أوميد شكري كاليحصار- منتدى الخليج الدولي- ترجمة الخليج الجديد-
كان 2020 عامًا صعبًا على منطقة الخليج حيث تأثر جميع أعضاء مجلس التعاون الخليجي بشدة بالاضطرابات الاقتصادية الناجمة عن جائحة "كورونا".
ولعل أكثر المتأثرين هي السعودية، التي تعد أكبر منتج للنفط في العالم، والتي تعتمد بشكل شبه حصري على عائدات النفط لتمويل برامج التنمية الاقتصادية.
انخفض سعر النفط بشكل كبير في الربع الثاني من عام 2020، وسط قيود السفر وتباطؤ الأنشطة الصناعية، مما أدى إلى عجز هائل في الميزانية السعودية.
وجعل انخفاض أسعار النفط جهود التنويع أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، لكن احتياطيات النفط الهائلة في السعودية، وتكلفة الاستخراج المنخفضة، جعلت من الصعب على المملكة اتباع سياسات اقتصادية غير قائمة على النفط.
وأعلن ولي عهد المملكة "محمد بن سلمان" في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، عن استراتيجية جديدة لصندوق الاستثمارات العامة في البلاد للسنوات الخمس المقبلة.
وبحسب ولي العهد، سيتم إنفاق 150 مليار ريال سعودي (حوالي 40 مليار دولار أمريكي) سنويًا على الاقتصاد المحلي، مع اعتبار القطاع الخاص شريكا مهما في هذا الصدد.
وبحسب أهداف الخطة، بحلول نهاية فترة الخمس سنوات، ستصل حصة الشركات المحلية في مشاريع التنمية إلى 60%.
وقال "بن سلمان" إن المبادرة كانت جزءًا من خطة "رؤية 2030" للسعودية، بهدف خلق قطاعات عمل جديدة، وتشكيل شراكات اقتصادية استراتيجية، وتوطين التكنولوجيا والمعرفة.
ورأي رئيس صندوق الاستثمار السعودي أن "هناك إمكانية لبيع المزيد من أسهم أرامكو في المستقبل إذا كانت ظروف السوق مواتية".
وتراجعت أسهم "أرامكو" 0.14% يوم الخميس إلى 37 ريالا و 75 سنتا (9.26 دولار) لتصل "أرامكو" إلى 1.86 تريليون دولار.
وتجدر الإشارة إلى أن تحقيق الأهداف الاقتصادية المستقبلية للسعودية سيعتمد على استقرار ظروف السوق وزيادة أسعار النفط في المستقبل.
كورونا ورؤية 2030
تتضمن خطة "رؤية السعودية 2030" العديد من الأهداف الكبرى: مواطنون نشطون ومستقلون، وتعليم أفضل، وزيادة القدرة على التفكير النقدي، والمزيد من ريادة الأعمال، وقطاع خاص أكبر وأكثر استقلالية.
ومع ذلك، لم يتضح بعد ما إذا كانت الحكومة تريد بالفعل أن يكون المواطنون أكثر استقلالية وحرية في التفكير.
وعلى وجه التحديد، فإن وعود التحرر في المستقبل لم تقابلها بعد تغييرات في حرية الصحافة أو نشر المعلومات.
وتستمر الحكومة السعودية في تفضيل القطاع الخاص الذي يعتمد كليًا على حسن نية الحكومة بدلاً من طبقة رجال الأعمال المستقلة حقًا.
وقد تغير الحكومة أيضا التوازن بين المجالات الرئيسية بأمر تنفيذي.
على سبيل المثال، تم اتخاذ العديد من الإجراءات في عهد الملك "سلمان" لإضعاف سلطة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإعطاء المزيد من الفرص لهيئة الترفيه.
كما أصلحت الحكومة قوانين العمل، في محاولة لخفض البطالة على حساب نخب رجال الأعمال.
وتستخدم السعودية سياسة خفض الأسعار للحفاظ على حصتها في السوق؛ فقد خفضت الرياض أسعار النفط لعملائها الآسيويين والأمريكيين في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حيث أدت الجائحة إلى إضعاف التوقعات لسوق الطاقة.
وخفضت "أرامكو" سعر الخام العربي الخفيف إلى آسيا بمقدار 10 سنتات للبرميل في ديسمبر/كانون الأول (تعتبر آسيا هي أكبر سوق للنفط في السعودية).
وبالإضافة إلى خطتها الخمسية، ستواصل السعودية أيضًا العمل في مدينة "نيوم".
وفي 10 يناير/كانون الثاني أعلن "بن سلمان" إطلاق مشروع "لاين" كمدينة خالية من السيارات والكربون في السعودية.
ويهدف المشروع الذي تبلغ تكلفته 500 مليار دولار إلى تقريب الدولة النفطية من مفهوم البيئة والطاقة المستدامة.
ويقع المشروع على ساحل البحر الأحمر في محافظة تبوك. ووفقًا لبيان مشروع "نيوم"، ستوفر المدينة خدمات مثل المدارس والمراكز الصحية والمساحات الخضراء، فضلاً عن وسائل النقل العام عالية السرعة.
ويلعب الذكاء الاصطناعي دورًا رئيسيًا في تصميم هذه المدينة.
ومن المقرر أن تدار المدينة بطاقة نظيفة 100%، ومن المتوقع أن يخلق المشروع 380 ألف فرصة عمل، ومن المتوقع أن يساهم بمبلغ 48 مليار دولار للسعودية بحلول عام 2030.
