دول » الكويت

منظمات المجتمع المدني بالكويت.. تلتزم الصمت أمام فساد وتقشف الحكومة!

في 2016/02/26

شؤون خليجية -

رغم أن منظمات المجتمع المدني بدولة الكويت أثبتت استقلاليتها ودورها الريادي والوطني في منعطفات وأحداث مهمة، إلا أنها لم تصمد طويلًا على هذا المبدأ في الدفاع عن حقوق المواطنين الكويتيين، حيث تخلت مؤخرًا عن دورها المنشود وأصبحت في مؤخرة الصفوف المدافعة عن الحريات والحقوق المدنية والاجتماعية، والمتصدية لأي مساس بالحقوق الدستورية أو بالمستوى العام للمعيشة.

وأرجع مراقبون أسباب هذا التراجع الملحوظ في دور منظمات المجتمع المدني، إلى أن منظمات المجتمع المدني بشكل عام في دول الخليج ما زالت تعاني من مشاكل جوهرية، يأتي على رأسها غياب واقع الحريات، وضعف مستوى الوعي حول أهمية وأدوار منظمات المجتمع المدني، كما أن هذه المنظمات وقفت مكتوفة الأيدي واكتفت بدور المتفرج أمام السياسات الاقتصادية التقشفية، التي اتخذتها الحكومة الكويتية، والتي تمس المواطن الكويتي، من بينها رفع الرسوم والدعم عن السلع الضرورية والطاقة، وخصخصة الجمعيات التعاونية الاستهلاكية

اختفاء صوت المنظمات المدنية

أوضح الكاتب الكويتي د. بدر الديحاني، أنه من المستغرب أن صوت الاتحادات الطلابية، والنقابات العمالية، والجمعيات المهنية، وجمعيات النفع العام التي تشكل في مجموعها المجتمع المدني قد خفتت، بشكل مؤسف، في الآونة الأخيرة، تجاه القضايا العامة التي تهم المجتمع والناس عامة، إلى درجة أنه لم يعد مسموعاً فيما يتعلق بالشأن العام.

وتساءل "الديحاني"، في مقال له الثلاثاء، بعنوان "لماذا اختفي صوت منظمات المجتمع المدني؟"، عن لماذا لا يوجد تحرك جدي من الاتحاد العام لعمال الكويت أو اتحاد البترول، أو حتى النقابات العمالية منفردة، تجاه السياسة الاقتصادية النيوليبرالية، والتي تعني (الخصخصة وضمنها، كما صرح وزير المالية مؤخراً خصخصة النفط عدا الإنتاج وقطاعي التعليم والصحة، وأيضاً تحرير الأسعار ورفع الرسوم وتخفيض الدعم الاجتماعي للسلع الضرورية)، وهي سياسة تتبناها الحكومة حالياً، رغم ضررها البالغ بالعمال والفئات الشعبية والمتوسطة الدنيا، في الوقت الذي تحركت فيه "غرفة التجارة" معبرة عن رأيها الصريح في الإصلاح الاقتصادي والمالي، ومعلنة موقفها المدافع عن مصالح أعضائها.

وتابع: لم نر أيضاً تحركاً أو موقفاً من اتحاد الجمعيات التعاونية الاستهلاكية تجاه سياسة خصخصة الجمعيات التعاونية، التي بدأتها وزارة الشؤون مؤخراً، بتنفيذها في "جمعية الدسمة وبنيد القار"، بالرغم من أنها ستقضي على العمل التعاوني. وقس على ذلك بالنسبة إلى مواقف باقي الجمعيات المهنية وجمعيات النفع العام من موضوع تقييد الحريات العامة، وتحميل الناس أعباء العجز المالي، لاسيما تلك التي لها دائماً مواقف تاريخية مشهودة في الدفاع عن المكتسبات الدستورية والقضايا المعيشية والوطنية العامة.

