دول » البحرين

إصلاحات البحرين المتوقفة والدور المستقبلي للولايات المتحدة

في 2016/02/17

سايمون هندرسون- معهد واشنطن-

من بين دول الخليج العربي، كانت البحرين الأكثر تضرراً من الأحداث المعروفة باسم "الربيع العربي". ومن بين دول «مجلس التعاون الخليجي» - المملكة العربية السعودية، الكويت، البحرين، قطر، الإمارات العربية المتحدة، وعمان - لم تشهد هذه البلدان مظاهرات في الشوارع سوى في جزيرة البحرين وسلطنة عمان، وفي الكويت لفترة وجيزة. إلا أن التوترات قد استمرت في البحرين، بعد أن كانت قد اندلعت للمرة الأولى كأعمال عنف في مطلع عام 2011.

وحتى أواخر عام 2015، واصل الموقع الإلكتروني للسفارة الأمريكية في المنامة إظهار خريطة تبيّن المناطق، داخل العاصمة وحولها، غير المسموحة لتواجد موظفي الولايات المتحدة بسبب خطر الصراع الأهلي. وفي الوقت نفسه، شهدت البلاد عملية انتقال سياسي، ولكنها لم تكن باتجاه تحقيق مزيد من المساواةالاجتماعية. وعلى الرغم من أن الحكومة البحرينية اعتبرتها تغييرات من شأنها أن تؤدي إلى الانتقال إلى مجتمع أكثر تعددية، إلا أنها عززت أيضاً من الدور السياسي لعائلة آل خليفة الحاكمة.

وقد ألقت إيران بظلالها على السياق العام للسياسة الداخلية في البحرين، حيث يتداخل تاريخ الجمهورية الإسلامية مع التاريخ البحريني. فمن حين لآخر، يعيد السياسيون الإيرانيون إحياء مطالبتهم الإقليمية بالجزيرة، التي تضم عدداً كبيراً من المسلمين الشيعة، الإخوة في الدين لمعظم الإيرانيين. ومما لا يبشر بالخير أن حدة التوترات مع إيران قد ازدادت منذ توقيع الاتفاق النووي بين طهران ودول «مجموعة الخمسة زائد واحد» في تموز/ يوليو 2015. ففي تشرين الأول/ أكتوبر 2015، وبعد اكتشاف مصنع لصنع القنابل جنوب المنامة يُقال إنه مرتبط بإيران، اتهمت البحرين الجمهورية الإسلامية كونها دولة راعية للإرهاب، وطردت السفير الإيراني واستدعت مبعوثها الخاص من طهران. وفي أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، دعا المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إلى تطبيق الديمقراطية في البحرين، واصفاً حكومة البلاد كأقلية طاغية، الأمر الذي دفع إلى المزيد من الاحتجاج الدبلوماسي البحريني. وفي كانون الثاني/ يناير 2016، وبعد الهجوم على السفارة السعودية في طهران نتيجة لإعدام الشيخ الشيعي السعودي المتشدد نمر النمر، اتبعت البحرين خطى المملكة العربية السعودية وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران. وحتى تلك الآونة على الأقل، كان المعتدلون الشيعة في البحرين يعتبرون إيران حليفاً محتملاً وكانوا يسعون إلى الحصول على دعمها في سعيهم للإصلاح السياسي.

وعلى الرغم من التوترات، يفتخر البحرينيون من معظم الأطياف السياسية باستضافة بلادهم للأسطول الأمريكي الخامس ومقر عنصر القوات البحرية الأمريكية في "القيادة المركزية الأمريكية"، الأمر الذي يمنح واشنطن فرصة، وربما مسؤولية أيضاً، للمساعدة في توجيه التطور السياسي في البحرين. وفي الواقع، فبالإضافة إلى التحديات التي تطرحها إيران، ينجذب بعض الشباب البحرينيين السنّة إلى أيديولوجية تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»). ومع ذلك، فإن أكثر حدث يمكن توقعه والذي قد يكسر الجمود السياسي البحريني يكمن في التحول في النهاية من سلطة رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، رئيس الحكومة خلال الخمسة وأربعين عاماً الأخيرة، الذي أصبح يمثل الحذر والتحفظ الضروريين اللذين تتمتع بهما العائلة المالكة. وسيؤدي رحيله إلى طرح عملية إعادة تنظيم في هيكل السلطة. وفي مثل هذه الظروف، لا يمكن لواشنطن أن تبدي اللامبالاة تجاه السياسة البحرينية بل يجب عليها أن توازن بدقة ما بين دور المصلح ودور الميسر.

