الخليج الجديد-
"عفن - سبب انتشار كورونا - غزاة - عبء"..
تلك ليست أوصافا لحيوانات أو حشرات في خطاب بات رائجا بدول الخليج عموما، وفي الكويت خصوصا، بل أوصاف للوافدين الذين أصبحوا مصدر خطر عظيم حسبما يزعم إعلاميون وسياسيون كويتيون.
وسجلت عديد المقاطع المرئية، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، حالات اعتداء غير مسبوقة بحق وافدين، في سياق بدا نشازا عن مسيرة تاريخية عُرف بها البلد الخليجي الصغير، الذي طالما كان محضنا للعمالة من كافة الجنسيات، خاصة العربية منها.
ولم تقتصر حالات الاعتداء البدني أو اللفظي على المواطنين، بل وجهها بعض "النخب" بحق الوافدين في الكويت، على غرار مقطع الفيديو الذي ظهرت فيه الإعلامية "نادية المراغي"، مع إحدى صديقاتها، وهن يصفن وافدات بأن "رائحتهن عفنة".
وجاء انتشار الفيديو بعد ساعات من تصريحات للنائبة الكويتية "صفاء الهاشم"، حول أوضاع الوافدين في بلادها؛ حيث طالبت بترحيلهم، واعتبرت أنهم السبب في انتشار وباء "كورونا" في البلاد.
وسبق تصريحات "صفاء" موجة جدل أثارتها مواطنتها الممثلة "حياة الفهد"، التي هاجمت فيها الوافدين، واعتبرت أنهم يشكلون "عبئا" على النظام الصحي في الكويت.
ومع رواج هكذا خطاب، بدأ تصاعد ملحوظ لحالات الاعتداء على العاملين الوافدين في البلاد على يد مواطنين، كذلك الكويتي الذي صفع شابا مصريا يعمل كاشير في أحد منافذ بيع المنتجات التابعة لجمعية "صباح الأحمد".
المقطع لاقى استياء واسعا بعدما ظهر فيه المواطن الكويتي وهو "يصفع" العامل المصري على وجهه 3 مرات متتاليات أثناء عمله، بينما لم يحاول العامل المصرى حتى الدفاع عن نفسه.
النساء لسن استثناء من هذا التصاعد الخطير، إذ تعرضت طبيبة مصرية، أمس الثلاثاء، لحادثة اعتداء بالسب والضرب من أحد المواطنين الكويتيين، أثناء الكشف على أذنه يوم الجمعة الماضي.
احتجز الكويتي الطبيبة المصرية بغرفة الكشف الخالية من الكاميرات، وانهال عليها بالضرب والسب وأصابها بكدمات، وقطع جزءا من لسانها، ولم تتمكن من طلب الأمن فاستغاثت صارخة بزملائها الذين حضروا وشاهدوا المعتدي مستمرا في ضربها بحضورهم، وعندما حاولوا أن يوقفوه قام بسبهم وانصرف.
وفرضت هذه المشاهد وغيرها سؤالا لدى مراقبي الشأن الكويتي خلال الأيام الماضية، مفاده: لماذا تصاعدت حوادث الاعتداء على الوافدين بنسبة كبيرة خلال الأشهر الماضية؟
ولماذا تزيد نسبة الانتهاكات بحق المصريين منهم؟
ظاهرة عامة
ما يتعلق بالمصريين تعود إجابته إلى الإحصاءات الرسمية بالكويت، والتي سجلت نسبة 20% من إجمالي الوافدين بالبلاد، وهي النسبة الأكبر لجنسية واحدة على الإطلاق.
ولذا فإن تكرار حوادث الاعتداء على مصريين تأتي في سياق "حصتهم" مما بات ظاهرة عامة في الكويت.
فوسائل الإعلام الكويتية سجلت العديد من تلك الحوادث بحق جنسيات أخرى، لاسيما الأردنيين إلى حد استدعى تدخلا من قبل وزارة الخارجية الأردنية.
وسبق أن أعلنت الوزارة مؤخرا التنسيق مع سفارتها في الكويت لمتابعة الاعتداء الذي تعرض له أحد مواطنيها المقيمين في الكويت (تاجر)، حيث تعرض للضرب والإجبار على التوقيع على وصل مالي بمبلغ 100 ألف دينار كويتي.
أما ما يتعلق بالسبب وراء تكرار الاعتداءات على الوافدين في الكويت، فيعود إلى تأثير التطورات الاقتصادية والإقليمية على البلد الذي تحول في سنوات قليلة من ميزانية الفائض إلى عجز متوال يصل إلى حد تشكك مؤسسات بحثية في قدرة الحكومة على دفع رواتب الموظفين العاملين بالجهاز الإداري للدولة خلال الأشهر المقبلة.
ورغم أن الكويت لديها صندوق سيادي يتجاوز حجم أصوله 560 مليار دولار لكن تهاوي أسعار النفط وتفشي فيروس "كورونا"، أثرا بشدة على اقتصاد العضو البارز بمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، الأمر الذي صعد بملف الوافدين إلى الواجهة من منطلق أن "المصلحة القومية" أولى من أي اعتبارات أخرى.
فالعمالة الوافدة تضغط على الخدمات المقدمة للمواطنين في الكويت من تأمين صحي وتعليم وكهرباء ومياه وبنية تحتية وطرق وأسواق تجارية، وترفع أسعار الأغذية والسكن وغيرها، كما تضغط على سوق الصرف واحتياطي الكويت من النقد الأجنبي، خاصة أن الإحصاءات تشير إلى أن تحويلات الأجانب في الكويت تأتي في المركز الثاني خليجياً بعد السعودية، بواقع يصل إلى 15 مليار دولار سنويا، وهو مبلغ كبير في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها سوق النفط، المصدر الرئيسي لإيرادات البلاد.
