الخليج أونلاين-
رغم مؤشرات التعافي من آثار الجائحة التي أظهرتها اقتصادات قطر والسعودية والإمارات خلال الشهور القليلة الماضية، فإن الموجات الجديدة من الفيروس أحبطت هذا المسار، بحسب ما أكدته وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيفات الائتمانية.
وقالت الوكالة في تقرير (الأربعاء 8 سبتمبر)، إن النمو الاقتصادي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بدأ بالتعافي من تداعيات كورونا منذ الربع الثاني من 2021، إلا أن موجات الفيروس اللاحقة أحبطت هذا المسار.
ورصدت الوكالة أداء ست دول في المنطقة هي: مصر والمغرب وقطر والسعودية وتونس والإمارات، قالت إنها لا تزال تعمل في ظل الجائحة؛ نظراً إلى اعتمادها على صادرات الطاقة والسفر والسياحة.
خسائر ائتمانية متوقعة
وتوقعت الوكالة انتعاشاً تدريجياً في معظم القطاعات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكنها رجَّحت أن تبلغ خسائر الائتمان ذروتها في معظم أنحاء المنطقة عام 2021.
ولا تبدو وتيرة الانتعاش كافية لإعادة هذه الاقتصادات إلى مستويات ما قبل كورونا، قبل 2024، بحسب الوكالة التي قالت إن مستويات عالية من الأصول الحكومية تراكمت لدى دول الخليج.
وكانت مجلة "ميد" الاقتصادية التي تتخذ من أبوظبي مقراً لها، قالت أواخر أغسطس إن قطر تصدرت قائمة الدول الخليجية من حيث التعافي من تداعيات الجائحة الاقتصادية، تلتها الإمارات ثم السعودية.
ولفتت المجلة إلى أن اعتماد قطر الكبير على الغاز المسال مقارنة بغيرها من دول المجلس التي تعتمد على النفط كمصدر رئيس للدخل، دعم مركزها المالي وساعدها في تجنب كثير من التداعيات التي أحدثها تهاوي سوق النفط مع تفشي الوباء.
وكشف استمرار الجائحة تبايناً حاداً بين دول المنطقة، حيث تصدت دول بعينها بقوة لتداعيات الوباء، فيما كانت أخرى أقل استعداداً للمواجهة، غير أن معدلات البطالة المنخفضة نسبياً في دول الخليج تمثل أحد أبرز تداعيات كورونا إثارة للقلق.
كما أن زيادة عدد التصنيفات السيادية الإقليمية التي خفضتها وكالات التصنيف الائتماني العالمية، هي الأخرى من بين الأمور المثيرة للقلق، بحسب "ميد"، التي قالت إن الأداء الاقتصادي المعتمد بشدة على النفط أثار القلق، خصوصاً في الكويت وعُمان.
وبذلت دول الخليج مجهودات كبيرة لمواجهة تداعيات الجائحة على قطاع الاقتصاد الذي تضرر بشدة من تراجع الطلب على النفط وتهاوي أسعار الخام في الشهور التي تلت تفشي الجائحة.
لكن المحلل الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب يرى أن "ستاندرد آند بورز" غير موفقة في هذا التقرير، وأوضح أنها بَنت توقعاتها على أساس توقعات سابقة بانخفاض أسعار النفط، أو مقارنة توقعات النمو السابقة، والتي كانت أكثر إيجابية، بالتوقعات الحالية وهي توقعات أكثر تشاؤماً.
وقارن ما ذهبت إليه الوكالة، مع تقرير البنك الدولي الصادر في أغسطس الماضي، والذي ذهب إلى أن جائحة كورونا، وهبوط الطلب العالمي على النفط وأسعاره قد أصابا دول مجلس التعاون الخليجي بأزمة أدت إلى انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة 4.8% في 2020؛ لكن التقرير أشار إلى أنه من المتوقع عودة اقتصادات مجلس التعاون إلى تحقيق نمو كليٍّ نسبته 2.2% في 2021 بعد عام من التعثر.
