علاقات » دول أخرى

التحالف مع باكستان النووية.. سلاح السعودية لمواجهة الأخطار

في 2016/02/19

مي خلف- الخليج اونلاين-

منذ بداية عام 2016 أجريت سلسلة من اللقاءات رفيعة المستوى بين القيادة السياسية والأمنية السعودية ونظيرتها الباكستانية، وقد أكد الجانب الباكستاني في هذه اللقاءات حرص بلادهم والتزامها بالحفاظ على أمن وسيادة المملكة العربية السعودية، وهو تأكيد ليس بجديد نظراً للعلاقات الاستراتيجية التاريخية بين البلدين. ومع ذلك، تفرض التغيرات المستمرة في المنطقة تحديات جديدة أمام البلدين في طريق تعزيز علاقتهما الاستراتيجية في ظل الفوضى بالمنطقة.

وللوقوف عند طبيعة العلاقة التاريخية بين البلدين، كتب الباحث الاستراتيجي د. يوئال جوزنسكي من مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، أنه على مر العقود السابقة أظهرت باكستان استعداداً لتقديم المساعدة للمملكة العربية السعودية. وتبدى ذلك في سياق الدعم الذي قدمته باكستان للمملكة في حادثة احتلال الحرم المكي الشريف عام 1979 على يد مسلحين، كما نشرت باكستان قواتها لحماية السعودية أثناء حرب إيران والعراق.

إضافة لذلك، شارك جيوش البلدين جنباً إلى جنب لدعم المجاهدين الأفغان في القتال ضد الاحتلال السوفييتي. كما يتلقى السعوديون تدريبات عسكرية من قادة عسكريين باكستانيين مقابل تقديم المملكة لدعم مالي مباشر أو تزويدها بالنفط مجاناً أو بأسعار مخفضة. ويضاف لذلك أن العلاقات الشخصية بين قادة البلدين والسياسية والأمنية قوية جداً، فعندما عزل رئيس الحكومة الحالي نواز شريف من منصبه عام 1999 وجد بالمملكة منفى مريحاً حتى سمح له بالعودة إلى بلاده عام 2007.

وكان للملف النووي دور بارز في تعزيز العلاقات أكثر فأكثر، إذ قدمت المملكة لباكستان دعماً مادياً سخياً من أجل صناعة "قنبلة نووية إسلامية". ويذكر أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على باكستان نتيجة لإجرائها تجارب نووية، لكن الرياض قدمت الدعم المادي اللازم لباكستان لتخفيف أثر العقوبات، إذ منحتها بالإضافة للمال نفطاً خاماً. وعليه، ترجح التقديرات أن الدعم السعودي لباكستان ببناء قدراتها النووية يعني أن الأخيرة ستستجيب للسعودية عند طلبها الاستعانة بقدرات باكستان النووية.

ومن الناحية الاقتصادية تربط البلدين علاقة وطيدة أيضاً، فقد ازداد حجم التجارة بينهما في السنوات الأخيرة بقيمة تقدّر اليوم بـ 5 مليارات دولار. كما أن عدد العمّال الباكستانيين في المملكة يزداد بشكل مستمر، فهناك اليوم أكثر من مليون ونصف باكستاني يرسلون لعائلاتهم سنوياً 3 مليارات دولار تقريباً.

ويضيف الباحث أن أهمية باكستان بالنسبة للسعودية تنبع من موقعها الاستراتيجي بالقرب من إيران، إذ تملك باكستان حدوداً مشتركة مع إيران يصل طولها إلى 909 كيم، مما يعتبر كنزاً للسعودية التي تسعى لكبح إيران والحد من نفوذها في المنطقة. إلى جانب ذلك تمتلك باكستان أكبر جيش مسلم في العالم، وهو الوحيد الذي يمتلك قدرات نووية، الأمر الذي تعتبره السعودية نقطة قوة يمكنها الاعتماد عليها في الأزمات.

وإضافة لذلك، بحسب الباحث، هناك جانب تأثير آخر متعلق بكون السعودية تتمتع بتأثير ديني ملحوظ في باكستان. فقد استطاعت المملكة من نشر "التيار الوهابي" هناك على مر السنين الماضية عن طريق التبرعات السخية لبناء المساجد والمعاهد الدينية في الدولة التي تضم ثاني أكبر مجتمع مسلم في العالم، بعد إندونيسيا.

لكن على الرغم من التحالف التاريخي بين البلدين قررت باكستان عدم الانضمام للتحالف العربي لمحاربة المد الحوثي في اليمن، والذي يتلقى دعماً من إيران. وكان من بين أسباب الرفض هو التخوف الباكستاني من التوترات الطائفية بداخلها، لكونها تضم نسبة كبيرة من الشيعة المتأثرين بإيران. إلى جانب سعي إيران للحفاظ على علاقتها الاقتصادية مع إيران خاصة الملف الثقيل المتعلق بأزمة الكهرباء في باكستان، كما أن الجيش الباكستاني مشغول بحماية ومراقبة حدوده مع الهند وأفغانستان ويبدو أنه لم يكن معنياً بفتح جبهة جديدة. هذا إلى جانب المصلحة المشتركة بين إيران وباكستان في قمع الحركة الانفصالية البلوشية الناشطة في كلا البلدين.

على الرغم من ذلك، يثق السعوديون أن باكستان ستكون حاضرة للمساعدة بشكل جاد إذا ما تعرضت المملكة لتهديد حقيقي من إيران، وقد يكون ذلك عن طريق نصب أسلحة نووية في أراضي المملكة وأن تكون باكستان بمثابة غطاء نووي للمملكة في حال تعرض الحرمين الشريفين لأي تهديد أجنبي، ويستند ذلك إلى تصريح الرئيس الباكستاني مؤخراً بأن "أي تهديد لسلامة أراضي السعودية سيؤدي لرد باكستاني قوي".

على كل حال، يرى الباحث أن باكستان تحتاج أخذ مصالحها الأخرى بعين الاعتبار وإيجاد المعادلة المناسبة بين السعودية وإيران وأن تحسب الثمن الذي ستدفعه مقابل تقديم الدعم للمملكة. ومثالاً على ذلك، في حال قررت باكستان تقديم غطاء نووي للسعودية فعليها مواجهة نقد المجتمع الدولي الذي لا شك سيعترض على قرار كهذا وربما يفرض عقوبات عليها، هذا إلى جانب ضرورة الحفاظ على توازن القوى والردع المشترك بينها وبين الهند وإيران.

ويرى الباحث أنه في ظل الوضع الراهن والتحديات التي تواجه المملكة العربية السعودية، تحاول باكستان قدر الإمكان العمل لتجنب أي سيناريو يضطرها للاختيار بين إيران والسعودية، وهي تفضل حالياً دور الوسيط العاقل بين الطرفين خلال الأزمة الدبلوماسية. ويرى الباحث أنه كلما ازدادت حدة الأزمة بين إيران والسعودية سيكون من الصعب على باكستان المحافظة على علاقات متزنة مع الطرفين.