ثقافة » مناهج

أثر المناهج السعودية في انتشار الفكر الداعشي

في 2016/03/04

علي ابراهيم مطر-خاص راصد الخليج

منذ أحداث 11 ايلول 2001 والغزو الأميركي للعراق عام 2003 وصولاً إلى ثورة "الربيع العربي" وانطلاق الحرب السورية وإعلان تنظيم "داعش" خلافته في العراق وسوريا، نعاني من استفحال أزمة الإرهاب والأفكار التكفيرية التي ينشرها تنظيم القاعدة من جهة وتنظيم "داعش" من جهة أخرى والتي تغذت وتربت على أيدي التعاليم الوهابية وأفكار الشيخ محمد بن عبد الوهاب وكتبه لا سيما كتاب التوحيد الذي يدرس في المملكة العربية السعودية ككتاب اساسي في المنهاج التربوي.
لا يختلف اثنان على أن فكر السلفية لدى القاعدة أو "داعش" قائم على التعاليم الوهابية ويتغذى من أفكار الشيخ ابن عبد الوهاب واتباعه وإن كان كل فريق منهم يطبق هذه العقيدة بأسلوبها المتشدد، حتى بدأ تنظيم داعش يدرّسها في مدارسه ويضع كتاب التوحيد كمادة أساسية في مناهجه الدراسية التي يلزم بها ابناء المناطق المحتلة في سوريا والعراق.
يجمع الباحثون على أن داعش هو نسخة أصلية عن الوهابية، وأنه ليس ربيبها فقط بل أتى لكي يطبق منهاج ابن عبد الوهاب بحذافيره، ويعمل على أحياء العقائد التي نشرها ابن عبد الوهاب، وهذه الأفكار التي يتبعها لا تختلف عما يطبق في بعض كتب المناهج الدراسية في المملكة أو حتى في الحياة اليومية ومنهاج إدارة البلاد، لا بل إنها في بعض الأحيان تطبق كما أراده اتباع الوهابية المتشددة، وكأن داعش هي الجهة الحقيقية التي أتت لتكمل نهج الوهابية، بحسب ما يشير إليها متخصصون ـ يتتبعون فكر داعش والسياسة المتبعة في المملكة ـ وقفنا لآرائهم.
سوف نستدل في مقالنا هذا على بعض الشواهد الدقيقة، حيث لفتني ما قاله امام جامع المحيسن بالرياض وإمام الحرم المكي السابق عادل الكلباني إن التنظيمات التكفيرية هي "نتاج فكر سلفي وليس إخوانيا أو قطبيا أو صوفيا ولا أشعريا". واضاف إن "هذه التنظيمات "تستدل بكتبنا نحن وبمبادئنا ـ في إشارة إلى (الكتب الوهابية السعودية) ـ نحن لذلك نجد أن أكثر من ينتقد هذه الجماعات ينتقد فعلها ووحشيتها لا الفكر الأصلي والمبادئ التي بنيت على أساسها"، مشيراً إلى أن الاستخبارات الأجنبية تعمل على استغلال من يحمل الفكر "الداعشي"، في تأكيد جديد على ارتباط الفكر "الداعشي" بالفكر "الوهابي"، وتغذية الأعمال الإرهابية بأفكار الوهابية. هذه الأفكار التي طبقت في السعودية وأخذها الإرهابيون كما هي، كيف لا ومؤسس تنظيم القاعدة اسامة بن لادن هو  ابن هذه الوهابية التي دعمته بشكل غير محدود خلال محاربة السوفيات في افغانستان وعملت على تنمية جيل من الدعاة والشباب يتبع منهج البغدادي، فضلاً عن أن الذين ينتمون إلى تنظيم "داعش" من الرعيل الأول للقاعدة تربوا على هذه العقائد.
نتيجة هذه الأفكار وصل عدد المقاتلين السعوديين في تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" إلى أكثر من 8 الاف مقاتل ليعتبر الأول بالمقاتلين الاجانب، وفق بعض الوكالات الأجنبية، كما أقرت صحف سعودية بأن السعوديين هم أكثر من نفذ عمليات انتحارية وهذا ما اكده ايضا المركز الدولي لدراسة التطرف في لندن.
