دول » السعودية

إما لبنان أو (حزب الله)

في 2016/02/23

أمل عبد العزيز الهزاني- الشرق الاوسط-

منذ اتفاق الطائف٬ أي قبل ما يقارب خمسة وعشرين عاًما٬ احتفظت الدولة اللبنانية بكينونتها واستقرارها رغم قدر لبنان بأن يكون مطبخ الأحداث العربية الساخن وساحة عراك الخصوم٬ وقابليتها العالية للتشرذم بحكم تنوع انتماءاتها المذهبية والدينية. جاء «الطائف» لغاية واضحة نص عليها صراحة في بنوده بحفظ لبنان عربي الهوية والانتماء٬ وإلغاء الطائفة من الهوية الرسمية للمواطنين.

اليوم يستفيق الأمين العام لحزب الله ليعي أنه يعمل وفق خطة طريق سعودية رسمت منذ ربع قرن٬ ويريد أن يثور على هذا الواقع ضمن حساباته الإقليمية٬ ضارًبا عرض الحائط بالتبعات الباهظة على لبنان بكل طوائفه٬ متمسًكا بفرض مرشحه الرئاسي العماد ميشال عون زعيم التيار الوطني الحر٬ ليكون رئيًسا من خارج قاعة البرلمان الذي يفترض أن يحسم اسم الرئيس وفًقا لنظام التصويت كما ينص عليه الدستور. الفريق المقابل٬ أي 14 آذار اختار مرشحه سليمان فرنجية٬ وهو من فريق 8 آذار كذلك٬ ولكن حزب الله أرادها حكًما تعجيزًيا٬ وأمًرا سلطوًيا٬ وأعلن إصراره خلال الشهور الماضية؛ إما عون أو الفراغ الرئاسي حتى وإن تحول البلد إلى مكب للنفايات. أصيب لبنان بالشلل جراء هذا السلوك المتعسف٬ انهارت خدماته ومعنويات أهله٬ أمام حزب عرقل وصول رئيس لبناني لقصر بعبدا٬ وذهب معاًرا إلى سوريا لحل مشاكل رئيسها.

محاولة لحلحلة هذا الوضع البائس٬ قدم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع صوته لترشيح ميشال عون٬ منشًقا حول هذا الخصوص عن 14 آذار٬ ومانًحا 8 أصوات نيابية لمرشح حزب الله٬ وهذه هدية من السماء لم يكن يحلم بها عون وفريقه٬ وكان يفترض والحال كذلك أن يسارع نبيه بري لفتح قاعة البرلمان والتصويت للدفع بمرشحهم. لم يحصل ما كان متوقًعا ولم نفهم! هل حزب الله حًقا يريد الرئاسة لعون؟ أم يتعمد الإبقاء على الفراغ الرئاسي حتى يتضح مآل الحرب في سوريا؟ أم أن هدفه خرق الدستور لتفكيك «الطائف»؟ وما موقف المسيحيين الذين سيكونون أول ضحايا انهيار «الطائف».

حزب الله يهدد بعقد «المؤتمر التأسيسي» الذي يقوم على فكرة «المثالثة» عوًضا عن «الطائف» الذي أقر المناصفة٬ والمثالثة مقترح قدمته طهران٬ بأن يكون النصاب في المقاعد النيابية ثلاثًيا بين السنة والشيعة والمسيحيين٬ وليس كما هو الحال القائم مناصفة بين المسلمين والمسيحيين٬ سعًيا لتكريس الطائفية المذهبية في لبنان أسوة بالعراق٬ وهذا حلم إيراني كبير ولا شك٬ كما أن المسيحيين وفق هذه المنهجية سيؤولون إلى الهامش نظًرا لانتقاص حصتهم٬ وسيحمل ميشال عون الذي تجاوز الثمانين عاًما وزر طائفته طوال حياته التي لم يتبق منها الكثير.

