دول » عُمان

سياسة السلام العمانية تقترب من الجميع

في 2016/02/22

خميس التوبي- الوطن العمانية-

يبدو أن الاتفاق النووي الذي تمخضت عنه المفاوضات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والغرب ممثلًا في مجموعة “5+1″ حول الملف النووي الإيراني، والدور الذي طُلب من السلطنة أن تلعبه في تقريب وجهات النظر بين الجانبين، لايزال يمثل غصة في حلق الخصوم، ويثير امتعاض تجار الحروب وسماسرتها وأعداء السلام والاستقرار والوئام والتنمية. ذلك أن محاولة تصدير الأزمات الناتجة عن الفشل السياسي الذريع في الداخل والخارج، ومواصلة لعب دور الوكيل في توتير أجواء المنطقة وجرها إلى أتون متوالية الحروب، هما أحد العوامل الحاكمة والمسيِّرة لسياسات الخصوم، فلم يعد يطيقون مشاهدة نجاحات الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وحين قبلت السلطنة القيام بما طُلب منها من تقريب المسافات ووجهات النظر بين إيران والغرب، انطلقت نحو ذلك من إيمانها العميق بأهمية السلام والاستقرار في المنطقة والعالم، وليقينها أن المنطقة والعالم ليس في وسعهما نشوب حروب أخرى مدمرة. فهناك ما هو أعظم وأعلى ثمنًا من الحروب والدمار والخراب، ألا وهو البناء الإنساني والتنمية الشاملة وتبادل المنافع وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لاسيما وأن المنطقة مرت بثلاث حروب (الخليج الأولى والثانية والثالثة) ولم تحصد من ورائها سوى الخراب والدمار على حساب التنمية والتعليم والصحة وانتشار الفقر وارتفاع ظاهرة البطالة، والفتن الطائفية والمذهبية والتمزق، فضلًا عن التشرد والهجرة. والرابح من وراء كل ذلك هو كيان الاحتلال الصهيوني، والولايات المتحدة وبقية الدول الغربية واقتصاداتها.
فبعد حروب الخليج الثلاث نجحت الولايات المتحدة وحليفها الاستراتيجي كيان الاحتلال الصهيوني ومن معها من الأتباع والوكلاء والعملاء في خلق عدو أو بالأحرى فزاعة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتواصل ابتزاز دول الخليج تحديدًا، تارة بسعي إيران إلى تصدير ثورتها، وتارة ثانية بتدخلها في الشؤون الداخلية لدول الخليج والمنطقة والتخطيط لالتهامها، وتارة ثالثة بالسعي لنشر التشيع، وفي مقابل ذلك أخذت تتوالى صفقات عقود سلاح بعشرات مليارات الدولارات ـ ولا تزال. أوليس من الأجدى والأولى أن تصرف هذه المليارات في التنمية والصحة والتعليم ورعاية الشباب، وتوفير برامج التدريب والتأهيل، وإيجاد فرص عمل للمخرجات التعليمية ؟ فتوفير كل ذلك هو القاعدة العريضة للتقدم والنماء والتطور ومن ثم السلام الداخلي الذي يتعزز بالسلام الخارجي.
إن السلام الداخلي والخارجي للسلطنة هو مشوار طويل محفوف بالتضحيات والنفقات الباهظة، والتي لا يبذلها إلا من آمن بالسلام مبدأً وثقافةً، والأيادي المرتعشة والقلوب المريضة والأفكار المأفونة لن تصنع سلامًا، ولن تبني إنسانًا سويًّا وتحافظ على نقاء فطرته وسلامتها، بل إن كل ملوثات العقل والفكر والقلب والنفس إن لم تنتقل بالطبع ستنقل بالممارسة وبالسياسة والإعلام، وبكل ما من شأنه إتمام عملية النقل، خاصة وأن وسائل التواصل الاجتماعي دخلت على خط الخدمة لتصدير الملوثات الفكرية والنفسية والعقلية، وأخذت تلعب دورًا كبيرًا.
ولذلك السلام الداخلي والخارجي للسلطنة والذي يضرب بجذوره عميقًا ويستمد روحه من عقيدة الإسلام السمحة والذي أكد طبيعة الشخصية العمانية وهويتها، وبات محل فخر لكل عماني، لم يأتِ من فراغ، وإنما هو أيضا مؤشر على ما التزمت به السلطنة للنهوض بالمواطن العماني استرشادًا بتوجيهات حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ الذي سعى إلى توفير كل سبل الأمن والأمان وعوامل الضمان الاجتماعي التي جعلت المجتمع العماني يأمن على حاضره ومستقبله، وينصرف إلى العمل والإنتاج وتفعيل أدوات النهوض والازدهار في الداخل، جنبًا إلى جنب مع مساعٍ حميدة خاضها جلالته على رأس فريق عمل من المسؤولين المترسمين خطاه على درب البناء والتحديث لعقد شبكة من العلاقات الخارجية لتحصين السلام الداخلي بعلاقات راسخة تتأسس بدورها على أسس قوية تحترم الآخر، وتقدر مصالح كافة الأطراف في العلاقات الدولية المتشابكة، وتبني جسور المودة والصداقة مع الجميع، بل وتزيد معيار التقارب مع الدول الشقيقة وعلى الأخص منها تلك الدول التي تتشارك مع السلطنة في حدودها البرية أو البحرية، وكم كانت السلطنة كريمة أشد الكرم في إرساء العلاقات مع الجوار على أساس من التضحية والعطاء من أجل بقاء حبال المودة موصولة مع الشعوب الشقيقة وقياداتها حيث بنت الدبلوماسية العمانية في هذا المجال نشاطها على أساس أن العلاقات الحدودية هي عوامل اتصال وليس انفصالا بين الأشقاء، وأن حبات من الرمال لا يجب أن تكون سببًا في اندلاع قتال.
فكم هو مثير للحيرة والدهشة حين يغدو أو يروح مسؤول أو وفد عماني رسمي أو غير رسمي إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تنبري جيوش عبر فضائها السيبراني للتحريض والتشويه والفبركات والإساءة إلى العلاقات مجندة لهذا الغرض تحديدًا، محاولة الزج باسم السلطنة في خلافات وصراعات، والتقول على ألسنة المسؤولين ما لم يقولوه لا تصريحًا أو تلميحًا. والتصريح الذي أدلى به معالي يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في المؤتمر الصحفي مع محمد جواد ظريف أمس الأول واضح ولا لبس فيه بأن وجود الوفد العماني في طهران ليس موجهًا ضد طرف آخر، وأن التعاون هو هدفنا الأول والأخير، مؤكدًا أن التعاون مع إيران من شأنه أن يفتح أمامنا آفاقًا جديدة تساعد على التوصل إلى أمن واستقرار أكبر في المنطقة.
إن هذا الرشد السياسي والوعي الدبلوماسي إذا هو الذي أسهم مع مجموعة العوامل الأخرى في إرساء أسس السلام الخارجي بالنسبة للسلطنة، فإنه بات يمثل مظلة للسلام والأمن والاستقرار على المستوى الخليجي والعربي والإقليمي والدولي.