لا بل إننا قد نرى تغيرا كبيرا في الحكم داخل  السعودية، لصالح المزيد من التشدد الذي يعتبر اساس الوهابية، ويعتبر البيئة الحاضنة لتنظيم "داعش"، الذي يضع في استراتجيته الدولة السعودية، وهناك مؤشرات عديدة تبين أن داعش يستعد لتحقيق الوعد الوهابي المؤجل بإقامة الخلافة وضم بلاد الحرمين لها. لا سيما أن هناك فهما خاصا لدى قيادة هذا التنظيم عن الوهابية لجهة ضرورة تطبيقها بحذافيرها والتطبيق المتشدد والحرفي للشريعة الوهابية، وبالتالي فإن هذا التنظيم سينقلب على مربيته من خلال تكفيره لها الى جانب الاهمية الاستراتجية للسعودية. وقد أكد ابو بكر البغدادي في خطبة له عام 2014 وضع السعودية في استراتيجية داعش.
بعد أحداث أيلول/سبتمبر عام 2001، كُتب الكثير في الصحافة العربية والغربية عن ضغوط مارستها الإدارة الأميركية للدفع باتجاه تغيير المناهج التربوية، التي قيل يومها إنها تقف وراء العنف الذي يُمارس باسم الدين.
تؤكد وثيقة "سيـاسة التعليم بالمملكة العربية السعودية" أن "السياسة التعليمية في المملكة العربية السعودية تنبثق من الإسلام الذي تدين به الأمة عقيدة وعبادة". وقد قامت وزارة التربية السعودية خلال سنوات عديدة بنشر أفكار التشدد وطبعت مقررات كتاب "التوحيد" ووزعتها حتى في مواسم الحج.. هذ المقرر ينطلق مما ينص عليه كتاب الشيخ ابن عبد الوهاب ويركز على مفاهيم دينية عدة كالشرك والتكفير ليؤكد من خلال مفهوم الولاء والبراء طاعة الحاكم، وهذا الكتاب يعتمده تنظيم "داعش" في المدارس التي يديرها في المناطق التي يسيطر عليها في سوريا والعراق، كما يعتمد كتبا خاصة به لناحية التاريخ والجغرافيا والعلوم.
وفي المقرر المعتمد لطلاب الصف الثالث ابتدائي في السعودية تصف المناهج الدينية احتفال المسلمين بذكرى الإسراء والمعراج بأنه "بدعة".
المنهج السعودي المتبع جعل الطفل في المملكة ينشأ منذ بداية دراسته على عبارات مشرك وكافر. في مقرر التوحيد الذي اعتمد عام (2005-2006)، يدرس الطفل (دون 7 سنوات) أن "غربة الإسلام" تتجلى "بمظاهر كثيرة منها: كثرة البدع والشرك كالقباب والمشاهد والقبور وتقديس الأشخاص".
هذه المناهج الدراسية تركز مثلاً على مسألة القبور، فتعتبر أن تشييد القباب على قبور الصالحين "بدعة" موجبة للشرك والكفر، وترى أن عبادة الله على هذه القبور مخرج من الملة. ويمكن الرجوع إلى كتاب الصف السادس الابتدائي الذي يؤكد على حرمة الدعاء عند قبور الأولياء. ومثله في ذلك مثل كتاب الصفوف المتوسطية حيث يمكن الرجوع الى كتاب الصف الأول المتوسط الذي يشير في الصفحة 52، إلى أن من بين "من لا تنفعهم كلمة لا اله الا الله: من عبد الله، ولم يعتقد أن عبادة القبور باطلة"، وعلى مثل ذلك يؤكد كتاب الثالث ثانوي صفحة 127.
من المؤسف القول إنه من خلال المقررات الدراسية وتحت عناوين عدة  تُخرج المناهج السعودية فرقاً إسلامية بكاملها من دائرة الاسلام وتكفرها. ما يجعل الانسان في المملكة ينشأ ويتربى ويكبر ويشيب على مصطلحات الشرك والبدع والتكفير ليكفر واقعياً كل من يختلف معه، وهذا ما يؤدي إلى تزايد أعداد المنتمين إلى تنظيم "داعش"، وبالتالي نطرح بذلك مخاوف حقيقية من سيطرة "داعش" على أجزاء من المملكة بعد تأكيده أنها هدف قادم في استراتجيته.