سياسة وأمن » تصريحات

أوباما والسعودية.. تباعد التوجهات واختلاف الرؤى

في 2016/03/24

شؤون خليجية-

منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية والرئيس أوباما يعمل على إحداث تحول استراتيجي في علاقات أمريكا الخارجية، خاصة في منطقة الخليج العربي، بالرغم من التحالف الاستراتيجي، الذي يربط دول المنطقة بالولايات المتحدة على مدار العقود الست الماضية، والذي وصل لدرجات غير مسبوقة عقب الاحتلال العراقي للكويت، ونجاح الولايات المتحدة في إقامة قواعد عسكرية في دول الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، إلا أن ذلك على ما يبدو لم يكن يرضي الرئيس أوباما، الذي عمد إلى التقارب مع إيران تحت زعم التخلص من برنامجها النووي، واعتبار ذلك نجاحًا استراتيجيًا لإدارته، بعد سنوات طويلة من الشد والجذب مع إيران، على خلفية امتلاكها التكنولوجيا النووية المحظورة دوليًا، الأمر الذي أقلق الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية، على اعتبار أن إيران تمثل العدو التقليدي لدول الخليج، خاصة بعد أن ظهر جليًا دورها في دعم بقاء الرئيس السوري بشار الأسد، وإيصال الحوثيين إلى سدة الحكم في اليمن، والسيطرة على مفاتيح الحكم في العراق، ونجاحها في تطويق السعودية والممالك الخليجية، واقترابها من النجاح في مشروع الهلال الشيعي، الذي تمهد له منذ فترة طويلة، وجاءت ثورات الربيع العربي لتمثل بالنسبة لها فرصة كبيرة لتحويل الحلم إلى حقيقية، وفرض نفسها كأمر واقع ليس فقط على دول الخليج العربي، وإنما على المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، التي لم تكتف بالتقارب مع إيران، وإنما باتت تضغط وتدعو دول الخليج للتقارب والتعايش معها لتحقيق السلام في المنطقة، ولم يكتف أوباما بذلك، بل وحمل السعودية مسؤولية إزكاء الحروب بالوكالة والفوضى في سوريا والعراق واليمن، الأمر الذي أغضب السعودية، ودفعها لأن ترد على تصريحات أوباما، التي يبدو أنها خلقت حالة من الجفاء في العلاقات (السعودية – الأمريكية)، وأثارت غضب أطياف عديدة داخل دوائر صنع القرار الأمريكي، خوفًا من تأثير تصريحات أوباما الأخيرة على مستقبل التعاون مع دول الخليج العربي، لما تمثله من مصلحة كبيرة لأمريكا في منطقة الشرق الأوسط.

صدمة التصريحات وردود الفعل عليها

على الرغم من أن مواقف الرئيس الأمريكي أوباما من دول الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، ليست جديدة، إلا أن تصريحاته الأخيرة قد أصابت النظام السعودي بصدمة كبيرة، ليس لكونها تحمل سهام النقد للمملكة، ولكن لكونها تحمل النظام السعودي والمملكة مسؤولية الحروب المشتعلة في سوريا والعراق واليمن، الأمر الذي يضر بسمعة ومكانة المملكة في أوساط الرأي العام العربي، ليس هذا فحسب، بل ومن شأن ذلك أن يؤثر على دور المملكة في المنطقة وخارجها، وذلك في مقابل تقوية الدور الإقليمي المتعاظم لإيران.

كما تمثل التصريحات ضغطًا كبيرًا على النظام السعودي، من شأنه أن يحول بينه وبين القيام بدوره الحيوي في الدفاع عن جواره الإقليمي، ومنع إيران وحلفائها من التمدد فيه، مثلما هو الحال في اليمن، التي تشهد حربًا ضروسًا ما بين السعودية وحلفائها من جهة، وما بين جماعة الحوثي وعلي عبدالله صالح المدعومة من إيران، وتحتاج فيها المملكة إلى دعم الولايات المتحدة لوضع حد للتدخل الإيراني، بدلًا من توجيه سهام النقد اللاذع للمملكة السعودية، التي تعاني من التدخلات الإيرانية في شؤون المنطقة.

