الخليج أونلاين-
يعد الطب العربي، أو الطب البديل، أو التداوي بالأعشاب، علماً قديماً يسبق تاريخياً مهن الطب والصيدلة المتعارف عليها اليوم، وحتى عقود غير بعيدة كانت ثقة الشعوب بطب الأعشاب موثوقة جداً وما زال لها حضورها بمنطقة الخليج العربي والعالم عموماً.
تقع دول الخليج العربي في منطقة ذات بيئات متعددة يغلب عليها الطقس الصحراوي، والتي يقل بها وجود النباتات والأعشاب الدوائية بشكل عام مقارنة بمناطق أكثر خضرة وتساقط أمطار، رغم نمو النباتات والأعشاب التي قد يستفاد منها بكثير من البوادي والواحات المحاطة بالمياه العائمة أو الجوفية.
وعلى مر التاريخ استخدمت الأعشاب المجففة والمتنوعة وما يتصل بالطب البديل من خلطات وأدوات، لعلاج الأمراض وحتى كمضادات لها، خاصة أنها تدخل إلى اليوم في تصنيع بعض الأدوية والعقاقير المنتجة كيميائياً في مصانع وشركات الأدوية الكبرى عالمياً.
ومع حدوث وباء فيروس كورونا المستجد عادت تلك الأعشاب للظهور والتداول بهدف تقليل مخاطر الإصابة ضمن الشائع عنها، أو لعلاجها أو المساعدة في التسريع من العلاج.
الطب البديل.. عودة للوراء
تنتشر كتب الطب البديل أو كتب "الطب النبوي" (نصائح أطلقها النبي محمد صلى الله عليه وسلم تتعلق بأمور طبية) أو المتصلة بالتداوي بالأعشاب، في العديد من المكتبات ودور النشر الخليجية، بالإضافة لاقتناء الكثير من الشعوب الخليجية لها، باعتبار أنها كتب ذات طلب مرتفع.
يشير ذلك إلى الاهتمام الذي رافق هذا المجال خلال العقد الماضي بشكل خاص، عبر إطلاق اسم "الطب التكميلي" عليه من قبل منظمة الصحة العالمية، واعتماد استراتيجية جديدة له من سنة 2014 حتى عام 2023 بهدف تطويره وربطه بمناهج البحث العلمي.
وسبق اهتمام منظمة الصحة بـ"الطب التكميلي" اهتمام مجلس التعاون الخليجي به، حيث شكل فريق عمل تابعاً لمجلس الصحة لدول الخليج عام 2008، وضع المعايير والضوابط والأسس العلمية لمزاولة هذه المهن المتعلقة بصحة المجتمع والإنسان، وصار له مؤتمرات دورية تعقد سنوياً بالعواصم الخليجية باعتباره مضماراً هاماً، ويتصل بالمورث الثقافي والشعبي أيضاً.
ورغم أن نوعية البيئة متقاربة إلى درجة كبيرة بين دول الخليج، فإن المساحة الشاسعة لمنطقة الخليج (2.6 مليون كيلومتر مربع) جعلت الأسواق الشعبية فيها متنوعة جداً من أنواع الأعشاب والنباتات المحلية الموجودة فيها، بالإضافة إلى المستوردة والتي تدخل جميعها في صلب العلاجات البديلة أو الوقائية.
ويكثر في منطقة الخليج بالعموم انتشار نباتات المنطقة المدارية، وهي المنطقة الممتدة عبر آسيا وشمال أفريقيا، ونتيجة لذلك تكثر النباتات التي تنتمي إلى العائلة الصحراوية، ووفقاً لهذا تنمو بعض النباتات بالقرب من المستنقعات والخيران والسواحل، وتسمى النباتات البحرية أو الساحلية.
كما تنمو أنواع أخرى من النباتات في المناطق الجبلية، وتسمى بالنباتات الجبلية، في حين يوجد نوع آخر من النباتات ينمو في الكثبان والمناطق البرية، وتعرف بالنباتات البرية.
ومن أشهر النباتات التي تنمو في المناطق المطلة على الخليج العربي بشكل أكبر نباتات السدر - والأشخر - والشوع - والصبر - والشريش - والجز - والطرفاء - والحرمل - والجعدة - والجبسن، وغيرها، وتدخل بعلاج كثير من الأمراض.
ويستخدم الخليجيون في التداوي بالأعشاب نباتات وبهارات معروفة عالمياً بعضها مستورد مثل: البابونج والزعتر الأخضر والكمون والزنجبيل والورد وبعض الزهور والشاي الأخضر وحبة البركة والبصل والثوم والمليسة والنعناع، وبعض الزيوت والدهون، إذ تستخدم في علاج عدد كبير من الأمراض منها متصل بالجهازين الهضمي والتنفسي أو لتقوية مناعة الجسم، خاصة باحتواء أغلبها على فتيامينات ومضادات أكسدة.
