على معالجة القضايا الأمنية في المنطقة".
وأضاف قرقاش: "دول الخليج يجب أن تكون طرفاً في طاولة المفاوضات مع إيران، ولا بد من تواجد الرؤى المشتركة، لا سيما من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي؛ لمواجهة الهجمات غير المقبولة التي تؤدي إلى تقويض حل السلام".
وفي (14 أكتوبر 2019)، تحدثت وسائل إعلام عن زيارة قام بها مستشار الأمن الوطني الإماراتي، طحنون بن زايد آل نهيان، إلى العاصمة الإيرانية طهران، في خطوة لم يُعلن عنها سابقاً.
بداية أغسطس 2019، وقَّعت إيران والإمارات مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون بمجال أمن الحدود البحرية، وسبق ذلك انسحاب الإمارات من اليمن بشكل مفاجئ، رغم أنها القطب الثاني في التحالف الذي شكلته السعودية لإعادة الشرعية إلى البلاد (في مارس 2015).
كما رفضت الإمارات، في 26 يونيو 2019، اتهام إيران بالوقوف خلف هجمات استهدفت أربع ناقلات نفط قبالة سواحلها (بمايو 2019)، داعية إلى ضرورة خفض حدة التوتر في المنطقة.
ورغم أن الولايات المتحدة والسعودية حمَّلتا إيران علناً المسؤولية عن تلك الهجمات وعن هجوم وقع في وقت لاحق استهدف سفينتين بخليج عُمان، لكن الإمارات تبنّت رواية طهران، ورفضت تحميلها أي مسؤولية عن الهجمات.
تبادل تجاري لافت
وامتازت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين على مدار السنوات الماضية بمزيد من النمو والاستمرار رغم كل التوترات التي جرت في منطقة الخليج.
وقدرت التعاملات التجارية بين الدولتين بمليارات الدولارات، حيث تعود العقود الضخمة الموقعة بين الجانبين إلى مرحلة استقلال الإمارات عام 1971.
وأعلنت منظمة الجمارك الإيرانية أن قيمة المبادلات التجارية مع الإمارات العربية المتحدة بلغت 13.5 مليار دولار بين 19 مارس 2019 و19 مارس 2020.
واستوردت الإمارات، خلال العام المنصرم، بقيمة 4.5 مليار دولار من جارتها الشمالية، وفق منظمة الجمارك الإيرانية، في حين بلغت صادرات إمارة دبي إلى إيران أكثر من 8.9 مليارات دولار خلال الفترة ذاتها.
وفي عام 2018 بلغ حجم التجارة غير النفطية بين إيران والإمارات 16.83 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في 20 مارس 2018، بارتفاع بلغ 21.18% مقارنة بعام 2017، وفقاً لإحصائيات إدارة الجمارك الإيرانية.
ووفق تقديرات صادرة عن وزارة الخارجية الإيرانية يعيش في الإمارات من 400 ألف إلى 500 ألف إيراني، نسبة كبيرة منهم من التجار ورجال الأعمال، في حين نقلت وكالة أنباء فارس عن إحصاءات صادرة عن دائرة الأحوال الإيرانية أن عدد الإيرانيين المقيمين في الإمارات يبلغ 800 ألف نسمة.
وهناك 4 جامعات إيرانية في الإمارات وما يزيد على 30 ألف طالب إيراني يتلقون تعليمهم في الإمارات.
وحسب تقديرات مجلس الأعمال الإيراني، يمتلك الإيرانيون في الإمارات استثمارات وأصولاً تتجاوز قيمتها 200 مليار دولار.
وتعتبر حركة الطيران بين البلدين نشطة جداً، إذ توجد 200 رحلة طيران أسبوعية بين الإمارات وإيران قبيل تعليق الطيران بسبب جائحة كورونا، منها 50 رحلة أسبوعية بين طهران ودبي، وفق إحصاءات وزارة الخارجية الإيرانية