وتساءل "الديحاني": أين اختفت الأصوات الوطنية الصادقة التي لها دائماً دور مؤثر داخل منظمات المجتمع المدني؟ ، لافتاً إلى أنه لا بد أن في الأمر أمراً لا يعرفه عامة الناس، وهو ما يتعين على العناصر الوطنية الصادقة توضيحه للرأي العام، حيث إن مسؤوليتهم هنا مضاعفة، لأنهم يحملون مبادئ وأفكارًا مدنية ديمقراطية، في مقدمتها الدفاع عن الحريات والحقوق العامة والعيش الكريم، وفي الوقت ذاته فإنهم يتصدون للعمل العام التطوعي، من خلال وجودهم في مجالس إدارات منظمات المجتمع المدني، والذي لا قيمة وطنية له إن لم يكن من أجل الدفاع عن القضايا التي تهم الناس والمجتمع والوطن.

القوانين تقف في وجه المنظمات المدنية

وأوضح مراقبون، أن المجتمع المدني بالكويت أصبح عاجزاً عن القيام بدوره المنشود في محاربة الفساد، فضلًا عن الجمعيات المدنية، التي أصبحت تؤدي دورها الكمي فقط وليس الكيفي، لذا اكتفي بدور المتفرج ولم يعد الأداة التي تفرض على الحكومة أن تكون فاعلة وتقوم بمحاسبتها.

من جانبها أوضحت الناشطة الحقوقية مها البرجس، أنه في الكويت- للأسف- ليس كل مؤسسات المجتمع المدني تؤدي دورها، كما هو مطلوب منها، وهذا يعود إلى القوانين التي تقيد عملها ومراقبة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لها، وتعاملها بشكل مباشر مع هذه المؤسسات بنفس المعاملة، ولا تعطي الحق لها بممارسة أدوارها وأهدافها التي من أجلها أنشئت، رغم أن الدستور يكفل حرية المجتمع وإنشاء الجمعيات الأهلية.

وأشارت "البرجس" في  تصريحات  صحفية، إلى أن المجتمع المدني في منطقتنا العربية، وليس في الكويت فقط، لم يأخذ حقه من الاهتمام والرعاية. ورأت أن من الأفضل تعديل القانون، بحيث يتم تسهيل إشهار الجمعيات.. ويكون المعيار الأساسي لها رفع سقف الحريات المتاح لها، مع إعطائها مزيداً من الاستقلالية.

مجتمع مدني عاجز

ورأى الناشط الحقوقي الكويتي، عامر ذياب التميمي، أن المجتمع المدني  بالكويت عاجز عن لعب دور حيوي في محاربة الفساد، الذي فاقمته قيم المجتمع الريعي. ورغم أن المواطنين عملوا على تأسيس جمعيات نفع عام منذ صدور القانون غطت مختلف الأنشطة، فإن مستوى هذا النشاط تراجع عندما لم يبدِ الأعضاء الجدد اهتمامات جادة، وباتت عضوية مجالس الإدارة همّاً أساسياً لدى الكثير منهم، وواكب ذلك تراجع دور الجهات الرقابية الرسمية.

وأضاف "التميمي" في دراسة له بعنوان مؤسسات المجتمع المدني والحرب ضد الفساد، أن المجتمع المدني الكويتي، أكد دوره بفاعلية، بعد تأسيس المدرسة المباركية في 1911، بجهود خاصة غير حكومية، إلا أن التطورات الأهم في حركة المجتمع المدني برزت في خمسينات القرن الماضي، عندما أنشئت العديد من الجمعيات الثقافية والاجتماعية والنوادي الرياضية والمؤسسات المهنية، كما احتوى دستور البلاد، الذي أقر في نوفمبر 1962، نصوصاً تؤكد دور هذه المؤسسات، أعقبه صدور القانون رقم 24 لعام 1962، مقنناً المشاركة المدنية، من خلال جمعيات النفع العام.

وفي رؤيته لمعالجة هذه الأوضاع، في ما يخص مسألة الفساد تحديداً، يرى الباحث أهمية تأكيد ثقافة المسؤولية في أوساط هذه المؤسسات، وأن تتولى الجهات الرسمية تقييم أدائها والتأكد من سلامة توظيف أموالها، مع عدم إغفال المعالجة التشريعية.

وفي ما يتعلق بدور مؤسسات المجتمع المدني في محاربة الفساد في إطار وطني، أشار إلى أن الأمر يتطلب حُسن توظيف إمكاناتها، وتوفير المناخ السياسي والاجتماعي والبيئة التشريعية التي تمكنها من متابعة الأداء الحكومي.