دول » الكويت

سياسة الترشيد والتقشف الحكومي

في 2016/03/21

د. محمد الدويهيس- الشاهد الكويتية-

الإسراف في الصرف الحكومي على العديد من الخدمات منذ الاستقلال أوجد نمطا استهلاكيا لدى العديد من المواطنين لا يمكن تقبله مع الظروف التي تمر بها البلاد هذه الأيام وخاصة مع الانخفاض الحاد في أسعار النفط والعجز المتنامي في الميزانية العامة للدولة.ونظرا لتعود معظم المواطنين على الإسراف في استهلاك واستخدام الخدمات الحكومية واستعمال الكهرباء والماء والمأكل والمسكن وبسبب الفوائض والطفرة المالية التي شهدتها البلاد خلال العقود الثلاثة الماضية بالإضافة إلى تأخر الحكومة عن تحصيل فواتير ورسوم الخدمات الحكومية في أوقاتها المحددة إضافة الى تردد المواطن في دفع هذه الفواتير والرسوم، أوجد أملاً عند بعض المواطنين بأن تسقطها الحكومة أو تقسطها، كذلك فقد ساهم مجلس الأمة من خلال قراراته الشعبوية في سن بعض القوانين والتشريعات التي تزيد عدد وقيمة الدعومات التي تقدمها الحكومة للمواطنين في العديد من المجالات والخدمات الحكومية مثل بدل الايجار ومواد البناء والمسكن والغذاء والعلاج في الخارج.

وفي ظل تكرار الفوائض المالية سنة بعد سنة واستمرار تقاعس الحكومة في عدم تحصيل مستحقاتها  أوجد انطباعا لدى أغلب المواطنين بأن الحكومة ليست جادة في تحصيل هذه الرسوم والمستحقات المالية، بل وسريان العديد من الاشاعات بين المواطنين بأن الحكومة سوف تلغي هذه الرسوم والمستحقات المالية، بعد كل هذه السنوات من عدم جدية الحكومة في تحصيل مستحقاتها المالية وفي أول عجز للميزانية العامة للدولة بعد سنوات الفوائض المالية المتتالية، تطالب الحكومة المواطنين بشد الحزام والاستعداد لتخفيض الدعومات الحكومية بشكل جذري، وبأن السكين قد وصلت العظم وأن موس الحلاقة سيصيب الجميع بدون استثناء، هذه التصريحات الحكومية رغم صدق بعضها، الا انها لم تجد القبول من عامة المواطنين بسبب عدم انتهاجها الاسلوب العلمي في وضع سياسة الترشيد والتقشف.

على سبيل المثال فقد أدت سياسة التقشف التي اتبعتها الحكومة البريطانية الى اعلان وزير العمل والمعاشات البريطاني ايان دنكن سميث عن تقديم استقالته من الحكومة بسبب خلافات حادة حول الموازنة الجديدة التي تضمنت مزيدا من اجراءات التقشف. وقال دنكن سميث في رسالة استقالته انه لن يستطيع الدفاع امام الرأي العام عن الموازنة التي اقرتها الحكومة «حيث تضمنت الموازنة اجراءات تقشفية اضافية استهدفت الأسر الفقيرة والاعانات المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة». وبأن الموازنة تخدم أصحاب المداخيل المالية الكبيرة من دافعي الضرائب وأن اجراءات التقشف التي تتبعها الحكومة البريطانية ذات طابع سياسي محض وليست سياسة اقتصادية تخدم المصلحة الوطنية، أتمنى ألا تكون اجراءات التقشف وترشيد الانفاق التي تنتهجها الحكومة الكويتية هذه الأيام تسير على نهج وخطى الحكومة البريطانية.

إن الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الكويتي ذو طبيعة وتركيبة خاصة ويتطلب من راسمي السياسة المالية والاقتصادية استخدام اجراءات وأساليب ابداعية وخطط استراتيجية جديدة في التعامل مع الأزمة الاقتصادية، حيث إن سياسة الدولة الريعية وتقاعسها خلال العقود الماضية عن تحصيل مستحقاتها المالية، أوجد توجهات وسلوكيات ليس من السهل تغييرها بقرار يتخذ في جلسة حوار واقناع لأعضاء مجلس الأمة، الأمر يتطلب أكثر من ذلك، حيث ان عملية تغيير الأنماط المعيشية والسلوكيات البشرية التي تعود عليها معظم المواطنين في زمن دولة الرفاه ليس من السهل التخلي عنها بمجرد جرة قلم.

إن النهج التقشفي والترشيدي الذي تنوي الحكومة اتخاذه يحتاج الى مشاركة السلطة التشريعية واقتناعها بالاجراءات الحكومية المتخذة بهذا الخصوص، كما يتطلب الأمر مشاركة المواطن وجمعيات النفع العام وجمعيات المجتمع المدني في سياسة خفض الدعومات الحكومية واجراءات تطبيقها وأهمية مشاركة وسائل الإعلام المختلفة الحكومية والخاصة في توعية المواطنين بأهمية وحتمية اجراءات الترشيد والتقشف الحكومي.

والاستعجال في تطبيق اجراءات خفض الدعومات والترشيد والتقشف الحكومي بدون وجود خطة استراتيجية ادارية وإعلامية توعوية وخارطة طريق للسياسات الاقتصادية والمالية التي تنوي الحكومة اتخاذها، سيؤدي حتما لنتائج ليست بالصالح العام، خاصة في ظل وعي واطلاع المواطنين من خلال الوسائل الإعلامية المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي المتعددة على العديد من أماكن الهدر ومواضع الصرف والتبذير الحكومي في نواح عديدة في الجهاز الحكومي وفي المشاريع الحكومية الكبرى بالإضافة لعدم وجود الرقابة والمتابعة الحكومية الفاعلة لوقف هذا الهدر.

إن مشاركة المواطن والسلطة التشريعية ومؤسسات النفع العام ومؤسسات المجتمع المدني في اتخاذ السياسات والقرارات والاجراءات التقشفية وخفض الدعومات الحكومية لم يعد خيارا بل أصبح واجباً ومطلباً أساسياً لنجاح السياسة الاقتصادية والمالية التي تنتهجها الحكومة في زمن العجز المالي والأزمات المالية والاقتصادية الحالية.