وتمثلت الصدمة الكبرى في إظهار أوباما لنواياه الداخلية، وتأكيده للتحول الذي شهدته السياسة الخارجية الأمريكية خلال الفترة الأخيرة، وخشيتها من أن ألا يكون أوباما بذلك يعبر عن توجهاته الشخصية، وإنما يعبر عن فصيل عريض من صناع القرار في مختلف المؤسسات الأمريكية، وأن ذلك لن يقتصر على فترة أوباما، وإنما قد يمتد لمن يخلفه في البيت الأبيض، سواء كان جمهوريًا أو ديموقراطيًا، إذ من شأن ذلك أن يضر ليس فقط بعلاقات البلدين، وإنما بالأمن والاستقرار في منطقة الخليج، لأنه قد يعمق من الصراعات الدائرة في المنطقة، ويزدها اشتعالًا، خاصة بعد ترك الساحة للدب الروسي ليعلن صراحة عن وجوده ودوره في تحديد مستقبل المنطقة.

لذلك جاء الرد السعودي سريعًا وحاسمًا، ليعبر ليس فقط عن صدمة النظام السعودي من تصريحات أوباما وبيان فضله على الولايات المتحدة في المنطقة وخارجها، وإنما للتأكيد على رفض السعودية للتحول الأمريكي، والتعبير عن إمكانية البحث عن شركاء جدد، وهم كثر حسب التصريحات السعودية الرسمية، والإضرار بالمصالح الأمريكية في المنطقة.

وقد تزامن الرد السعودي مع موجة من الانتقادات الداخلية موجهة للرئيس أوباما، تعكس ضعفه وعجزه عن اتخاذ مواقف إيجابية إزاء الصراعات التي تشهدها دول المنطقة، وتحديدًا الأزمة السورية، التي ترك العنان فيها للدب الروسي ليقول فيها كلمته وليعلي فيها مصالحه، وذلك على حساب الدور الأمريكي المتعارف عليه من قبل الأنظمة والحكومات العربية، فحسب العديد من الخبراء، لولا تيقن روسيا من ضعف أوباما وعجزه عن اتخاذ أي إجراء رادع للتدخل الروسي في سوريا، لما أقدمت روسيا على التدخل في سوريا بهذا الشكل.

وحسب الخبراء والمحللين، ظهر الضعف الأمريكي بشكل جلي بعد تراجع الرئيس أوباما عن قراره بتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، عقب قيامه باستخدام أسلحة محظورة دولية ضد الشعب السوري في الغوطة الشرقية، مما أدى إلى مقتل المئات وسط مرأي ومسمع من العالم أجمع، واكتفائه بقيام روسيا بالضغط على الأسد للتخلي عن السلاح الكيماوي الذي يملكه.

وفي هذا الصدد رأي الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي، أن الرئيس أوباما اختزل ما يجري في منطقة الشرق الأوسط في صراع بين السعودية وإيران، وخوضهما حروبًا بالوكالة، وهذا توصيف مزعج تجاهل الربيع العربي، مؤكدًا أن السعودية وإيران يستحيل أن تتفقا على ملفات الخلافات بينهما في المنطقة، فإما أن تصطف السعودية مع إيران في رفض الربيع العربي، أو تصطف إيران مع السعودية وتدعم الشعب السوري بدلًا من دعمها بشار الأسد، وكلا الأمرين مستحيل.

واعتبر خاشقجي أن دعوة أوباما السعودية وإيران إلى اقتسام الشرق الأوسط فيها لمسة استعمارية، وليس من حق الرياض وطهران "صنع يالطا جديدة" لاقتسام المنطقة.

من جهته اتهم الباحث في معهد هدسون والخبير في شؤون الشرق الأوسط والأمن القومي مايكل بريجنت، إيران بأنها "دولة إرهابية وراعية للإرهاب، وهي تريد أن تصبح قوة نووية في المستقبل، كما تسعى لزعزعة استقرار السعودية والبحرين، ومن غير المنطقي أن يطلب أوباما من القوى السنية في المنطقة تغيير موقفها من إيران".

ورأي آخرون أن الرئيس أوباما مرتبك ويحاول أن يظهر نجاح سياسته الخارجية، وذلك على خلاف الحقائق على الأرض، والتي تؤكد أن مكانة الولايات المتحدة تراجعت على الصعيد الدولي بشكل كبير، ومن شأن استمرار سياسات أوباما على هذا النحو أن تضر بالمصالح الأمريكية في المنطقة ضررًا بالغًا.

