دول » السعودية

في مسرح الغدر (الداعشي) .. صوت (الملقِّن) يعلو صوت المؤدي

في 2016/02/29

الاقتصادية السعودية-

المسرحية الوحيدة التي يمكن أن تحكم على فشلها قبل أن تبدأ هي المسرحية التي يعلو فيها صوت الملقن المتخفي في الكواليس أو تحت "كمبوشة" المسرح على صوت الممثلين الظاهرين. وهذا ما يحدث اليوم في مسرح الغدر الداعشي حيث صوت الملقن المحرّض، وإن لم يظهر علنا، يعلو فوق صوت شباب مضطرب يكررون، بعيون زائغة ومختطفة، الكلمات ذاتها عند كل تصوير، باختلاف الغادر والمغدور.

«لا تفزع»

وبينما جرت العادة أن المجرم التقليدي، المسرحي أو الحقيقي، يحاول عبثا إخفاء كل دليل يثبت تورطه. يتهافت "الدواعش" على "مسرَحة القتل" بتصوير جرائمهم وبثها عبر كل الوسائل. مؤكدين للآخرين أن سلاحهم الوحيد والبائس، عدسة كاميرا واتصال إنترنت، يريدون من خلالهما بث الفزع والرعب في نفوس المشاهدين. إذ إن "الإرهاب ينجح بالدرجة الأولى من خلال الآثار النفسية والإدراكية التي يولّدها، وليس من خلال الضرر المباشر الذي يتسبب فيه". هذا ما يقوله جورج داير، المؤرخ والعسكري الكندي المتقاعد. في كتابه عن "الدواعش" الذي عنونه بعبارة مفتاحية يرى فيها الوسيلة الأهم للقضاء على هذا الإرهاب الدعائي وصُناعه "لا تفزع". يذكر أن هذا الكتاب حصيلة عدة سنوات قضاها المؤلف في البحث والتقصي ومقابلة الإرهابيين حول العالم.

عقيدة "الدواعش".. موالاة الغريب وغدر القريب.

وإضافة إلى هذا الغرض النفسي والإدراكي العام يسعى "الداعشي" بشكل شخصي، وفقا لكثير من الدراسات، إلى ما يظنه مغامرة واستعراضا لبطولة زائفة. لا يصدقها أحد سواه، وسوى الملقن، عرابه المتخفي على الدوام. الذي لو كان يشك للحظة أن ما يفعله هذا الخائن يؤدي إلى نعيم الجنة لسبقه إليها - كما يسخر من هذا الوضع كثيرون - لكنه الاستغفال المؤسَس الذي يتلاعب بعقول ونفسيات هشة. ليقودها نحو هذا المصير.

تدوير التطرف

الملقن في مسرحيات الغدر الداعشية ليس شخصا واحدا بعينه. وليس صوتا مسموعا بالضرورة. فقد يكون، في زمن التكنولوجيا وغزارة المعلومة، متداولا كحسبات تواصل اجتماعي، أو نصوص طويلة وقصيرة تحمل عديدا من الأوجه. وكما أن النص "حمال أوجه" كما يقال قديما. الشاشات اليوم ببرامجها وتطبيقاتها المتعددة حمالة أوجه هي أيضا وامتدادات لا نهائية من تدوير الكراهية والتطرف. بينما المتلقي درجات متفاوتة من التقبل والاستعداد لالتقاط هذه الرسائل سلبا وإيجابا.

في مسرح الستينيات والسبعينيات. لم يكن للمسرحية أن تقام دون ملقن و"كمبوشة" يتخفى تحتها. ثم في بداية الثمانينيات بدأت الكمبوشة الخشبية في التراجع والانقراض وبدا دور الملقن هامشيا في تعمد يقصد منه تمكين المؤدي والممثل لو بالارتجال. بينما مسرح الدماء "الداعشي" ما زال بدائيا وتلقينيا. في أدائه وفي غدره وإجرامه على أرض الواقع لا على خشبة المسرح. يبقى أنه مهما قيل عن "الدواعش" فإن فعلهم إجرامي وغير مبرر ولكن هذا النوع من الجرائم لا يمكن أن يكتمل القصاص منه إلا بإظهار الملقن ومحاسبته تماما كما يحاسب المؤدي.

توظيف الكراهية

فبحسب الأبعاد النفسية والاجتماعية لاضطرابات الشخصية التي تصل إلى حدود من الهستيريا قد تنتج عنها أفعال "داعشية" من هذا القبيل الغادر تجاه أقرب الناس. تبقى النفس دائما في حاجة إلى أصوات خارجية تحفز وتحرض على مثل هذه الوساوس الإجرامية التي يُحدث الشخص المتطرف نفسه بها من وقت إلى آخر. وهذا ما يدعو إلى إحكام القبضة على هذه الأصوات، وقطع الطريق عليها، وهي التي تجيء غالبا على نوعين.

الأول، خطابي والثاني مؤامراتي. الأول قد لا يعلم عن الثاني، بينما الثاني يعلم تماما عن الأول. بل يوظفه ويستغله لخدمة أهدافه. فمؤامرات الأعداء بأنواعها الشبكية والاستخباراتية لا يمكن أن تقوم وحدها دون تسخير خطاب تحريضي يعتمد الكراهية والطائفية وما ينشط من رموزهما. سواء كانت هذه الرموز وأدواتها العابثة من داخل الوطن أو من خارجه.

ورغم إقرار كثير من المراقبين بأن الخطاب الديني المباشر لا يتجاوز 2 في المائة من أفلام "داعش" الدعائية. مع تركيز التنظيم على صور القتل ومحاكاة الأفلام الهوليودية في إثارة الرعب وإظهار القوة. إلا أن هذا الأمر لا يعني غياب تأثير الخطاب والتحريض. بل يشير إلى تمكنه على عقود للدرجة التي معها يأتي "داعش" اليوم ليقطف ثماره. وهنا تكمن خطورة هذا التنظيم وسهولة مواجهته في آن واحد. حيث الاستمرار في تجفيف منابع خطابات الكراهية ببعديها الداخلي والخارجي كفيل بقطع الإمداد عن كيانات معادية تستثمر هذا الكره والغضب في إثارة الفتن وتسويقها، تارة بين مذهب وآخر، وتارة بين قريب وقريبه.