تواصل » فايسبوك

مواقع التواصل.. شهرة افتراضية

في 2016/04/04

البيان الاماراتية-

لم يقتصر حضور مواقع التواصل الاجتماعي على شغل أوقات الكثيرين وحسب، بل تجاوز ذلك للاستحواذ على حياة البشر؛ إن جاز التعبير؛ حتى باتت الصفحات الشخصية على تلك المواقع الافتراضية وكأنها وجوه للناس تعكس تواصلهم الضعيف أصلاً، فبدلاً من الزيارات العائلية للسلام والاطمئنان صارت علامة الإعجاب أو التعليق عبر «فيسبوك» هي الوسيلة الأكثر تداولاً.
بلا شك فإن الإنترنت وأدواته قد سهلا حياة الناس وقربا المسافات بينهم وألغيا الحواجز، ولكن؛ مع كل خير يأتي شر إذا ما أسيء الاستخدام، ومن شرور وسائل التقنية والأدوات الحديثة، أن كثيراً من ضعاف النفوس أخذوا يبثون سمومهم ويتغولون على خصوصية الأنام، فترى أحدهم يريد زيادة متابعيه على صفحته الشخصية، فيرسل «عابثاً» صور الآخرين الخاصة، أو يبث مقاطع فيديو شنيعة، وفي كثير من الأحيان ينشر الناس الشائعات فتتلقفها الأعين وترددها الألسن، كل ذلك بغرض وحيد وهو شهرة افتراضية، وللشهرة فاتورة أيضاً.

تلك الشهرة التي حصدها البعض بأعمال إيجابية حفزت آخرين على انتهاج الطريق ذاته، ولكن هاجس الشهرة السريع طغى على نتاجهم الفكري وما كانوا يبثونه عبر هذه الوسائل، فتحول المجتمع وأفراده أداة للوصول إلى تلك الغاية، فلم تكن مشاعرهم الإنسانية رادعة لهم ولم يكن وعيهم بالقوانين والتشريعات كافياً للنأي بهم عن التجاوزات.

حول هذه الظاهرة قال الدكتور أحمد العموش عميد كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة الشارقة، إن وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة وإدمان البعض عليها يقف خلف الظواهر والتصرفات السلبية التي يعاني منها مجتمعنا في الوقت الحالي، حيث أصبحت الشهرة وزيادة المتابعين هاجساً يسعى له البعض دون الاكتراث للتنازلات التي يقدمها الشخص عن إنسانيته أو كرامته في بعض الأحيان، مشيراً إلى أن بعض المواقف التي نشاهدها في حياتنا اليومية صادمة ولا نمتلك أمامها الجرأة الكافية لالتقاط المشهد.

ويتساءل العموش كيف نتجرد من مشاعرنا عندما نشاهد حادثاً مروعاً وعمليات إنقاذ وإصابات في غاية الخطورة أو حريقاً يلتهم مكاناً ما أو أي مشهد آخر وتسول لنا أنفسنا بتوثيق الموقف ونشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون أدنى تفكير في العواقب الاجتماعية والنفسية التي تعصف بالمتضررين وذويهم، منوهاً إلى أن مثل هذه المقاطع التي يتم تداولها بصورة سلبية ويتعدى انتشارها الحدود الجغرافية للدولة، يسهل استغلالها من قبل المتربصين في نقل الشائعات وتلفيقها في غضون دقائق قليلة قبيل أن يعلن عنها من مصدر رسمي.

مشاهد ساخرة

وأوضح أن هذه الظاهرة التي استشرت في المجتمع ودخلت فصولاً جديدة تخلى بموجبها البعض عن عادات وتقاليد مجتمعه ولجأ إلى إنتاج مشاهد ساخرة تخدش حياء المجتمع وتسيء لسمعة شبابه من منطلق البحث عن المعجبين وباتت تحدياً يجب مواجهته برفع درجات التوعية، مشيراً إلى أن الإعلام يجب أن يلعب دوراً كبيراً من خلال تثقيف المجتمع بالمخاطر التي تترتب على هذه السلوكيات.