تفسير تصريحات أوباما

يشير علماء السياسة إلى أن الرئيس أوباما يحاول أن يظهر أنه صاحب مدرسة مختلفة في السياسة الخارجية عما كان متبعًا في السابق، وأنه لذلك عمد إلى إحداث تغيير جذري في قواعد اللعبة المتبعة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة منذ عقود طويلة.

ورأي هؤلاء أن أوباما يسعى منذ فترة لأن يترك وراءه «إرثاً إيديولوجياً»، إلى جانب «إرثه السياسي» الذي عمل على الترويج له منذ بداية ولايته الثانية.

ويدللون على ذلك بحديثة لمجلة «ذي أتلانتك»، التي نشرت له ولفريقه ما يزيد على ثلاثة وثمانين صفحة تتضمن خلاصة عقيدته، التي بدأت بالظهور في مقابلة مع توماس فريدمان نُشرت في صحيفة «نيويورك تايمز»، في أبريل الماضي، والتي تتلخص في عدم اللجوء إلى خيار القوة والتدخلات العسكرية في أي صراع في العالم.

ويأتي على رأس تلك الصراعات ما يحدث في سوريا من حرب ضروس راح ضحيتها مئات الألوف من الأبرياء، حيث فسر أوباما تراجعه عن توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، بأنه وجد نفسه تحت ضغوط داخلية وخارجية دفعته إلى إعلان نية التدخل العسكري في سوريا في عام 2013، إثر التقارير التي تحدثت عن استخدام غاز السارين في الغوطة؛ إلا أنه كان يعتقد بأنه لا يجب عليه أن يعرّض الجنود الأميركيين لخطر كبير، من أجل تجنّب كوارث إنسانية، إلا في حال كانت هذه الكوارث تشكل خطراً على الولايات المتحدة، أو على إسرائيل، ومن ثم طالما لم يصل الخطر الذي يشكله نظام الرئيس السوري بشار الأسد إلى مستوى هذه التحديات، فلا داعي للتدخل حتى لو أبيد الشعب السوري عن بكرة أبيه.

وهي حسابات خاطئة، لأنها أتت على مصداقية ودور الولايات المتحدة في المنطقة، وأثرت بشكل كبير على مصالحها وحلفائها في المنطقة، والذين صاروا أقرب إلى الصين وروسيا منهم إلى الولايات المتحدة.

وفي الواقع إن تصريحات أوباما تعكس ضغوطًا داخلية وخارجيه كبيرة لدفعه للتحرك، سواء لحل الأزمات المشتعلة في الشرق الأوسط، أو لدعم حلفائه مثلما فعلت روسيا مع الرئيس السوري بشار الأسد، الأمر الذي دفعه لقطع الطريق على الجميع من خلال تصريحاته المستفزة للسعودية، التي حملها مسؤولية الصراعات والحروب الطائفية المشتعلة في المنطقة.

كما تعكس تلك التصريحات حالة الضعف والتردد الشديدة التي يعيشها الرئيس أوباما، الذي يخشى توريط نفسه في صراعات المنطقةـ مثلما سبق وفعل الرئيس جورج دبليوبوش في العراق وأفغانستان، ومن ثم تحميله مسؤولية ذلك الفشل في المستقبل، ما يجعله يفضل الصمت والمراقبة عن بعد، وترك الجميع يقاتل بعضه البعض دون تدخل من الولايات المتحدة، وذلك على الرغم من حدة الانتقادات الموجهة لشخصه، والتي وصلت لدرجة تصريح محمد بن زايد بأن الولايات المتحدة يقودها رئيس غير جدير بالثقة، وكذلك ملك الأردن عبدالله الثاني، الذي صرح بأنه يؤمن بقوة أميركا أكثر ممّا يفعل أوباما.

التحول في سياسة أمريكا الخارجية

نجح أوباما في إحداث تحول ملحوظ في السياسة الخارجية الأمريكية، بعد أن عمد إلى الابتعاد عن حلفائه التقليديين، ونقل مركز الثقل في السياسة الخارجية الأمريكية إلى منطقة شرق آسيا، معتبرًا أن التهديد الحقيقي المحتمل أن تواجهه الولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة، يتمثل في التنين الصيني، الذي ينمو وبقوة ويهدد مناطق النفوذ الأمريكي في قارة آسيا.