مبادرات حكومية
وأقرت قطر والإمارات والسعودية حِزم دعم كبيرة للقطاعين الحكومي والخاص، الأمر الذي ساعد في امتصاص حالة الركود التي سيطرت على مجالات الاقتصاد كافة، في حين كانت استجابة الدول الأخرى أقل قوة.
وفور تفشي الجائحة، قرر مصرف قطر المركزي دعم الشركات المتضررة، بـ3 مليارات ريال (824 مليون دولار) وبحدٍّ أقصى مليوني دولار لكل شركة، تُدفع على أجزاء كل 3 أشهر، على أن يجري تسديدها على 3 سنوات، تبدأ بعد انقضاء العام الأول.
وفي أغسطس الماضي، أظهرت بيانات مؤشر مديري المشتريات في قطر نمو القطاع الخاص غير النفطي خلال يوليو، إلى أعلى معدل منذ عام، وصولاً إلى 55.9 نقطة، بيد أنها ما تزال أقل من مستويات قبل الجائحة.
وحققت ميزانية قطر فائضاً خلال الربع الثاني من عام 2021 بقيمة 3.8 مليارات ريال (1.049 مليار دولار)، مقارنة مع عجز بقيمة 1.12 مليار ريال (309 ملايين دولار) بالفترة المماثلة من العام الماضي.
وفي السعودية، أقرت الحكومة مبادرات لدعم المؤسسات المتضررة من الجائحة، بقيمة إجمالية بلغت 120 مليار ريال (32 مليار دولار)، بحسب الموقع الرسمي للبنك المركزي السعودي (ساما).
وفي أغسطس الماضي، أظهرت بيانات رسمية عجز ميزانية المملكة بواقع 4.61 مليارات ريال (1.23 مليار دولار)، خلال الربع الثاني من العام الجاري، غير أن هذا العجز تراجَع بنسبة 95% على أساس سنوي عندما بلغ العجز 109.23 مليارات ريال (29.16 مليار دولار).
الإمارات أيضاً، أطلقت حزماً تحفيزية بلغت قيمتها 66 مليار درهم (18 مليار دولار)؛ لدعم مواجهة تداعيات الجائحة.
وبلغت ميزانية العام الجاري 57.1 مليار درهم، (15.5 مليار دولار)، مقارنة بميزانية قياسية بلغت 18.1 مليار دولار للعام الحالي. وتوقعت عجزاً قدره 1.3 مليار دولار.
تضرر قطاعات حيوية
وخلال العام الماضي، عانت دول الخليج عموماً ركوداً حاداً، مع تضرر قطاعات حيوية غير نفطية مثل الضيافة والتجارة والعقارات من الجائحة، في حين تأثرت إيرادات الدول من هبوط أسعار النفط.
وفي مارس الماضي، قالت "ستاندرد آند بورز" إن مناسبات مثل معرض "إكسبو" دبي المقرر العام الجاري، وكأس العالم لكرة القدم في قطر العام المقبل، إلى جانب تعافي سوق النفط، ستدعم النمو بعض الشيء، لكنه سيظل دون مستوياته التاريخية.
كما لفتت الوكالة إلى أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي قد لا يزيد على 2.5% لاقتصادات دول مجلس التعاون مجتمعة بين 2021 و2023. وقدّرت وصول عجز ميزانيات دول الخليج إلى 490 مليار دولار، بين 2020 و2023.
وشهدت الشهور الماضية ظهور عديد من السلالات الجديدة واسعة الانتشار، والتي خلقت حالة من الإحباط إزاء إمكانية نجاح حملات التطعيم في العودة بالحياة إلى ما قبل الجائحة، خاصة في ظل تراجع فعالية اللقاحات في مواجهة بعض السلالات.
وفي يوليو الماضي، قالت مجموعة العشرين إن السلالات الجديدة من الفيروس قد تهدد التعافي الاقتصادي العالمي.