موقع ميدل إيست آي-
قال المعلق ديفيد هيرست محرر موقع “ميدل إيست آي” إن سعد الجبري أصبح أكثر خطرا على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بدرجة بات فيها يهدد فرصه لتولي العرش. وقال إن مسؤول المخابرات السابق وحليف ولي العهد السابق محمد بن نايف بات يعيش والهدف مصوب على ظهره.
وقال إن الغرب تردد بتصديق التسريبات النابعة من الرئاسة التركية عندما اختفى الصحافي المعروف جمال خاشقجي وقالت إنه قتل وقطع جسده إلى أجزاء. وبعد مرور أسبوعين اتهمت مراسلة صحيفة “نيويورك تايمز” كارلوتا غال الرئيس رجب طيب أردوغان بأنه يستخدم تسريبات منتقاة إلى الصحف التي تملكها الدولة للضغط على بن سلمان وتدجين السعوديين.
وبعد أسبوعين، كتبت غال في 19 تشرين الأول/أكتوبر 2018 مشككة بالتفاصيل المقززة عن عملية مقتل خاشقجي: “لم تحصل أي صحيفة على التسجيل الصوتي “للقتل” أو حتى استمعت إليه، مما لم يسمح للحكومة الحفاظ على مصدرها فقط بل والسيطرة على ما يمكن أن تكشفه، ومتى”. ولماذا علينا أن نصدق الرئيس أردوغان عندما يتحدث عن مصير خاشقجي، وواصلت غال قائلة إن “المفارقة الثابتة في حالة خاشقجي هي أن حكومة أردوغان وهي تدفع بتقديم تفاصيل إلى صحف مختارة، معادية وبشكل مفتوح للصحافيين المستقلين”.
وقبل 4 أيام من تقريرها الذي أثار الشكوك حول اختفاء خاشقجي، نعرف أن فريقا ثانيا من فرقة النمور وصل على ما يزعم إلى مطار تورنتو، ومن 50 شخصا بمن فيهم طبيب شرعي لمحو كل الأدلة. وكان “المحجر” الذي يريدون الوصول إليه أكثر خطورة على ولي العهد محمد بن سلمان مما كان يمثله خاشقجي.
فقد كان سعد الجبري الذراع الأيمن لولي العهد ووزير الداخلية السابق الأمير محمد بن نايف. وهو يعرف كل أسرار وزارة الداخلية المثيرة للإحراج بما فيها وضع الملك سلمان وابنه يديهما في مالية الوزارة لمكافحة الإرهاب، وأخذا عشرات الملايين من الريالات في كل شهر. ويظل الجبري شخصا من داخل النظام، مقارنة مع خاشقجي الذي عمل لفترة قصيرة مسؤولا إعلاميا لمدير المخابرات السابق ولم يكن سوى صحافي له علاقات وثيقة، وكان والحالة هذه شخصا خارج الديوان الملكي.
وعلى خلاف البقية داخل النظام فقد كان الجبري مستعدا لمواجهة النظام وبقوة.
ولم يكن هذا هو الحال مع الأمير أحمد بن عبد العزيز، الأخ الأصغر للملك سلمان، فقد ألمح أحمد عن عدم رضاه بالحرب وطريقة إدارتها، عندما واجه محتجين يمنيين وبحارنة تجمعوا خارج بيته في لندن. ولكنه لم يذهب أبعد من هذا. وكذا الحال مع محمد بن نايف الذي ظل صامتا على الإهانة التي تعرض لها، بجانب بقية الأمراء الذين جردوا من أرصدتهم وممتلكاتهم في ريتز كارلتون.
وبالمقارنة مع هؤلاء فليس لدى الجبري ما يخسره. وبحسب الدعوى القضائية حاولوا إغراءه بالعودة إلى المملكة، ولكنه رفض. وحاولوا نقله إلى منطقة يمكنهم من خلالها القبض عليه. ونشروا العملاء في الولايات المتحدة لتحديد مكان إقامته، وأرسلوا فرقة قتل، وفشلت. وعندما لم تنجح كل المحاولات تحولوا إلى عائلته ورفضوا السماح لابنه وابنته بالسفر ثم قبضوا عليهما. ولكن الرجل لم يتزحزح. ثم زرعوا قصة في صحيفة “وول ستريت جورنال” قالوا فيها إن مليارات الدولارات المخصصة لمكافحة الإرهاب اختفت أثناء قيادة الجبري ويريدون استرجاعها منه. ويعلق الكاتب أن شكوك صحيفة “نيويورك تايمز” حول مقتل خاشقجي اختفت عندما وصلت مديرة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) جينا هاسبل إلى أنقرة لكي تستمع إلى الشريط المسجل لجريمة قتل الصحافي في داخل القنصلية. و”بحسب مصادري، فقد بكت هاسبل التي تتحدث التركية بطلاقة والضابطة التي تورطت في فضيحة عمليات التعذيب من خلال الإيهام بالغرق، عندما استمعت لخاشقجي في سكرات الموت الأخيرة”.