النظام السياسي من الناحية النظرية ...

البحرين هي ملكية دستورية يحكمها ملك بالوراثة هو العاهل البحريني حمد بن عيسى آل خليفة. ومع ذلك، نصب والده نفسه حاكماً على البحرين فيما أعلن حمد نفسه ملكاً من خلال تعديل دستوري في عام 2001، الذي دخل حيز التنفيذ في عام 2002 في أعقاب إجراء استفتاء حوله. ويعيّن الملك رئيس الوزراء، الذي كان خلال الخمسة وأربعين عاماً الأخيرة، وبشكل متواصل، عمه الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، شقيق الحاكم الراحل. ويعيّن الملك أيضاً مجلس الوزراء. وفي أيار/ مايو 2015، كان 12 عضواً من أعضاء مجلس الوزراء الخمسة وعشرين من أعضاء العائلة الحاكمة آل خليفة. وبعد ذلك، أسفر تعديل وزاري أُجري في أيلول/ سبتمبر 2015 إلى تشكيل مجلس وزراء أصغر قليلاً، على الرغم من أن أعضاء عائلة آل خليفة لا يزالون يهيمنون على المجلس. ويتكون المجلس الوطني من مجلسين، ويتألف كل منهما من أربعين عضواً. ويعين الملك "مجلس الشورى"، الإسم المعطى لمجلس الشيوخ في المجلس الوطني، فيما يتم انتخاب كافة أعضاء "مجلس النواب" مباشرة من خلال دائرة انتخابية. وقد جرت الانتخابات الأخيرة لـ "مجلس النواب" في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، ومن المقرر أن تجري الانتخابات التالية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018. ولا بد من الإشارة إلى أن الأحزاب السياسية ممنوعة في البحرين، ولكن هناك جمعيات سياسية (ستتم مناقشتها أدناه) تدعم بعض المرشحين. ومن بين دول «مجلس التعاون الخليجي»، لا تتمتع أي دولة، سوى الكويت بهذا المستوى من التطور السياسي.

... ومن الناحية العملية

إن التقسيم الحقيقي للهيمنة والنفوذ في البحرين يختلفان كثيراً عما توحي به الهيكلية النظرية للحكومة. فكما توضح اللوحات الإعلانية في جميع أنحاء المنامة والصور المعلقة في المكاتب الحكومية، تتم إدارة البلاد من قبل ثلاثة أطراف: الملك الذي يبلغ من العمر الخامسة وستين عاماً يلعب دوراً بارزاً، ولكن عمه رئيس الوزراء البالغ من العمر ثمانين عاماً هو الذي يتمتع بالنفوذ الرئيسي. أما العضو الثالث فهو ولي العهد، الابن البكر للملك، الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة البالغ من العمر ستة وأربعين عاماً، الذي تعتبره المعارضة الشيعية والسلك الدبلوماسي المحلي كقوة معتدلة. وعلى الرغم من تقدمه في السن، لا يزال رئيس الوزراء يتمتع بقبضة قوية على القرارات الحكومية والاقتصادية اليومية. أما سلطة الملك، الذي يُنظر إليه على أنه شخصية مترددة، فهي آخذة في التضاؤل بسبب المتشددين في العائلة المالكة الذين يعارضون أي تنازل للطائفة الشيعية في البلاد، ويشككون بشدة في جارتهم إيران. ولا بد من الإشارة إلى الوزراء الثلاثة المخصصين للديوان الملكي، وجميعهم من أسرة آل خليفة، فضلاً عن القائد العام لـ "قوة دفاع البحرين". وعلى الرغم من أن ولي العهد يُعتبر ليبرالياً نسبياً نظراً لاستعداده الواضح لتقديم تنازلات للمعارضة الشيعية، إلا أن مكانته مع والده الملك ربما قد ضعفت مع بروز أخين غير شقيقين أصغر منه، هما الشيخ ناصر (ثمانية وعشرين عاماً)، والشيخ خالد (ستة وعشرين عاماً)، اللذين يشغلان مناصب قيادية في نخبة "الحرس الملكي البحريني". وتفيد بعض التقارير أن شخصيات بارزة في العائلة المالكة ضالعة بعمق في الاقتصاد البحريني، وأحياناً بصورة مثيرة للجدل، كما هو الحال في مبيعات الأراضي المستصلحة من البحر، التي تم توفيرها للتنمية التجارية، والتنمية السكنية المخصصة لذوي الدخول العالية.