وبإضافة التهديدات الإقليمية إلى كامل مشهد صناعة القرار بالكويت، في ظل ما تعرضت له الجارة قطر من حصار شامل فرضته السعودية والإمارات والبحرين، وتأرجح العلاقات مع الرياض بين هدوء حذر وتوتر على خلفة موقف الكويت من وساطة الأزمة الخليجية، بات شعور "الأولوية القومية" مهيمنا على الخطاب الرسمي بالبلاد.
تضييق ورسوم
وإزاء ذلك، وجد الشباب الكويتي، الذين اعتادوا التعويل على الحكومة في توفير فرص العمل، أنفسهم أمام معضلة، خاصةً أنهم لا يثقون بالقطاع الخاص، الذي من السهل أن يستغني عنهم، الأمر الذي حفّز الحكومة على إلزام القطاع الخاص بعدم استقدام وافدين ما دامت شروط التوظيف تتوافر في كويتي، حسبما يشير الخبير الاقتصادي "أحمد الهارون".
ولاقى هذا التوجه قبولا من قطاعات شعبية معتبرة في الكويت مع تصاعد المطالبات بتخفيض نسبة العمالة الأجنبية إلى النصف على الأقل واستبدالها بأخرى كويتية، وهو ما يشكل أزمة كبيرة، في ظل عدد الوافدين العاملين بالبلاد، والذي يتجاوز الـ3 ملايين.
وتبلغ نسبة العمالة الوافدة في التركيبة السكانية للكويت أكثر من ضعف عدد المواطنين، ولذا لم تقصر الحكومة خطط خفض أعدادهم على جهاز الدولة، بل اتجهت لإلزام القطاع الخاص بها، إضافة إلى التضييق على الوافدين بزيادة تكاليف الحياة عليهم ورفع الرسوم المفروضة على الخدمات المقدمة لهم.
وعلى سبيل المثال، قررت الحكومة الكويتية رفع رسوم الإقامة للوافدين وعائلاتهم بنسبة 10%، لتصل إلى 1650 دولاراً سنوياً للفرد الواحد، مقارنة مع 1500 دولار في السابق.
وفي شهر يونيو/حزيران الماضي، تم رفع رسوم الخدمات الصحية على الوافدين، وإعادة تسعير الخدمات التي تقدم لهم في مستشفيات وزارة الصحة، بنسب تصل إلى 100% في بعضها.
وسبق أن صرح رئيس مجلس الوزراء الكويتي الشيخ "صباح الخالد الصباح"، بأن بلاده تستهدف خفض عدد الوافدين إلى 30% من السكان فقط، وهو ما يفوق المطالبات الشعبية والبرلمانية.
واعتبر "الصباح" أن انقسام التوزيع السكاني بالبلاد إلى 30% كويتيين و70% غير كويتيين، يمثل خللا كبيرا، إذ إن "المثالي للتركيبة السكانية أن تشكل نسبة الكويتيين 70%، ونسبة غير الكويتيين 30%" حسب قوله.
نخب وجماهير
وإزاء تزامن هكذا توجه للحكومة مع خطاب العنصرية في بعض وسائل الإعلام، تنامى شعور لدى الوافدين بعدم الأمان الوظيفي والاجتماعي، أثر سلبا على أداء نسبة منهم، وبات ذريعة لمزيد من المطالبة بإبعادهم عن الوظائف، حسبما يؤكد الخبير الاقتصادي "مصطفى عبدالسلام".
وفي المقابل، تنامى شعور مضاد لدى قطاعات شعبية معتبرة في الكويت، يقوم على أساس التعصب القومي، وهو ما ترجمه خطاب "النخب" ذات الجماهيرية الواسعة، ودفع باتجاه ترويج ثقافة انحياز ضد "الأجانب" بشكل عام.
ومن الحوادث التي قدمت مثالا على هذا النتاج، ما سجله مقطع فيديو متداول لسيدة مصرية أثناء سيرهم برفقة ابنها وزوجها على الكورنيش، إذ قامت مجموعة من السيدات الكويتيات بصدم طفلها، أثناء قيادتهم للدراجة، وحينما حاولت تنبيههم تشاجرن معها وقمن بالتعدي عليها بالضرب؛ بحسب الفيديو المتداول.
ويفاقم من هذه الظاهرة أن القوانين الكويتية لا تحمي الوافدين من الاعتداءات اللفظية والبدنية على قدم المساواة مع المواطنين، بل إنها تفرض عقوبات تمييزية على الوافدين أحيانا كذريعة لترحيلهم، في إطار خطة الدولة لتقليل أعدادهم.
وفي هذا الإطار، شددت وزارة الداخلية الكويتية، إجراءاتها تجاه مخالفي قواعد المرور، من الوافدين، لتصل إلى حد الترحيل، وحددت 4 حالات مرورية تطبق فيها عقوبة الإبعاد الفوري للوافدين، وهي: القيادة تحت تأثير الكحول، أو القيادة بلا رخصة، أو استنفاد النقاط المرورية بكسر الإشارة الحمراء، أو تجاوز السرعة، وفقا لما أوردته صحيفة "القبس".
ونتيجة لذلك، شهدت الفترة الأخيرة ارتفاعا في معدلات الانتحار بين صفوف الوافدين في الكويت، حسبما أكد تقرير نشره "إنسايد أرابيا".