دول » الكويت

الحكومة... وعمى الأولويات!

في 2016/02/22

رأي «الراي» الكويتية-

تريد الحكومة الكويتية الرشيدة أن ترشّد. تفعل ذلك من باب ردّ الفعل لا من باب التخطيط والتحسّب والترقّب والعلمية والموضوعية. لم تخبئ حساباتها البيضاء للأيام السوداء فانطلقت نحو تجميع فلس من هنا ومليون من هناك ردّاً على أزمة اقتصادية خانقة دهمتها... توقّعها الجميع إلا الحكومة نفسها.

وبما أن الكويتيين «شركاء» ويعشقون بلدهم ويتحمّلون الانعاكسات السيئة كما الجيدة، فوّضوا أمرهم لله وهم يراقبون الخطة الحكومية لإلغاء الدعوم وتحصيل أموال إضافية إلى الخزينة من جراء ذلك. الكويتيون ليسوا غوغائيين عندما تتجاوز الأزمة الاقتصادية الخطوط الحمر بل هم في قمة التفهم لأي إجراء يحفظ مستقبل الأجيال القادمة رغم كل التحفظات التي لديهم على الأسلوب والطريقة... لكن الأمر يحتاج إلى «نقطة نظام» كي نعيد تنظيم الأولويات.

إذا كان الفرنسيون يقولون إن السمكة تفسد من رأسها، فالإدارات الحكومية تأتي على رأس الأولويات الواجب ترشيدها كجزء من الدعم والتوفير. ولا نقصد هنا الضحك على الذقون الذي نسمعه ونراه يومياً من تخفيض موديل سيارة مسؤول أو وكيل وتخفيض كوبونات بنزينها وتخفيض بدلات السفر والسندويشات... الخ. هذه الأمور يجب أن تكون في الأساس في بند الخدمات المساندة للعمل لا من باب الرفاهية والميزات، وعلى من ضخّمها في السابق وحوّلها إلى رواتب موازية أو أكثر أن يخضع للحساب لا أن يتباهى اليوم بأنه يخفّض كي يدعم الخزينة.

ما نقصده بموضوع الإدارات والمشاريع الحكومية هو الهدر والفساد والعمولات الضخمة لصفقات يمكن أن تتأجّل، وتغطية شركات خاسرة والدفاع عنها بدل تخصيصها وكسب التوفير على الخزينة من جهة وتحقيق أرباح من جهة أخرى.

نصل إلى بيت القصيد، إلى موضوعين متلازمين بدأت الحكومة بهما واعتبرت تقليصهما «نافذاً». الصحة والتعليم. صحيح أن ملفات الصحة تاريخياً متخمة بالمخالفات، وصحيح أن بند العلاج في الخارج هو أشبه بصندوق «حزبي» لاستقطاب موالين وأنصار، وأن الحكومات المتعاقبة استخدمته لمكافأة نائب أو معاقبته. نحن نقول الأمور كما هي ونسمي الأشياء بمسمياتها لأن الكويتيين «الشركاء» في إدارة البلد يعرفون القصة من ألفها إلى يائها. هناك «سياحة علاجية وفواتير سياسية» لكن هناك فعلاً من استفادوا من العلاج في الخارج وكانوا في أمس الحاجة إليه بغض النظر عن الواسطات والمكافآت والعقوبات. هناك الآلاف الذين كانت حالتهم مستعصية ومنّ الله عليهم بالشفاء والعافية على يد أخصائيين أجانب كبار، فهل يجوز أن يدفع هؤلاء ثمن عمى الأولويات في عيون الحكومة؟ ثم لماذا قبل أن تتخذ قرارات «نافذة» في قصة العلاج بالخارج لا تحاسب الحكومات المتعاقبة على إهمالها العلاج بالداخل؟ لماذا يبقى «الخارج» صندوقاً للعقاب والمكافأة ولا يحاسب من تقاعس عن جلب أمهر الأطباء الأجانب والمستشفيات العالمية إلى الكويت؟ وأيضاً، لماذا أعطيت بدلات عالية للمرضى ومرافقيهم في السابق حوّلت الأمور إلى ما يشبه البيزنس أو التجارة ولماذا فجأة هبطت قيمة البدلات إلى 50 و30؟