إن البحرين كغيرها من دول الخليج، يسكنها عدد كبير من المغتربين، غالباً لفترة طويلة الأجل. ويقدر مسؤولون حكوميون إجمالي عدد السكان في البلاد بحوالي 2 مليون نسمة، على الرغم من أن "كِتاب حقائق العالم" الصادر عن "وكالة المخابرات المركزية" الأمريكية يشير إلى أن عدد سكان البلاد حوالي 1.35 مليون نسمة، من بينهم 45 في المائة فقط، أو ما يزيد قليلاً عن 600 ألف شخص، هم من المواطنين وفقاً للتقديرات. ومن بين السكان المقيمين، من بينهم غير المواطنين، يشكل المسلمون 70 في المائة، والمسيحيون أكثر من 14 في المائة، والهندوس حوالي 10 في المائة، والبوذيون 2.5 في المائة. بيد أن النسبة الأكثر إزعاجاً هي الفجوة التي تضيق بين المواطنين السنة والشيعة. ورسمياً لا تميز الحكومة البحرينية بين السنة والشيعة، ولكن الواقع هو أكثر حدة من ذلك بكثير. فمن خلال منح الجنسية للسنّة من باكستان والأردن، وتجنيد العديد منهم في قوات الأمن البحرينية، تغيّر الحكومة النسبة بشكل مضطرد. وقد أصبح بعض المقيمين من غير المسلمين، بمن فيهم أجانب مغتربين، مواطنين بحرينيين. وبالتالي، فإن الغالبية الواضحة من المواطنين الشيعة، التي كانت قائمة منذ أكثر من ثلاثين عاماً أصبحت الآن أكثر تساوياً، وربما يقترب الأمر من وجود غالبية سنيّة. وعلى الرغم من أن بعض الأفراد الشيعة يعيشون بازدهار في البحرين، إلا أن الشيعة البحرينيين كمجموعة يعيشون في المناطق الأكثر فقراً ويزعمون بوجود تمييز من قبل الحكومة. (وفي هذا الصدد، قال زعيم في المعارضة البحرينية للكاتب ذات مرة بأنه إذا حصل الشيعة البحرينيين على نفس المكانة المحلية التي حققها الشيعة السعوديون في المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، على بعد أقل من ساعة بالسيارة عبر الجسر الذي يربط بين البلدين، فسيعتبر ذلك تقدماً). وهناك عدد قليل جداً، لا بل شبه معدوم، من الشيعة البحرينيين الذين يؤتمنون أن يكونوا أعضاء في قوات الأمن. وتفيد بعض التقارير أن عدة آلاف من الشيعة لا يزالون رهن الاحتجاز بعد اعتقالهم خلال اضطرابات الشوارع التي وقعت خلال السنوات الأربع الماضية.

الخلفية

من الناحية التاريخية، إن البحرينيين الشيعة يعتبرون أنفسهم أنهم هم السكان الأصليين للبلاد وينظرون إلى آل خليفة، الذين جاؤوا إلى البحرين في عام 1783 من داخل الجزيرة العربية، على أنهم متسللين ومغتصبين. وفي هذا السياق، تكمن أهمية أيضاً للإرث الاستعماري للجزيرة. ففي عام 1830، وقّعت عائلة آل خليفة الحاكمة معاهدة مع بريطانيا تجعل من البلاد دولة تحت الحماية البريطانية. وفي عام 1967، نقلت بريطانيا قاعدتها البحرية الرئيسية في المنطقة من عدن إلى البحرين، ولكن بعد عام أعلنت بريطانيا أنها ستغلق قواعدها شرق قناة السويس بحلول عام 1971. وفي ذلك العام، أعلنت البحرين استقلالها ووقعت معاهدة صداقة مع بريطانيا. كما تم التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة يسمح لها استئجار مرافق بحرية وعسكرية.