كما يدخل في "الطب البديل" المتصل بالتراث الخليجي بالعديد من العلاجات، مثل الحجامة (سحب الدم الفاسد من الجسم عبر كؤوس الهواء)، وجبر الكسور والتئام الجروح ومعالجة الحروق، وطرد السموم النائجة عن لدغات الحشرات والأفاعي، وغير ذلك.
ومعظم أدوية هذه الأمراض بدائية، وتعتمد على نقعها أو غليها بالماء ثم شربها، أو عبر طحنها وعجنها واستخدامها كمراهم وزيوت توضع في أماكن الإصابة.
كما يتضمن "الطب التكميلي" العلاج بالكي، حيث يتطلب تحديد موضع الألم، فإذا كان الشخص أصيب بجرح بالغ، أو يشكو ألماً في كبده، يكوى في منطقة الإصابة أو القريبة من الألم.
الأعشاب وعلاج كورونا
مع ظهور وباء كورونا، الذي انتشر بشكل واسع في منطقة الخليج منذ مارس 2020، لجأت نسبة غير قليلة من الشعوب الخليجية لاستخدام الأعشاب، باعتبارها من أبرز وسائل الوقاية المتاحة للاستخدام اليومي، وتدخل في صلب مقويات جهاز المناعة.
وشاعت على وسائل التواصل الاجتماعي منشورات تروج لاستخدام وصفات عشبية أو خلطات لعلاج الفيروس، وأخرى للوقاية من فيروسات الجهاز التنفسي، ورفع كفاءة الجهاز المناعي للتصدي لواحد من أكثر الفيروسات انتشاراً بالعالم.
في المقابل كانت بعض الأجهزة الحكومية الخليجية بمواجهة مباشرة مع مثل هذه الدعوات والإعلانات، حيث حذرت منها بشكل مباشر، خاصة مع بداية وباء كورونا، وعدم اعتماد أدوية مصممة له بشكل خاص في الأشهر الأولى من انتشاره، والاعتماد على عقاقير مخصصة لأمراض شبيهة.
وحذرت وزارة الصحة البحرينية من أن "العطارين يقومون بتحضير خلطاتهم العشبية بطرق عشوائية غير مدروسة من حيث نسب الأعشاب الموجودة في الخلطة، بسبب جهلهم بالمواد الفعالة وغير الفعالة في العشب، مما يجعل تلك الخلطات خطراً على المستهلك".
وأكّدت أن "جهل العطارين بالحالة الصحية للمستهلك كوجود حساسية لنوع معين من الأعشاب والمضاعفات التي قد تظهر من جراء استخدام تلك الخلطات العشوائية".
من جانبها، قالت الدكتور زكية مال الله، المتخصصة في الصيدلة والأعشاب الطبية في وزارة الصحة القطرية بحديث إعلامي: إن "العلاج بالأعشاب لفيروس كورونا لم يثبت نجاحه، ولهذا تعتبر الأعشاب وسيلة لتقوية جهاز المناعة عند الإنسان، وفي هذه الحالة تقوم الأعشاب بمقاومة الفيروس لا القضاء عليه".
ونقلت الدكتورة القطرية عن "تقديرات منظمة الصحة العالمية بأن 80% من سكان العالم يستخدمون حالياً الأعشاب كعلاج طبي أولي"، مبينة أن أحد أسباب ذلك هو أن الأدوية غالية الثمن والأعشاب رخيصة نسبياً، نظراً لأنه يمكن أن تزرع في كثير من الأحيان من بذور جُمعت في البرية أو شُريت بثمن بخس.
من جانبه يرى الكاتب الكويتي يوسف عبد الرحمن أن "هناك الطب النبوي والطب بالأعشاب والخلطات، وهذه المعالجات مرتبطة بجوانب روحية ونفسية للجسد، وهي أقل كلفة، صحيح أنها ترفع عندك المناعة وتساعد على تقوية الجسم، لكنها أبداً لا تغني عن الطب الحديث وأمصاله في مقاومة الأوبئة".
وأضاف، في مقالة له بصحيفة "الأنباء" الكويتية: "نعم، هناك قاعدة عريضة من البشر تؤمن بالطب البديل وتشرب العسل والزنجبيل والليمون وزهورات الأعشاب منفردة أو مخلوطة، وهذا «جيد» ويفيد الجسم لكنه لا يغني أبداً عن التدابير الوقائية".