ولذلك عملت إدارة أوباما على تغيير نمط تحالفاتها في منطقة الشرق الأوسط، وفي القلب منها منطقة الخليج، وبدأت في التقارب مع إيران، وإرسال إشارات لدول الخليج بأنها لن تبقى إلى ما لا نهاية تدافع عن أمن واستقرار دول الخليج، وهو ما تأكد خلال الفترة الماضية، خاصة بعد أن رفضت الولايات المتحدة أن تشارك السعودية في التحالف الدولي، الذي شكلته لقتال جماعة الحوثي في اليمن، بعد أن أصبحوا يمثلون تهديدًا مباشرًا لأمن واستقرار النظام السعودي الحاكم في المملكة، بالرغم من الدعم السعودي الكبير للولايات المتحدة، سواء في حربها ضد تنظيم داعش في سوريا والعراق، أو في مواجهتها لتنظيم القاعدة في العراق وأفغانستان.                                    

فحسب بعض المحللين، تأمل إدارة الرئيس باراك أوباما في إقامة "توازن" بين الخصمين الخليجيين، الرياض وطهران، سعيًا لوضع حد للحروب التي تهز المنطقة، مثل الحرب المدمرة في سوريا. فبعد تجربة تدخلاتها العسكرية في الشرق الأوسط في العقدين السابقين، راهنت الولايات المتحدة على اعتماد سياسة انفراج مع عدوها اللدود الإيراني، بعد 35 عامًا من القطيعة في علاقاتهما الدبلوماسية، مجازفة بذلك بإهمال حليفها السعودي.

وقد لخص فريدريك ويري الباحث بمؤسسة كارنيغي للأبحاث، رؤية الرئيس أوباما بقوله: "إن رؤية أوباما بالنسبة للخليج تقوم على التوازن، الذي من شأنه أن يسهل على الإدارة الأمريكية الانسحاب (من الشرق الأوسط) والتوجه إلى آسيا"، على ما أوضح الباحث، مشيرًا إلى سياسة "إعادة التموضع" الأميركية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، التي يسعى أوباما لانتهاجها منذ 2009.

ولم يقتصر التحول في السياسة الخارجية الأمريكية على إيران، بل تعداه إلى الأزمة السورية، فعلى الرغم من تركها الروس ليتدخلوا وبقوة في مسار الأزمة، ويعملوا على تغيير دفة الصراع لصالح النظام السوري، الذي كاد أن يسقط لولا الدعم الروسي القوي، الذي نجح في استعادة العديد من المناطق من يد المعارضة السورية، إلا أن الإدارة الأمريكية قد وقفت وبقوة في وجه السعودية وتركيا، عندما أبديا رغبة في التدخل البري في سوريا لإعادة التوازن ما بين النظام والمعارضة مرة أخرى.

إذ نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرًا أعده الكاتبان إريكا سولومون وسام جونز، تحدثا فيه عن الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة على كل من تركيا والسعودية؛ لمنع تدخلهما العسكري في سوريا، الأمر الذي أثار غضب أنقره والرياض، بسبب ما يعتبرانه فشلًا أمريكيًا واضحًا لتبني موقف أكثر حسمًا من نظام بشار الأسد.

انعكاس توتر العلاقة على الأزمات المشتعلة

على الرغم من محاولة الرئيس أوباما تلطيف أجواء العلاقة مع المملكة العربية السعودية، من خلال إعلانه زيارة المملكة العربية السعودية الشهر المقبل، إلا أن التوتر الخفي في العلاقات (الأمريكية – السعودية) من المرجح أن يستمر حتى انتهاء ولاية الرئيس أوباما الثانية، إذ من الصعب أن يغير الرئيس أوباما قناعاته خلال تلك الفترة القصيرة المتبقية، فضلًا عن أنه ـ وكما هو واضح من تصريحاته ـ لا يرغب في اتخاذ أي قرارات يتحمل مسؤوليتها بعد تركه رئاسة البيت الأبيض، حتى ولو كان ذلك في صالح الولايات المتحدة، ودورها الإقليمي والدولي في منطقة الشرق الأوسط.