أما على الصعيد الاقتصادي، فكانت البحرين أول موقع اكتُشف فيه النفط جنوب الخليج، وعلى الرغم من أن تلك الاحتياطيات الصغيرة قد نضبت بشكل شبه تام، إلا أن الجزيرة طوّرت قاعدة صناعية تشمل مصفاة ومصهر للألمنيوم وحوض جاف، ورسخت مكانتها كمركز مالي. ومنذ الحرب بين العراق وايران بين عامي 1980 و1988 ، توسع الوجود العسكري الأمريكي في البحرين إلى حد كبير، من خلال وجود مقر الأسطول الخامس في الجزيرة، ووصل إلى نحو ثمانية آلاف فرد. وفي عام 2014، أعلنت البحرين أنها ستموّل بناء قاعدة بحرية بريطانية أصغر حجماً، وبدأت تعمل على بنائها في عام 2015. أما الهدف غير المعلن للقاعدتين فهو مواجهة أي تهديد، والتهديد الإيراني بشكل خاص، لصادرات النفط من دول «مجلس التعاون الخليجي»، التي تلعب دوراً بالغ الأهمية في الاقتصاد العالمي.

تاريخ سياسة الانتخاب

من أجل فهم تطور النظام الانتخابي في البحرين والوضع الحالي، من المهم إدراك التغيّرات الرئيسية في الجدول الزمني للتاريخ المعاصر، وبشكل أساسي الاستقلال عن بريطانيا عام 1971، والثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وإعلان نظام ملكي دستوري عام 2002، واحتجاجات "الربيع العربي" عام 2011.

لقد أجريت انتخابات "المجلس الوطني" البحريني للمرة الأولى بعد عامين من الاستقلال، في عام 1973، عندما كان عدد الأعضاء 44 عضواً، 14 لمجلس الوزراء و 30 تم انتخابهم من قبل الناخبين الذكور الذين تعدّت أعمارهم 20 عاماً. وفي عام 1975، حلّ الأمير "المجلس الوطني" بعد أن شكا رئيس الوزراء من أنه يعيق عمل الحكومة. وفي عام 1992، عيّن الأمير 30 عضواً لـ "مجلس الشورى" لفترة ولاية أمدها أربع سنوات. وبعد ثلاث سنوات، تم ترحيل رجل الدين الشيعي الشيخ علي سلمان، بعد أن دعا إلى إحياء "المجلس الوطني" (المنتخب). وفي عام 1996، تم زيادة عدد الأعضاء المعيّنين في "مجلس الشورى" من 30 إلى 40 عضو. وفي عام 2000، قام الأمير الجديد الشيخ حمد، الذي كان قد خلف والده الشيخ عيسى بعد وفاته في عام 1999، بتعيين أربع نساء في "مجلس الشورى"، أحدهم مسيحية، كما عيّن رجل أعمال يهودي في "المجلس".

وفي عام 2001، أُجري استفتاء لتحديد ما إذا كانت البحرين ستصبح ملكية دستورية، تشمل "المجلس الوطني" الذي يقوم بدور "مجلس النواب" المنتخب فضلاً عن قيام قضاء مستقل. وتمت الموافقة على ذلك بأغلبية ساحقة، وجرت العملية الانتقالية في أوائل عام 2002. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2002، في أعقاب الانتخابات المحلية في أيار/ مايو، أجرت البحرين أول انتخابات برلمانية منذ عام 1973. وتم السماح للنساء بالتصويت والترشح، على الرغم من أن أياً منهن لم تفز بأي من الأربعين مقعداً. وبسبب شمل النساء في العملية الانتخابية دعا الإسلاميين السنة الى مقاطعة الانتخابات. كما أُجريت انتخابات في الأعوام 2006 و 2010 و 2014. وفي أوائل 2011، استقال الأعضاء الثمانية عشر من "جمعية الوفاق الوطني الإسلامية" التي هي التنظيم السياسي الشيعي الرئيسي المعارض في البحرين، كما استقال حليف علماني واحد احتجاجاً على حملة قمع المظاهرات التي شنتها قوات الأمن الحكومية - وهي المظاهرات التي اندلعت جراء أحداث "الربيع العربي" في تونس ومصر وأماكن أخرى. وفي وقت لاحق، في عام 2011، أجريت انتخابات استثنائية لملء المقاعد الشاغرة إلا أن جمعية "الوفاق" قاطعتها. وفي عام 2014، قاطعت "الوفاق" الانتخابات مرة أخرى.