وأكد العموش أنه يجب على الأسر أن يكون لها دور أكبر في الرقابة على الأبناء، ومحاورتهم في الجوانب النفسية، وتوجيه طاقاتهم في المسار الصحيح وبصورة تبعدهم عن الفراغ الذي يمكن أن يدفعهم للبحث عن وسيلة للخروج من هذه الفجوة دون التفكير في سلبياتها، مشيراً إلى أنه من الضروري أن تعي الأسرة أهمية تأسيس أبنائها على الثقة بالنفس كون ذلك الوسيلة الأمثل لمواجهة الرغبات الطائشة التي يعاني منها بعض الشباب بسبب ضعف قدراتهم.

شهرة زائفة

من ناحيته أشار المحامي سالم ساحوه إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي فضاء واسع للإبداع، ولمحبي الشهرة الزائفة من خلال نشر مقاطع فيديو أو صور معينة، قد تخدش الحياء الاجتماعي في مجتمعنا المحافظ، مشيراً إلى أن هناك قوانين رادعة بخصوص نشر مثل هذه الأمور عبر حسابات التواصل الاجتماعي وأهاب بالجمهور عدم متابعة من يقوم بمثل هذه الأفعال.

ولفت إلى ضرورة توعية الشباب بالقوانين عن طريق النصح والإرشاد قبل محاسبتهم قانونياً، وذكر أنه يتابع حالياً قضية تعرض في إحدى محاكم الدولة، تقدمت فيها امرأة بشكوى ضد طبيب تخدير قام بإرسال مقطع فيديو خدش حياءها عبر تطبيق «الواتس آب»، ما أدى إلى صدور حكم غيابي ضده من المحكمة بالحبس 7 أشهر مع غرامة قدرها 250 ألف درهم كتعويض.

خطافة الرجال

وأوضح أن مثل هذه الأحكام تطال كل من يستغل وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة خاطئة، مشيراً إلى قضية أخرى جرت ملابساتها حين قامت إحدى أعضاء المجموعات على «الواتس» بسب أخرى في نفس المجموعة قائلة لها «أنت خطافة الرجالة»، فقامت الأخيرة برفع دعوى ضدها واعتبرتها المحكمة جنحة سب وقذف ووصلت العقوبة إلى الحبس والغرامة المالية.

ومن ناحيته أكد اللواء محمد سعيد المري مدير الإدارة العامة لخدمة المجتمع في شرطة دبي، إلى أن مواد القانون تجرم كل من يستغل مواقع التواصل الاجتماعي استغلالاً سيئاً، مثل التعدي على حرمات الناس وغير ذلك من الأفعال والظواهر السلبية، غير أن الرادع الحقيقي في الفضاء الإلكتروني هو الأخلاق، من خلال عدم نشر صور تسيء إلى المجتمع أو تظهر سلبياته بشكل يتعارض مع الضمائر الإنسانية.

التزام شخصي

وأوضح أن المبادئ والالتزام الشخصي هما المحكمان الأساسيان في مسألة نشر الصور والمقاطع على الشبكة العنكبوتية، لافتاً إلى أنه في السابق وقبل انتشار الأجهزة الإلكترونية والهواتف المحمولة المزودة بكاميرات، كانت الصورة تحمل معنى جميلاً وتنقل ذكرى ذات قيمة، أما اليوم فأصبحت تستغل لتشوه المجتمعات مستشهداً ببعض المقاطع والصور التي نشرها البعض حول الأضرار التي تسبب بها تقلبات الأحوال الجوية التي تعرضت لها البلاد خلال الأسبوع الماضي.

وأهاب اللواء المري بضرورة خلق الثقافة المجتمعية بين الناس وغرسها في الأبناء منذ الصغر، وعدم استغلال الشهامة في الحصول على الشهرة، عبر التصوير «السيلفي» أثناء إنقاذ شخص ما أو القيام بالأعمال التطوعية وغيرها من الأمور للبحث عن الشهرة الزائفة.

وأوضح أن الإعلام الفضائي سلاح ذو حدين، إما أن يبني مجتمعات أو يهدمها مثل ما حدث في ما يسمى بالربيع العربي.