ويعني ذلك استمرار الدور الأمريكي المتراجع فيما يتعلق بالأزمة السورية، في مقابل ترك العنان للدور الروسي، الذي نجح في أن يجعل لنفسه مكانة ليس فقط في سوريا، وإنما في الشرق الأوسط بأكمله، إذ نجح الروس بالرغم من التشكيك في قدرتهم على الصمود في تحقيق أهدافهم من التدخل في سوريا، وإيصال رسائل لقادة وحكومات الدول العربية أنهم شريك يمكن الاعتماد عليه وقت الشدة، وأنه يدعم حلفاءه ليس فقط بالكلام، وإنما بالفعل مهما كلفه ذلك من خسائر، ليس هذا فحسب، بل ونجح كذلك في الحفاظ على مصالحه في سوريا، خاصة فيما يتعلق بضمان بقاء قاعدة طرطوس البحرية وإضافة قاعدة جوية جديدة إليها، لتصبح لروسيا الكلمة العليا في مستقبل الأوضاع السورية، حتى بعد تخفيض عدد القوات الروسية المقاتلة في سوريا، وذلك على غير رغبة الإدارة الأمريكية التي شككت في الخروج الروسي من سوريا، ما يعني أن روسيا لم تنسق مع الإدارة الأمريكية قبل إعلان خطوة الخروج، مثلما نسقت معها قبل المشاركة العسكرية في سوريا، وهو ما أصاب المؤسسة العسكرية الأمريكية بصدمة شديدة، جعلها ترفض طلب وزير الدفاع الروسي للتنسيق الأمني فيما يتعلق بالهدنة القائمة الآن في سوريا، ورد الفعل الروسي، الذي هدد أمريكا بالقيام بالترتيبات الأمنية بشكل منفرد، وهو ما يمثل ضربة موجعة للدور الأمريكي في سوريا والمنطقة.

الأمر كذلك بالنسبة لتطورات الأوضاع اليمنية، فعلى الرغم من أن أمريكا لم يكن لها دور كبير في تطورات الأحداث في اليمن، إلا أنها كانت تتابع بكثب وتعمل بشكل أو بآخر من خلال الأمم المتحدة، لتحقيق التوازن على الأرض والضغط على الجميع للتوصل إلى اتفاق سلام مشترك، وذلك على أساس أنها تريد أن تبقى الأوضاع متوترة، بحيث تظل هناك حاجة خليجية للدور الأمريكي، إلا أن إصرار المملكة وحلفائها على وضع حد للوجود الحوثي في اليمن، من شأنه أن يعجل بالقضاء على حركة الحوثي وجماعة الرئيس علي عبدالله صالح.

فتوتر وفتور العلاقات السعودية – الأمريكية، قد يدفع بصناع القرار في الولايات المتحدة لمحاولة إرضاء النظام السعودي، خوفًا من اتجاهه ناحية الدب الروسي، الذي بات يعرض خدماته على دول الخليج، بالشكل الذي يضر بالمصالح والوجود الأمريكي في المنطقة، ولذلك قد تشهد الفترة المقبلة تراجعًا في التوجهات الأمريكية الخاصة بتوطيد العلاقة مع النظام الإيراني، بل وفرض المزيد من الضغوط الاقتصادية عليه، بحيث لا يقدر على مواصلة دعمه لجماعة الحوثي في اليمن، مما قد يسهل على المملكة وشركائها إنهاء القتال الدائر هناك منذ فترة، وإجبار الحركة على الانصياع للإرادة الدولية، والاعتراف بالرئيس الشرعي عبدربه منصور، وإخلاء العاصمة والمحافظات التي استولت عليها، حفاظًا على ما تبقى لها من قوة، والحيلولة بين التحالف الذي تقوده السعودية، وبين القضاء على كافة مقدرات الحركة في اليمن.

لذلك يتوقع أن تشهد الفترة المقبلة محاولات أمريكية حثيثة للتقارب مع المملكة، خاصة وأن توتير العلاقات معها لا يصب في صالح الولايات المتحدة، ولا في صالح الحفاظ على مصالحها في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما قد يساعد النظام السعودي، إذا ما واصل الضغط على الإدارة الأمريكية الحالية، في تحقيق العديد من المكاسب على صعيد الأزمات والتحديات التي يواجهها داخليًا وإقليميًا.