وتعطي الحكومة البحرينية اللمحة التالية عن الانتخابات التي جرت منذ عام 2002:

مقتبس من "رحلة التقدم: الإنجازات السياسية في البحرين" (2015)

تؤكد هذه الأرقام تزايد عدد المرشحين بعد أحداث "الربيع العربي" في عام 2011، كما تكشف عن رقم قياسي في عدد المرشحات والمنتخبات، وجميعها أدلة على وجود نظام سياسي نامٍ. بيد، تبرز هذه الأرقام أيضاً، وبشكل غريب، تراجعاً حاداً في إقبال الناخبين، الذي من المرجح أن يلغي أي فكرة عن إحراز تقدم في نظر العديد من القراء.

والأمر الغير معلن هو التصوّر الضمني الصحيح وشبه المؤكد تقريباً بأن الإقبال المتقلب للناخبين يُعزى إلى مستويات المشاركة الشيعية. فمن وجهة نظر الشيعة، شكَّل تقسيم الدوائر الانتخابية إحدى الشكاوى الأولى والمستمرة. وعلى الرغم من أن الشيعة يشكلون أغلبية محتملة ومدركة لذاتها بالتأكيد، إلا أن إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية تعني أن الشيعة، ومعظمهم ينتمون إلى جمعية "الوفاق"، لن يتمكنوا أبداً من الفوز بالأغلبية في الأربعين دائرة انتخابية. وقد تمت بعض عمليات إعادة ترسيم الدوائر الانتخابية قبل انتخابات عام 2014، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لتغيير تصوّر الشيعة عن وجود إجحاف، الأمر الذي ساهم في قرار جمعية "الوفاق" بمقاطعة الانتخابات وفي انخفاض نسبة الاقبال ذلك العام. وتعكس نسبة المشاركة العالية نسبياً لعامي 2006 و2010 حماس البحرينيين الشيعة للمشاركة [في الانتخابات] وشعورهم بأن عمليات الاقتراع السابقة كان لها معنى.

نموذج للإصلاح

يُعد الطيف السياسي البحريني واسعاً للغاية. ويَعتبر بعض الشيعة أن المشاركة في أي عملية سياسية رسمية أمراً غير مجدياً ويسعون إلى الإطاحة بنظام آل خليفة. وينظر آخرون إلى النظام بازدراء ولكنهم يزعمون محاربتهم لأساليب العنف. وفي الوسط تقريباً "جمعية الوفاق الوطني الإسلامية"، التي لا تزال قانونية على الرغم من مقاطعة أنصارها للانتخابات في عام 2014. وعلى الطرف الآخر من الطيف السياسي هناك العائلة المالكة آل خليفة، التي تمثل درجات متفاوتة من الاستعداد لاستيعاب المشاركة السياسية المنظمة للشيعة في الجزيرة. ويعتبر ولي العهد الأمير سلمان الأكثر اعتدالاً ويُقال أنه يتمتع بدعم وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة. ويُنظر إلى عمه، رئيس الوزراء، الشيخ خليفة، على أنه الأب الروحي للمتشددين الذين يعارضون أي مشاركة سياسية شيعية منظمة وعملية نقل للسلطة الفعلية. ويُبقي الملك حمد مواقفه في توازن من أجل الحفاظ على احترام جميع أطراف العائلة المالكة على الرغم من تجنب اتخاذه أي قرار نهائي. بالإضافة إلى ذلك، يسود رأي مجموعة سنية خارج عائلة آل خليفة، وتضم هذه جماعة «الإخوان المسلمين» التي يتم التغاضي [عن نشاطاتها] في البحرين، والسنة المتطرفين، الذين تم الإعلان عن سبعين من أتباعهم على الأقل كمن غادروا البلاد للانضمام إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» للقتال في سوريا والعراق.

ولا يوجد اتفاق واضح حول تعريف كلمة "إصلاح" في القاموس السياسي البحريني. ومن وجهة نظر جمعية "الوفاق"، أثار غياب الأمل في إجراء أي إصلاح حقيقي إلى تقديم استقالة جماعية من قبل أعضائها من "الجمعية الوطنية" في عام 2011 ومقاطعة "الوفاق" للانتخابات في عام 2014. وربما يخشى الشيعة الأقل نشاطاً سياسياً فضلاً عن أعضاء من الطائفة السنية في البحرين من قيام أي إصلاح من شأنه أن يعزز قوة الشيعة المنظّمين في جمعية "الوفاق"، الأمر الذي قد يسبب أزمة سياسية ويهدد موقف أولئك الشيعة الذين هم أكثر اعتدالاً. وتظهر مقاومة في صفوف الأسرة الحاكمة لأي تطور قد يضعف سيطرتها.

