الخليج أونلاين-
في الوقت الذي أصبحت فيه حركة طالبان تسيطر على الحكم في أفغانستان بالكامل، تتوجه أنظار العالم إلى الموقف الدولي بشكل عام والعربي بشكل خاص تجاه الحركة الأفغانية، لا سيما من الدول التي كانت تجمعها علاقة قوية بالحكومة الأفغانية مثل المملكة العربية السعودية.
ولا ترغب الرياض، في رؤية أفغانستان بعد انسحاب القوات الأمريكية منها، تتحول إلى خاصرة رخوة للتدخلات الإيرانية، في ضوء تجارب عملية سابقة أظهرت استغلال إيران بؤر التوتر لتركيز موطئ قدم فيها، على غرار ما فعلته في العراق وسوريا واليمن، إضافة إلى تمدد التنظيمات التي تصنفها "إرهابية" كتنظيمي "داعش" و"القاعدة".
وتتطلع السعودية إلى الحصول على دور جديد لها في أفغانستان بعد سيطرة الحركة، وقد تلجأ إلى باكستان؛ لمساعدتها في ذلك، بسبب تداخلات إسلام آباد في الأزمة الأفغانية بشكلٍ كبير، وحديثٍ عن علاقات مباشرة بين إسلام آباد و"طالبان"، ما يطرح تساؤلاتٍ حول ما إذا كانت الرياض قد تستعيد علاقتها مع "طالبان" بعد نحو 20 عاماً من قطع العلاقة معها.
التواصل عبر باكستان
مع استمرار الاتصالات الدولية بخصوص الوضع في أفغانستان، بعد سيطرة "طالبان" على الحكم منتصف أغسطس 2021، قالت وكالة الأنباء السعودية "واس"، إنَّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تلقى اتصالاً هاتفياً (5 سبتمبر) من رئيس الوزراء الباكستاني عُمر خان، استعرضا خلاله العلاقات الثنائية.
وأضافت: "جرى خلال الاتصال استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين، وبحث تطورات الأحداث في أفغانستان"، حيث أكد "بن سلمان"، "وقوف المملكة إلى جانب الشعب الأفغاني وبما يحقق الأمن والاستقرار في أفغانستان".
في سياقٍ متصل، قال موقع "ميدل إيست إي" البريطاني، إن السعودية قد تستخدم حليفتها الإقليمية باكستان لتعزيز علاقاتها بحركة طالبان واكتساب نفوذٍ لها على الحركة.
ونقل الموقع أيضاً عن جيرالد فيرستين، وهو سفير أمريكي متقاعد وخبير في "معهد الشرق الأوسط"، قوله: "هناك الآن، كما كان دائماً، تواصل وثيق بين إسلام آباد والرياض. وأتوقع أن مزيداً من المناقشات ستُجرى".
وكان وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، قد أجرى في يوليو الماضي، زيارة مفاجئة لباكستان، وذلك في الشهر الذي انسحبت فيه القوات الأمريكية خفيةً من قاعدة باغرام الجوية.
كما عُقد في أغسطس الماضي، لقاء بين رئيس هيئة الأركان العامة للجيش السعودي، فياض بن حامد الرويلي، ورئيس الوزراء الباكستاني عمران خان.
اتصالات مع الحركة
في موضوعٍ متصل، قال موقع "إنتلجنس أونلاين" المعني بشؤون الاستخبارات، إن ولي العهد السعودي كلف مؤخراً رئيس جهاز الاستخبارات السعودي السابق تركي الفيصل، باستئناف الاتصالات مع قادة "طالبان" الذين سبق أن تعامل معهم منذ أكثر من عقدين.
ووفقاً للموقع، فقد اجتمع "الفيصل" مؤخراً مع الملا يعقوب نجل مؤسس "طالبان" الملا عمر، وعقد أيضاً اجتماعات مع رئيس المكتب السياسي في "طالبان"، الملا عبد الغني برادر، بقطر.
