(أحمد شوقي/ راصد الخليج)
كعادتها سعياِ إلى الأرقام القياسيّة أو نيل لقب أوّل دولة تفعل كذا وكذا، أعلنت الإمارات مؤخّراً تسجيلها رسمياً للّقاح شركة "سينوفارم" الصينيّة ضدّ فيروس كورونا المُستجد، مؤكّدة أنّ النّتائج الأوليّة أظهرت فعّاليته بنسبة 86 في المئة.
وتبعت البحرين الإمارات في الإعلان، حيث استضافتا المرحلة الثالثة من التّجارب السريريّة للّقاح سينوفارم، وقد أهدت الإمارات مصر 50 ألف جرعة تكفي ل 25 ألف شخص.
في مصر شهدت مواقع التّواصل وبعض الحوارات الجانبية الشعبية، جدلاً حول اللّقاح وإهداء الإمارات هذه الجرعات لمصر، حيث ذهب البعض للقول أنّ الإمارات تقوم بتجريب العقار في الشّعب المصري قبل أن تُعطيه لشعبها!
وقد استدلّ البعض على ذلك بأنّ الإمارات ستستورد لُقاحات أخرى مثل فايزر ومودرنا، وهي لُقاحات سجّلت نتائجها نسباً أكبر في الوقاية، كما مرّت ولا تزال بالتّجارب السريريّة المعتمدة، في حين يكثُر الجدل حول اللّقاح الصيني، إضافة إلى سوء سمعة بعض المُنتجات الصينية في الذّهنية العامّة نظراً لاعتمادها على الكمّ والتّصدير على حساب الجودة، ممّا انسحب على سمعة اللّقاح أيضاً لدى بعض القطاعات وخاصّة وأنّه أرخص ثمناً.
وهنا لا نسلّم بهذه الفرضية التي تقول أنّ هناك مؤامرة مفادها استخدام المصريين كفئران تجارب، ولكن هناك بعض أمور مُثيرة للريبة وتشكّل تساؤلات وجيهة من المهم البحث عن إجابات لها.
وقبل طرح هذه التّساؤلات ، من المهم التّطرق إلى بعض التّفصيلات الواردة بالتّقارير، والتي تقود لهذه التّساؤلات التي نراها محل ريبة:
تقول التّقارير أنّ دولاً كالسعودية والكويت وقطر والبحرين وعمان والأردن ولبنان وتونس أعلنت نيّتها استخدام لقاح فايزر بيونتيك (الذي اعتمدته في الآونة الأخيرة هيئتا الدواء البريطانية والأمريكية).
ولكن دولاً أُخرى كالإمارات والمغرب ومصر - التي شاركت في التّجارب السريريّة للّقاحات صينية - بدأت في استقبال دفعات من لقاح سينوفارم، وهو الأمر الذي أثار بعض الجَدل إذ بدأت دول في ترخيص استخدام اللّقاح بشكلٍ طارئ رغم عدم نشر نتائج مرحلة التّجارب السريريّة النهائيّة.
وتُضيف التّقارير أنّ بعض الدّول تعقد اتّفاقات للحصول على لقاحين أو أكثر، فالبحرين مثلاً شاركت في التّجارب السريرية للّقاح الصيني لتحصين ما يقرب من ستة آلاف شخص لكنّها بعد ذلك كانت الدولة الثانية على مستوى العالم التي تعتمد لقاح فايزر بيونتيك بعد بريطانيا.
وقد وقّعت 189دولة على مبادرة كوفاكس -المشتركة بين منظّمة الصّحة العالمية وتحالف اللّقاحات غافي والتّحالف من أجل ابتكارات الإستعداد للأوبئة - والتي تهدف إلى شراء ما يكفي من اللّقاحات لتوفير ملياري جُرعة من اللّقاح (أو اللّقاحات المعتمدة) تكفي لتحصين 20 في المائة من سكّان البلدان المشاركة قبل نهاية العام المُقبل.
وفي ظلّ التّسابق على الشّراء من قبل الدول الأغنى، هناك شكوك بشأن إمكانيّة تحقيق ذلك خلال الأشهر المُقبلة.
اللّغز الإماراتي!
هنا نتطرّق إلى ما يُمكن أن نعتبره لغزاً إماراتيا، حيث تشير المعلومات إلى أنّ وزارة الصّحة الإماراتية تعاقدت مبدئياً لاستيراد نحو مليون جرعة من لقاح فايزر، ومليون و700 ألف جرعة من موديرنا، و3 ملايين جرعة من "أكسفورد-أسترازينيكا".
وبعملية حسابية بسيطة، نخرج بأنّ عدد الجرعات خارج اللّقاح الصيني هو 5 مليون وسبعمائة جرعة ولأنّ كل شخص يتعاطى جرعتين، فإنّها تكفي نحو 2 مليون و850 شخص، أي ما يقارب 3 مليون.
وإذا نظرنا إلى عدد سكّان الإمارات، فإنّه وبحسب الدّراسات الأخيرة، فإنّ التّعداد السكّاني في الإمارات قد وصل إلى نحو 9 مليون و300 ألف نسمة، وهو الرّقم الذي يزيد بنحو 200 ألف نسمة فقط عن تعداد السكان الذي تمّ عقده في الإمارات في منتصف عام 2017.
وأكّدت الإحصائيات الأخيرة بأنّ الإمارات تضمّ على أراضيها أكثر من 200 جنسية مختلفة، أغلبهم قد جاء إلى الإمارات من أجل العمل أو من أجل السياحة، وتعد الجالية الهندية من أكبر الجاليات الوافدة في الإمارات وبعدها تأتي الجالية الباكستانية والجنسيات العربية المختلفة.
ويبلغ عدد السكان الأصليين في الإمارات نحو 2 مليون و700 ألف نسمة، في حين يصل عدد الأجانب في الإمارات إلى نحو 6 مليون و600 ألف نسمة.
وهنا مُصادفة عجيبة بين عدد الجرعات من خارج اللّقاح الصيني وعدد السكان الأصليين تستدعي التوقّف والتأمّل!
فهل جلبت الإمارات لقاحات أكثر أمناً للسكّان الأصليين، بينما قامت باستيراد اللّقاح الصيني للوافدين الذين يشكّلون أغلبية عدد السكان؟
وهل بَداية حملة التّطعيم الطارئة للعاملين بالمجال الصحي دليل على الشّفافية أم أنّ أغلب العاملين بالقطاع الصحي هم من الوافدين أيضاً؟
في تقرير برلماني إماراتي للمجلس الوطني الإتّحاد،في 2016، أفاد التّقرير بوجود عجز في عدد أطباء المستشفيات والمراكز الصحيّة التّابعة لوزارة الصحة ووقاية المجتمع، قياساً بأعداد المواطنين والمقيمين الموجودين داخل الدولة،
واعتبر التّقرير أن أسباب مشكلة نقص الأطباء والكوادر الطبية بشكل عام، وفقاً لصحيفة الإمارات اليوم هي أنّ " 94% من العاملين بالمجال الطبي من خارج الدولة، بينهم 40% من جنسيات دول آسيوية، مُقابل 6% فقط من المواطنين"، مُشيراً إلى أنّ "هذا الأمر يكسب الأطباء صفة الطبيب المهاجر الذي يبحث دائماً عن الوظيفة الأفضل والراتب الأعلى، حتّى لو كانت خارج الدولة، كما شكّلت نسبة الكوادر التّمريضية من المواطنين العاملين في القطاع الصحي 1%".
هنا نحن أمام تساؤل وجيه عن اللّقاحات الإماراتية والتمييز بين المواطنين الأصليين والوافدين.