ومع ذلك، ففي الواقع، أقرت الأسرة الحاكمة بالفعل ما يرقى إلى أجندة الإصلاح. وفي محاولة لتهدئة الاضطرابات المتنامية التي اندلعت في آذار/مارس 2011، حدد ولي العهد الأمير سلمان سبعة مبادئ لتوجيه الحوار الوطني، من بينها إقامة برلمان يتمتع بسلطة كاملة، وحكومة تلبي إرادة الشعب، ودوائر انتخابية عادلة. إلا أن تلك المبادرة لم تلق أية استجابة، بسبب الحملة الأمنية المدعومة بتعزيزات من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والتي أنهت احتلال المتظاهرين لـ "دوار اللؤلؤة"، وهو عبارة عن معلم محلي معروف. وفي وقت لاحق، تم تدمير ذلك الموقع وإعادة تسميته بـ "تقاطع الفاروق"، في إشارة إلى شخصية تاريخية تحظى باحترام السكان السنة. وشملت المحاولات اللاحقة من أجل استقرار الوضع السياسي، إقامة لجنة تحقيق وعقد جلسات لما يُعرف بالحوار الوطني، على الرغم من أن العاهل البحريني، تحت ضغوط المتشددين وعلى ما يبدو المملكة العربية السعودية، قاوم التحرك لإقامة برلمان يتمتع "بسلطة كاملة". وأدى غياب الاتفاق إلى قيام الحكومة بتعليق الحوار في كانون الثاني/يناير 2014.

ومع ذلك، ففي أيلول/سبتمبر 2014، وضع ولي العهد الأمير سلمان "إطاراً" من خمس نقاط لحوار وطني جديد، من خلال التركيز على إعادة تعريف الدوائر الانتخابية، وإجراء عملية منقحة لتعيين "مجلس الشورى"، ومنح صلاحيات خاصة لـ "مجلس النواب" المنتخب للموافقة على مجلس وزراء جديد أو رفضه، وتمرير إصلاحات قضائية، وإصدار قواعد سلوك جديدة للأجهزة الأمنية. ورفضت المعارضة المقترحات لأنها لم تلبّي المطلب الأساسي المتمثل بقيام "مجلس النواب" بتعيين رئيس الوزراء، بدلاً من الملك.

أما بالنسبة للحكومة، فهي تفضل على ما يبدو أن تتكون "الجمعية الوطنية" من أعضاء يعملون كأفراد وليس كمجموعات. فبالإضافة إلى جمعية "الوفاق" الوطنية، فإن الجمعية السياسية الوحيدة الأخرى الغير ممنوعة هي "وعد" - مجموعة يسارية علمانية تضم أعضاء من السنة والشيعة على حد سواء. وفي نهاية 2015، دعت الحكومة إلى إدخال تعديلات على "قانون الجمعيات السياسية" الذي من شأنه أن يحظر على رجال الدين الناشطين من أن يصبحوا أعضاء في الجمعيات السياسية. والهدف الواضح من هذا "الحظر المفروض على العمائم" كما يُعرف في السلك الدبلوماسي، هو زعيم جمعية "الوفاق" المسجون حالياً، الشيخ علي سلمان، الذي هيمن على الحياة السياسية الشيعية منذ عودته من المنفى عام 2001 بعد أن أُدين بإلقاء خطاب مثير للفتنة زُعم أنه يدعو إلى إسقاط الحكومة عن طريق أعمال العنف، إلا أنه طعن في ذلك الاتهام. وهناك هدف آخر وهو الشيخ عيسى قاسم، الذي غالباً ما يُنظر إليه على أنه الزعيم الروحي لجمعية "الوفاق".

هناك طرفان فاعلان رئيسيان يشجعان الإصلاح في البحرين هما:

·         ولي العهد الأمير سلمان: وريث العرش للملك حمد الذي تفاوض مع جمعية "الوفاق"، ويبدو أحياناً أنه يوافق على أن يكون هناك دوْراً سياسياً شيعياً كبيراً، وإن كان ذلك على حساب مصداقيته الشخصية مع الطائفة السنية.