وأعلنت السعودية أيضًا أنها خصصت ميزانية قدرها 990 مليار ريال (264 مليار دولار) لعام 2021 - أقل بنحو 7% من الاستثمار المتوقع لهذا العام - من أجل سد العجز الكبير الناجم عن انخفاض عائدات النفط لعام 2020 (وغيرها من الخسائر المرتبطة بوباء كورونا).
وبحسب بيان الميزانية، تتوقع المملكة أن تسجل عجزا قدره 298 مليار ريال هذا العام (12% من الناتج المحلي الإجمالي) و 141 مليار ريال العام المقبل (4.9% من الناتج المحلي الإجمالي) ومع ذلك، يتوقع أن تكون ميزانيتها متوازنة تقريبًا بحلول عام 2023.
وقد زعمت وزارة المالية أن الميزانية تعكس قدرة السعودية على تبني السياسات المناسبة لتحقيق التوازن، على المدى المتوسط والطويل، بين النمو والاستقرار الاقتصادي والاستدامة المالية.
صدمة "أرامكو"
نتيجة لوباء "كورونا"، تلقت إيرادات "أرامكو" السعودية ضربة قوية، حيث تعرضت لانخفاض مفاجئ بنسبة 44.6% في الربع الثالث من السنة المالية.
ومنذ أن بدأت في الإبلاغ عن أرباحها العام الماضي، أبلغت "أرامكو" عن انخفاضات متتالية في الدخل ربع السنوي، مما فرض ضغوطًا كبيرة على المالية العامة للحكومة في الوقت الذي تسعى فيه إلى تنفيذ مشاريع تنويع طموحة بمليارات الدولارات.
ومع ذلك، أفادت الشركة بأنها ملزمة بدفع توزيعات أرباح كبيرة، بالرغم من انخفاض صافي أرباح الربع الثالث بشكل كبير إلى 44.21 مليار ريال سعودي (11.79 مليار دولار)، مقابل 21.3 مليار دولار في نفس الوقت من العام الماضي.
وذكرت الشركة أن صافي دخلها انخفض بنسبة 48.6% إلى 35.02 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من 2020.
بالرغم من الاتجاه الهابط في السوق مع استقرار أسعار النفط الخام، فقد أظهرت عوائد يوليو/تموز - سبتمبر/أيلول من "أرامكو" تقدمًا مقارنة بالربع الثاني. وبالرغم من الوباء، فقد سجلت ربحًا قدره 6.57 مليار دولار.
صحيح أن الرياض لديها أدوات اقتصادية ومالية لمواجهة هذه التحديات على المدى القصير والمتوسط، لكن برنامج خطة التنويع الاقتصادي يتطلب إصلاحات اقتصادية وسياسية حقيقية داخل البلاد وجهودًا لتهدئة الوضع الإقليمي لضمان الاستقرار.
وإذا تحقق ذلك، فإن البرنامج سيعزز الاقتصاد السعودي ويقلل من تعرض البلاد لتقلبات سوق النفط العالمية.
ومع ذلك، فإن تنفيذه يعتمد على عائدات النفط وقدرة البلاد على تدبير الاستثمار من الخارج.
الاقتصاد يشكل السياسة
في نهاية المطاف، لكي تكون السعودية مستقرة مالياً، ستحتاج إلى إجراء إصلاحات جادة، فينبغي عليها أن تفتح أبوابها للتجارة والاستثمار الأجنبي ولتطبيق القانون الدولي الحديث، كما يجب الاستفادة من الإصلاحات السياسية مثل زيادة الشفافية.
ومع ذلك، هناك عقبات سياسية كبيرة أمام الإصلاح.
يمكن أن تؤدي فشل عملية الإصلاح إلى صعوبات سياسية، فقد قررت الولايات المتحدة، التي دعمت التدخل العسكري السعودي في اليمن لمدة 6 سنوات، سحب هذا الدعم في عهد الرئيس "جو بايدن".
وفي حين أوضح "بايدن" أن واشنطن ستواصل حماية الرياض من الهجمات الصاروخية الحوثية، فقد استبعد تقديم الدعم اللوجستي للتحالف في اليمن حيث تعتبر أزمة اليمن حاليا واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
ويتطلب قرار "بايدن" قيام المملكة بمراجعة سياستها تجاه الأزمة اليمنية.
ونظراً لاحتمال بدء المفاوضات النووية الإيرانية الأمريكية قريباً، فإن السعودية تريد أن يراعي أي اتفاق جديد المخاوف الأمنية للبلاد.
وبالإضافة إلى الحاجة إلى استقرار السوق وزيادة أسعار النفط، فإن أي توترات في المنطقة يمكن أن تؤثر سلبًا على البرنامج الاقتصادي الجديد للحكومة السعودية.
حاليًا، يتم العمل على توفير شروط الاستثمار في جميع البنية التحتية السعودية، ومع تزايد معدل التطعيم في العالم، فمن المتوقع أن يزداد الطلب في سوق النفط.
وسيؤدي ذلك على الأرجح إلى ارتفاع أسعار النفط، بالرغم أن عودة إيران المحتملة إلى سوق النفط بعد إبرام اتفاق مع الولايات المتحدة قد تؤدي إلى انخفاض الأسعار إلى حد ما.
وإجمالا، إذا كانت السياسة الخارجية للسعودية قادرة على توفير حل منخفض التكلفة للقضايا الإقليمية، فيمكنها المساعدة في تحسين اقتصادها الذي تأثر بتفشي "كورونا"، حيث تحتاج أي دولة إلى الاستثمار الأجنبي، والسعودية ليست استثناء من هذه القاعدة.