من الصحة إلى التربية والتعليم. عندما سئل صانع أسطورة سنغافورة لي كوان يو عن سرّ تحويله هذه الصخرة الصغيرة في المحيط إلى نمر آسيوي اقتصادي ندر مثيله في العالم وهي لا ثروات طبيعية فيها ولا نفط ولا مناجم ذهب، أجاب أن السرّ يكمن في ثلاثة أمور: التعليم، والتعليم... فالتعليم. يسمع الكويتيون «الشركاء» ذلك وهم يقرأون عن تخفيض مخصصات الابتعاث للتعليم العالي، بحجة توفير بعض المال للموازنة. الكويت وما أنعم الله بها من ثروات تريد كأولوية تخفيض مخصصات الابتعاث للتوفير. لم يسبق أحد حكومة الكويت إلى ذلك، ولا أعتقد أن أحداً سيلحقها. ويريدوننا أن نصدق أن الهدر سيتوقف وأن الخزينة ستسترجع عافيتها من خلال استقطاع جزء من مخصصات الابتعاث... أما كان من الأسهل لهم إلغاء الابتعاث برمته والاكتفاء بحملة الشهادات العليا الموجودين حالياً؟

شرّ البلية ما يضحك والطير يرقص مذبوحاً من الألم.

عموما وبما أننا ككويتيين شركاء في الإدارة (أو هكذا قصّوا علينا) نتقدم هنا باقتراح يخفّف على الخزينة أعباء كبيرة ويؤجّل قطاعي الصحة والتعليم إلى مرحلة لاحقة. لماذا لا تلغي الدولة الإدارات غير المجدية والهيئات التنفيعية التي من المعيب أن تبقى موجودة وتخفّض من موازنات إدارات لم تفد في شيء.

المثل الأول هو وزارة الإعلام، وموازنتها 216 مليون دينار، أي يمكن أن تقارب المليار دولار إن زدنا عليها بعض الملايين. لماذا تحتاج الكويت إلى وزارة إعلام بينما العالم بغالبيته ألغاها. صار بقاء هذا النوع من الوزارات مظهراً من مظاهر تخلّف الدول، إضافة إلى أن أحداً لم يقدم لنا حتى الآن إجابة عن سؤال ماذا أضافت هذه الوزارة للمشهد الإعلامي الكويتي اليوم؟ ولماذا يدفع المواطن من موازنته ثمن كيان يغطي أخباراً رسمية موجودة في كل الإعلام الخاص؟

المثل الثاني هو الوزارات التي تتضخم موازنتها من دون مبررات وكأنها صارت «بقالات» تنفيع انتخابية وحزبية وسياسية. هل تعرفون أن موازنة الأوقاف 238 مليون دينار؟ هل تعلمون لماذا تدور معارك على التوظيف والتعيين في الأوقاف؟ هل تعلمون لماذا تؤسس هيئات بموازنات ضخمة في الأوقاف ثم تلغى؟ طول عمرها مساجد الكويت فيها إمام ومؤذن هل يشرح لنا أحد لماذا في كل مسجد اليوم ثلاثة أو أربعة أئمة ومؤذنين؟

طبعاً، أعطينا مثلين لا للتخصيص وإنما للاستدلال والأمر نفسه ينطبق على مختلف الوزارات والإدارات وتحديداً الهيئات التي بدأت الحكومة في إنشائها بالسنوات الأخيرة للتنفيع وتعيين«العيال» والمحسوبين وأغلبها ليس له عمل فعلي إلا استنزاف المال من الموازنة. وإذا أرادت الحكومة أن تخفّف من عمى الأولويات لديها فستجد أنها وفّرت مئات ملايين الدنانير، أما التعليم والصحة فأهم عندنا من النفط مليون مرة... هذا إذا كانوا يؤمنون فعلاً بأن لديهم «شركاء».