يُذكر أن تركي الفيصل، الذي يبلغ من العمر الآن 76 عاماً، خدمَ بمنصب رئيس أجهزة الاستخبارات السعودية بين عامي 1979 و2001، وكان أحد المشاركين في حشد الدعم العربي للجهاد الأفغاني وتنسيق المقاومة مع المجاهدين الأفغان خلال الغزو السوفييتي للبلاد في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
وكانت السعودية، خلال فترة الاحتلال السوفييتي، قد قامت بدور كبير في إرسال الراغبين في القتال بأفغانستان من مواطنيها وغيرهم؛ من خلال توفير تذاكر السفر وخطوط الطيران الدائم إلى بيشاور وإسلام آباد، كما دفعت هيئات الإغاثة السعودية إلى العمل في بيشاور وأفغانستان لصالح العرب والأفغان.
وبعد سيطرة "طالبان" على معظم أنحاء البلاد، وإعلانها إمارة إسلامية في عام 1996، لم يعترف بـ"طالبان" وقت تسلمها الحكم في التسعينيات سوى المملكة العربية السعودية وباكستان والإمارات العربية المتحدة، وكان ذلك في مايو 1997.
وفي سبتمبر 2001، طردت السعودية القائم بالأعمال في السفارة الأفغانية مولاي مطيع الله، الذي كان يمثل في ذلك الحين "طالبان"، بعد قرار قطع العلاقات مع حكومة طالبان.
دور مستقبلي
يعتقد المحلل السياسي محمود علوش، أن السعودية "كما الإمارات، تسعى لأن يكون لها دور مستقبلي في أفغانستان".
وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين"، يشير "علوش" إلى أن ما تريده السعودية والإمارات هو ألا تكونا "مهمشتين في الوضع الجديد، في وقت يُحقق فيه خصوم لهما مكاسب هناك"، مشيراً إلى أنهما "يخشيان من أن يؤدي غيابهما عن أفغانستان إلى زيادة نشاط الجماعات الجهادية في المنطقة وتهديد أمنهما".
ويرى أن هذا الأمر "يتطلّب الانفتاح على طالبان والتخلي عن مقاطعتها. لكنّ ذلك ينطوي حالياً على بعض المخاطر، فلطالما عانت السعودية خلال العقدين الماضيين، من اتهامات غربية لها بدعم التطرف. لذا، فإن محاولة التقرّب من طالبان قد تأتي بنتائج عكسية قبل ضمان أن الحركة ستتغيّر بالفعل وهذا سيحتاج وقتاً طويلاً".
وتابع: "في حالة الغموض هذه سيكون من مصلحة السعوديين كما الأطراف الأخرى، التريّث ورسم حدود لأي حوار يُمكن أن يُخاض مع طالبان".
ويرى أيضاً أن لدى الرياض "وسائل تأثير عديدة يُمكن أن تُمارسها على طالبان كتوفير الدعم المالي والقدرة على تأمين شرعية سياسية للحركة في العالم الإسلامي"، مستدركاً بقوله: "لكن التوجه السعودي يبقى مرهوناً بمقاربة دولية أوسع لكيفية التعاطي مع طالبان. فالموقف السعودي سيكون جزءاً من مقاربة أمريكية وغربية أوسع نطاقاً".
الموقف السعودي
عقب التطورات التي شهدتها أفغانستان مع انسحاب القوات الأمريكية وسيطرة "طالبان"، قالت الخارجية السعودية في 17 أغسطس 2021: "إنها مهتمة بمتابعة الأحداث الجارية في أفغانستان"، معربة عن أملها في استقرار الأوضاع فيها بأسرع وقت.
وأضافت الوزارة في بيان لها: إن الحكومة السعودية "تأمل أن تعمل حركة (طالبان) وكل الأطراف الأفغانية على حفظ الأمن والاستقرار والأرواح والممتلكات، وتؤكد في الوقت ذاته وقوفها إلى جانب الشعب الأفغاني الشقيق وخياراته التي يقررها بنفسه دون تدخل من أحد".
وفي الـ22 من الشهر ذاته، عقدت منظمة التعاون الإسلامي اجتماعاً طارئاً، بدعوة من السعودية؛ للتباحث حول "الأوضاع والأحداث" في أفغانستان، بناء على دعوة من السعودية.
وقالت المملكة في كلمة لها بالاجتماع، إنها تدعم خيارات الشعب الأفغاني وخيارات السلام، معربة عن أملها في تسريع التسوية السياسية بعيداً عن التدخلات الخارجية.