دول » السعودية

الوابلي: أيقونة التنوير

في 2016/03/31

 العربيعلي الشريمي- الوطن السعودية-

الوابلي الذي أعرفه، كان مثالا حيا لإنسانية الإنسان في تسامحه مع الآخرين، ونموذجا ساطعا في نزاهة الموقف وشجاعة الرأي، ومناضلا في الدفاع عن حرية الكلمة فجعت الأمة العربية بغياب علم من أعلامها التنويريين العظام، هو الكاتب والمفكر السعودي الدكتور "عبدالرحمن الوابلي"، لا شك أن الفقيد كان ظاهرة مميزة، وصاحب ذهن وقّاد وذاكرة عظيمة، يضاف إلى قائمة الكواكب الثقافية المضيئة في الوطن العربي، بدءا بمحمود أمين وفؤاد زكريا ومحمد عابد الجابري ونصر حامد أبو زيد وأخيرا غازي القصيبي.

أخبرني صديق حضر جنازته، أنه لم ير قط مثل ذلك التنوع في الجموع من كل الأطياف والأعراق التي جاءت من مختلف المناطق والمشارب للتعزية في فقيد الوطن. ولكن ما إن لمح طرف ابتسامة على وجهي حتى سألني عن السبب، فقلت له: إذا كانت له كل تلك المكانة والشعبية المتنوعة والمحبة، وهذه الجماهيرية، وهذا ما لا أشك فيه، فلم إذا حاول البعض أن ينال منه وهو بين يدي الله؟

هز صديقي رأسه ولم يجب على تساؤلي!، فقلت له لأنه قارع في حياته قوى الشر والفساد والظلام والرجعية المتخلفة، وصارع التيارات الدينية المتعصبة والمتشددة، وكرس قلمه في مواجهة أنصار ودعاة الخرافة والأسطورة وأعداء النور والاجتهاد والتغيير.

الوابلي الذي أعرفه عن قرب، كان مثالا حيا لإنسانية الإنسان في تسامحه مع الآخرين، ونموذجا ساطعا في نزاهة الموقف وشجاعة الرأي، ومناضلا صلبا وفذا في الدفاع عن حرية الكلمة وحرية الإنسان، وقد قوبلت أفكاره وطروحاته سواء في مقالاته أو عبر ما كتبه من قصص وسيناريوهات تلفزيونية، بمعارضة ضخمة من قوى التخلف والظلامية، نظرا لشجاعته وجرأته في الطرح.

الوابلي، عندما كان يتحدث عن خطورة التشدد والتطرف وجرائمه، لم يكن إعلاميا، يسعى إلى الشهرة، ولكن كان يكتب عبر دراسات علمية دقيقة، وهو أستاذ التاريخ، إذ كان يكتب وهو ضليع في معرفته بتاريخ التيارات المتشددة والمتطرفة في الماضي والحاضر، وليس من خلال أيديولوجية متعصبة، وعقيدة متصلّبة غير قابلة للأخذ والرد، ولم تكن غايته من كشف فضائح وآثام الجماعات المتشددة والمتطرفة والإرهابية، والتي ألحقت أضرارا بالغة بالأمة أن يكون في عداء مع الدين القويم السمح الذي تجهله هذه الجماعات، بل كان عاشقا للدين، فلطالما كان يتحدث معي بالساعات الطوال عن عظمة شخصية الرسول الكريم في التاريخ الإسلامي، حتى إنه قال لي في إحدى المرات مازحا بلهجته القصيمية: "يا علي، ما عليك، تراني إسلامي في داخلي".

كان الدكتور الوابلي مفكرا وباحثا متعمقا، ينطلق من العقل في بحوثه ومداخلاته، وكغيره من المثقفين المستنيرين يدعو إلى تجديد الفكر الديني.

وقدم خلال قلمه كثيرا من الأفكار العقلانية الواعية، والآراء التنويرية المشعة. وبرحيله تفقد وتخسر الثقافة العربية مثقفا وأكاديميا ملتزما، ومفكرا إنسانيا عاش واحدا موحدا في سلوكه وفكره.

إنها مشيئة الله في أن يترجل الوابلي في يوم الجمعة الماضي، وهو اليوم الذي خصصه الراحل الجليل لنشر مقالته الأسبوعية، وكما كنت حريصا صباح كل يوم جمعة على قراءة مقاله في "الوطن السعودية"، كنت أفتح على الموقع وعيني متلهفة على ما يسطره قلمه من كلمات، وكنت دائما أسأل نفسي من أين كان يستمد الوابلي حيوية القلم؟ ما سر هذه الطاقة العجيبة التي لا تنضب بفعل عوامل الزمان والمكان؟ ولكن يبدو إنها قضية الإيمان، الإيمان المطلق بالمبادئ والقضايا، لم يثنه عن ذلك إلا الموت، إنها مشيئة الله.