وعندما جاءت “سي آي إيه” لكي تقول وبشكل لا مجال فيه للشك إنها تعتقد بتورط محمد بن سلمان بالجريمة، قررت واشنطن الفرملة. وبدا أن الجبري كان عنصرا في تصميم “سي آي إيه”. ويؤكد هيرست أن الدعوى القضائية تؤكد ما كشفه الموقع عن فرقة النمر، وما نشرته صحافية الموقع دانيا العقاد عن الجبري نفسه. ولكن الدعوى تضيف تفاصيل أخرى بما فيها أن الفرقة نفسها شكلها ولي العهد نفسه لكي تكون فرقة اغتيال شخصية بعد رفض الجبري مطالبه استخدام القوات الخاصة داخل وزارة الداخلية والتي كان يتحكم بها محمد بن نايف والجبري. وكان محمد بن سلمان يريد في ذلك الوقت ترحيل أحد الأمراء السعوديين من أوروبا، بسبب انتقاده الملك سلمان عبر منصات التواصل الاجتماعي.
ونعرف أن محمد بن سلمان شجع سرا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التدخل في سوريا، رغم الدعم السعودي للمعارضة السورية لبشار الأسد. وهذا يفسر السبب الذي دفع ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، ومرشد محمد بن سلمان، لكي يدفع إلى الرئيس السوري الأسد حتى يخرق اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب للتسبب بمشاكل لتركيا. ومن هنا فالتعامل المزدوج في سوريا وبالتأكيد في ليبيا يهدف لمواجهة المنافس الرئيسي لهما وهي تركيا.
وتظل هذه تفاصيل إلا أن الصورة الأكبر هي ما يكشفه الجبري: فالمعركة على السلطة التي بدأت بالإطاحة بمسؤوله محمد بن نايف من ولاية العرش ومن ثم إلصاق تهمة تعاطي المخدرات به، لم تنته بعد. ولم يستطع محمد بن سلمان الذي حل محل بن نايف تحقيق النصر أو الشرعية. ولهذا السبب كان حريصا على التخلص من كل شخص بداية بخاشقجي ثم الجبري الآن.
وبحسب الدعوى القضائية، فقبل أن يتحرك محمد بن نايف، قام بالتشاور مع صهر الرئيس دونالد ترامب، جارد كوشنر. وأطيح بالجبري من وزارة الداخلية بعدما علم أنه التقى مع مدير المخابرات الأمريكية جون برينان مرتين وناقش معه مكالمة محمد بن سلمان مع بوتين بشأن سوريا. وغادر الجبري بعدما بدأ رئيسه بحملة ضغط في واشنطن وأخبر “سي آي إيه” بأنه أصبح هدفا.
ويقول هيرست إن هاسبل ووكالتها “سي آي إيه” لا تجلس في موقف المتفرج في النزاع بين ولي العهد والجبري. ويقول هذا إن الدعوى القضائية التي تقدم بها وموقف “سي آي إيه” قريب جدا. وجاء في الدعوى: “هناك قلة يتمتعون بشراكة مع المخابرات الأمريكية والأجهزة الأمنية مثل الجبري”. وجاء فيها: “عبر عقود من التعاون القريب مع المسؤولين الأمريكيين البارزين في مشاريع مكافحة الإرهاب عندما كان في خدمة الحكومة السعودية أصبح الدكتور سعد الجبري شريكا يوثق به وأصبح يستشار ويسأل قبل اتخاذ قرارات تتعلق بالحياة والموت والمرتبطة بالأمن القومي الأمريكي”. ولا يوجد شخص على قيد الحياة يعرف بأوساخ محمد بن سلمان أكثر منه. وبالتأكيد، فلو مات فقد ترك تعليمات وتسجيلات سجلها وستنشر، وهي تأمين على حياته. وحظي الجبري وبشكل غير عادي بدعم من وزارة الخارجية التي قالت للموقع يوم الجمعة إنه “شريك ثمين للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب. وأنقذ عمل سعد مع الولايات المتحدة حياة الأمريكيين والسعوديين. ويعرفه الكثير من المسؤولين الحاليين والسابقين في الحكومة الأمريكية ويحترمونه”.