·         خليل المرزوق: المساعد السياسي والأمين العام لجمعية "الوفاق"، وهو قائد مؤثر في الوقت الذي يقضي الأمين العام الشيخ علي سلمان فترة سجنه. وكان المرزوق يواجه مشاكل قانونية خاصة به، بعد أن تمت تبرئته في عام 2014 من تهمة توجيه انتقادات للحكومة.

التوقعات المستقبلية ودور الولايات المتحدة

على الرغم من وجود القاعدة البحرية الأمريكية الكبيرة، يٌنظر إلى الولايات المتحدة على أنها محايدة من قبل كل من القيادة السنية والمعارضة الشيعية. ومن أجل إثبات هذه النظرة، لم تدعُ جمعية "الوفاق" إلى إغلاق القاعدة. وعلى الرغم من أن الحكومة البحرينية تشعر بالإحباط في بعض الأحيان من إعراب الإدارة الأمريكية والكونغرس عن عدم رضاهما إزاء الانتهاكات البحرينية لحقوق الإنسان، إلا أن الحكومة لم تعمل على الانتقام من القوات الأمريكية، بل يمكن القول أنها تتّبع سياسة أقل قيوداً على الأنشطة العسكرية الأمريكية من بين دول «مجلس التعاون الخليجي». وعلى الرغم من أنه ينبغي استخدام هذه المراعاة بحكمة، فإن هذا الإحترام يمنح الولايات المتحدة نفوذاً قد يكون كبيراً على العملية الانتقالية في المستقبل.

وفي خلال عام 1999، عندما توفي أمير دولة البحرين الشيخ عيسى إثر نوبة قلبية مفاجئة وهو في الخامسة والستين من عمره، بعد فترة قصيرة من اجتماعه مع وزير الدفاع الأمريكي وليام كوهين، كان يُنظر إلى الوجود المستمر وغير المتوقع لكوهين في الجزيرة على أنه ضمان لاستلام حمد، ابن عيسى - حينها، كما الآن - منصب رئاسة الوزراء ومركز السلطة الفعلية بدلاً من خليفة، شقيق عيسى.

ويلوح احتمالان يمكن التنبؤ بهما، على الأقل في الأمد المتوسط وهما: وفاة الملك حمد ووفاة رئيس الوزراء الشيخ خليفة أو على الأقل تقاعده من الحياة العامة (في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، قضى الشيخ خليفة ثلاث ليال في المستشفى لإجراء فحوصات غير محددة.) وسيساهم أحد الحدثين بالتسبب بأزمة ملكية أو حتى أزمة أكبر، مع المتشددين المؤيدين لخليفة وغير المستعدين على الأرجح للتنازل عن عملية انتقال السلطة أو الحكم إلى ولي العهد الأمير سلمان.

وحيث تقع البحرين بين جمهورية إيران الإسلامية، التي تعرّف نفسها كدولة مناهضة لسياسة الولايات المتحدة، وبين المملكة العربية السعودية التي تعاني من التوترات ضمن العائلة المالكة الحاكمة، لا يزال موضوع ضمان استمرار الاستقرار في الجزيرة وموقف البحرين المؤيد للولايات المتحدة، يصب في مصلحة واشنطن. يجب تعزيز الاحترام البحريني الواسع النطاق للولايات المتحدة من أجل ضمان الانتقال السلمي إلى السلطة المهيمنة لولي العهد الأمير سلمان، إما كعاهل البحرين، أو كوريث طالما لا يزال الملك حمد على قيد الحياة. ويرى الملك حمد نفسه كعاهل دستوري، إسوة بملكة بريطانيا الملكة اليزابيث، على الرغم من أن الأخيرة تملك السلطة فقط وليس الحكم. وتحتاج البحرين إلى التقدم على هذا التسلسل لكي يتقاسم ملكها، أيضاً، الحكم على الأقل. إن البديل لذلك هو إما الفوضى الثورية أو القمع القاسي من قبل النخبة الحاكمة التي تحتقر الكثير من شعبها. ويمكن إرضاء مصلحة الولايات المتحدة بأفضل طريقة من خلال تشجيع الإصلاح الحذر وتهميش المتشددين على طرفي الطيف السياسي.