لا يمكن قراءة موقف حزب الله ضد لبنان بمنأى عن قراءة الواقع الإقليمي٬ وخاصة سوريا. حزب الله يعاني من تدني شعبيته داخل البيت الشيعي نفسه٬ ليس فقط من خلال الأصوات الرسمية كصبحي الطفيل الأمين العام السابق لحزب الله٬ الذي اعتبر أن الحزب بات فصيلاً تابًعا للدب الروسي٬ ولكن أيًضا على المستوى الشعبي. الحزب قذف بكوادره البشرية في محرقة سوريا٬ كل بيت شيعي فقد ابًنا أو أًبا أو أًخا أو زوًجا في معركة لا ذنب لهم فيها٬ حتى الأطفال من ذوي أربع أو خمس عشرة سنة لم يسلموا٬ وإن عادوا لذويهم عادوا في توابيت. ضاق الشارع اللبناني كله ذرًعا بضنك المعيشة٬ وعبء اللاجئين٬ وانعدام الأمن خاصة على الحدود السورية٬ بسبب دخول حزب الله طرًفا في معركة خاسرة.

ثم تلقى اللبنانيون صدمة قرار الحكومة السعودية وقف هبة بأربعة مليارات دولار للبنان٬ إنما عليهم خلال صدمتهم أن يسألوا أنفسهم أولاً؛ أي دولة قدمت لهم مبلًغا كهذا طوال تاريخهم الحديث؟ هل فعل حزب الله أو ولّيه الفقيه أو أي دولة عربية كانت أو غربية؟ لماذا تقدم أي دولة على منحة بهذه الضخامة لتعزيز جيش وأمن دولة٬ ومن دون اشتراط طائفي٬ ما لم تكن غالت في حرصها على مصلحتها واستقرارها؟ والسؤال المستحق من الجانب المقابل؛ بأي دافع تغدق السعودية أموالها على دولة تتخذ مواقف مضادة لها في المحافل الدولية تنفيًذا لأجندة إيران٬ العدو الأول للرياض؟

ودعونا كذلك نطرح سؤالاً افتراضًيا لكل اللبنانيين؛ هل كانت أربعة مليارات دولار ستضمن استقرار لبنان طوال خمسة وعشرين عاًما لو كانت السعودية قدمتها في اجتماع الطائف عوًضا عن الاتفاقية؟

ما يهدد لبنان اليوم ليس وقف الهبة٬ إنما السوسة التي تنخر في جذع النظام الدستوري٬ والتي تهدد بتفكيك هيكله وإضعافه حتى تضطر كل طائفة أن تحمل السلاح وتخرج للشارع والساحل والجبل٬ حماية لمناطق نفوذها. السعودية بموقفها الأخير سلطت الضوء على الجزء المظلم من الصورة٬ وهو جزء قبيح٬ يقول إن حزب الله رغم أنه في أضعف حالاته منذ تأسيسه٬ يسعى حثيًثا لاستمالة لبنان إلى وحل الطائفية٬ ليفرض التدخل الإيراني رسمًيا كما حصل في العراق.

الفراغ الرئاسي اليوم ليس مبرًرا بعد أن ذهب صوت القوات اللبنانية إلى ميشال عون٬ ولو كان حزب الله جاًدا في ترشيح عون فليتقدم التصويت. ولو كان لي من الأمر شيء لفكرت خارج هذا الصندوق المزدحم بالنزاعات٬ وبعيًدا عن الأسماء الثلاثة المرشحة؛ سليمان فرنجية وميشال عون وهنري حلو٬ بشخصية بعيدة عن هذه الضوضاء والأسماء التي استهلكتها الخصومة٬ اسم له حضوره الدبلوماسي وشخصيته القيادية يجتمع عليه كل اللبنانيين بدعم دولي٬ وربما من يستطيع أن يقدم مثل هذه الصفحة البيضاء هو الوسيط الدولي المعروف أي فرنسا٬ وزيارة الرئيس فرنسوا هولاند للمنطقة قد تشي ببعض الأمل إن حسنت النوايا٬ فرغم اجتهاد حزب الله في الإبقاء على الشغور الرئاسي فإن الضيق الذي استحكم ينبئ بفرج قريب.