ويعلق هيرست أن هذه التصريحات الداعمة لمعارض سعودي مهمة. وهي ذات علاقة أيضا، خاصة أن الاستطلاعات تشير إلى الأشهر الأخيرة من رئاسة ترامب. وقال خليفته المحتمل، جوزيف بايدن، إنه سيعاقب قادة السعودية على مقتل خاشقجي ويوقف صفقات السلاح ويحولهم إلى “منبوذين كما هم”. وهذا يعني استعادة وزارة الخارجية و”سي آي إيه” سلطتهما السابقة على القرارات الخارجية، هذا إن رحل ترامب. وستهب عندها ريح باردة عبر قصر محمد بن سلمان، لو أصبح ملكا في ذلك الوقت. والأمل الوحيد لملك المستقبل كي يتجنب الكارثة هو فوز ترامب من جديد. ولو خسر، فسينهار كل شيء حول ترامب، وسيكون محمد بن سلمان محظوظا لو نجا، لأن كل شيء سيعمله بحاجة إلى دعم أمريكي. وهذا أمر لا يمكنه استبداله بين ليلة وضحاها بدعم من الصين أو بوتين. فالمعركة التي بدأها بن سلمان قبل سنوات عندما أطاح ببن نايف لم تنته. وربما اعتقد أنه دفن بن نايف في الداخل، لكنه لم ينجح بقطع علاقة الأخير مع الولايات المتحدة ومؤسستها الأمنية. وبدأ أفرادها يلوحون بأيديهم دعما للجبري وعائلته وبن نايف الذي يقبع في السجن. ويخوض الجبري معركة مع محمد بن سلمان الذي لا يزال يرسل عملاءه إلى تورنتو لإسكاته. وهو يتمتع الآن بحماية مسلحة كثيفة، من شرطة الخيالة الملكية الكندية، حسبما كشفت ميل أند غلوب الكندية. ماذا سيفعل محمد بن سلمان لو دعي لشهادة مغلقة أمام الكونغرس وبدأ بالكشف عن جرائم الملك المقبل؟ وبدأ أعضاء الكونغرس من الحزبين بحث ترامب للإفراج عن ولدي الجبري. ولا يزال شبح خاشقجي يلاحق محمد بن سلمان ويرفض الاختفاء فيما يصمم الجبري على منع قتلته من التمتع بغنائم السلطة. كل هذا يقود لنتيجة وهي أن محمد بن سلمان يواجه أكبر تحد خارجي في رهانه على الفوز بالعرش.
معركة الخلافة
ويرو هيرست انه على أقل تقدير، هذا يعني أنه في حالة رحيل ترامب، ستستعيد وكالة المخابرات المركزية ووزارة الخارجية قرارات السياسة الخارجية للبيت الأبيض. ثم تهب رياح باردة عبر قصر محمد بن سلمان في الرياض، حتى لو كان قد نصب نفسه ملكًا بحلول ذلك الوقت.
ويعتقد أن الأمل الوحيد لملك المستقبل لتجنب الكارثة هو فوز ترامب. فإذا خسر ترامب، فسيتحطم معها كل شيء تقريبًا حول ترامب. سيكون محمد بن سلمان محظوظًا حقًا في البقاء، لأنه مهما فعل، فهو بحاجة إلى دعم عسكري أمريكي. وهذا ليس شيئًا يمكن استبداله بين عشية وضحاها بدعم بوتين أو دعم الصين.
ويوكد هيرست أن المعركة التي بدأها محمد بن سلمان بإطاحة بن نايف قبل ثلاث سنوات لم تنته بعد. ربما ظن محمد بن سلمان أنه دفن بن نايف في المنزل، لكنه لم ينجح في قطع صلات الأخير بالمؤسسة الأمنية الأمريكية. إنهم يرفعون رؤوسهم مرة أخرى لصالح الجبري وعائلته وبن نايف الذي يقبع في السجن.
ويرى أن الجبري يخوض معركة حتى النهاية مع محمد بن سلمان. حتى الآن، وبعد عدة محاولات لإسكاته، لا يزال محمد بن سلمان يرسل عملاء إلى تورونتو لإنهاء المهمة. وقد أفادت صحيفة “جلوب آند ميل” الكندية بأن الجبري الآن تحت حماية ضباط “مدججين بالسلاح” من شرطة الخيالة الكندية الملكية، بالإضافة إلى حراس خاصين.
ويتساءل الكاتب: ماذا سيفعل محمد بن سلمان إذا دُعي الجبري للإدلاء بشهادته أمام الكونغرس، حتى في جلسة مغلقة، وبدأ في الكشف عن جرائم الملك القادم لهم؟ بدأ أعضاء مجلس الشيوخ على جانبي الانقسام السياسي بالفعل في حث ترامب على ضمان حرية أطفال الجبري.
ليختم قائلا لقد رفض شبح خاشقجي الاستلقاء على الأرض، والجبري مصمم على منع القاتل من الاستمتاع بغنائم القوة. كل هذا يؤدي إلى استنتاج واحد: محمد بن سلمان يواجه الآن أكبر تحد خارجي لمحاولته الاستيلاء على العرش.