أحكام شرعية

وقال الدكتور أحمد بن عبد العزيز الحداد مدير إدارة الإفتاء، إن وسائل التواصل الاجتماعي يجري عليها من الأحكام الشرعية عند الله وعند الناس ما يجري على سائر أفعال المكلف وأقواله، فإذا أحسن استخدامها فيما ينفع نفسه أو غيره أجر وشكر، وإن استخدمت فيما يضر نفسه أو الآخرين أوخذ بتصرفاته، فيتعين على مستخدمها أن يحاسب نفسه بتبعات هذا التصرف إيجاباً وسلباً، ومعلوم أن نيل الشهرة بما يكون فيه إساءة للآخرين يعتبر جرماً في حق الآخر، يعاقب عليه القانون، ومن حق هذا الآخر أن يقاضيه للإساءة.

وأضاف أنه قد أخبر النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ عما رآه ليلة أسري به، وكان مما رأى رجلاً يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فلما سأل جبريل عليه السلام عنه ؟ قال له: «إنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق». وهو ما يكون في هذه الوسائل التي تبلغ الآفاق في سرعة الضوء، وكذلك نشر المقاطع المخلة بالآداب؛ فإنها من الأمور المحرمة لما فيها من إشاعة الفحشاء التي نهى الله تعالى عنها، لأنها تلوث المجتمع وتسيء إليه وتفسد كثيراً من الناس.

طرق للربح

أكد سالم ساحوه أن حسابات التواصل الاجتماعي الشخصية عبر «الفيسبوك» أو التويتر أو الإنستغرام، أو حتى «السناب شات»، أصبحت تستغل كطريقة للربح من خلال عدد المتابعين، مشيراً إلى أن الكثير من المطاعم على سبيل المثال تجتذب هؤلاء الأشخاص ممن لديهم أعداد هائلة من المتابعين ليصورا مقاطع وصوراً في هذه المطاعم ومن ثم نشرها عبر حساباتهم كإعلان مقابل اشتراكات مجانية والحصول على وجبات طعام مجانية.


3 قوانين تجرم من يسيء استخدام المواقع الإلكترونية

أشار العقيد الدكتور جاسم خليل ميرزا مدير إدارة التوعية الأمنية بشرطة دبي، إلى أن هناك سلوكيات مرفوضة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مثل نشر الإشاعات، أو نشر صور الآخرين، وازدراء الأديان، وذكر على سبيل المثال الشاب الذي تطاول على الإخوة المسيحيين في عيد المسيح، وآخر قام بتصوير جواز ميسي ونشره عبر حساباته، مشيراً إلى أنه حين تقوم الشرطة باستجوابهم يدعون الجهل بالقانون أو النشر على سبيل الدعابة.

وأكد أن هناك ثلاثة قوانين في الإمارات تجرم كل من يسيء استخدام المواقع الإلكترونية، وهي أولاً السب والقذف عبر هذه المواقع وتكون عقوبتها الحبس لمدة 3 سنوات وغرامة تصل إلى 250 ألف درهم، وثانياً قانون التمييز والكراهية وازدراء الأديان والتعرض للمقدسات، وعقوبتها الحبس والغرامة المالية بقيمة مليون درهم، وأخيراً قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية.

وأشار إلى أن الإدارة أطلقت الأسبوع قبل الفائت حملة «فكر وتواصل» لتوعية الشباب ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي من كل شرائح المجتمع حول إيجابيات وسلبيات هذه المواقع، وأهمية احترام خصوصية الآخرين، لافتاً إلى أن هذه المواقع تعتبر فضاء مفتوحاً ولابد له من ضوابط.

وبين أن الحملة تحث الشباب على الاستفادة من إيجابيات وسائل التواصل الاجتماعي باعتبار أن الكلمة أمانة، داعياً الشباب إلى التفكير جيداً قبل إعادة نشر كل ما يصل إليهم.

سنجل: "البزنس" دافع البعض

ومن جهته قال العميد الدكتور علي سنجل مدير المركز الصحي بشرطة دبي، إن آلية عمل مواقع التواصل الاجتماعي قائمة على عدد المتابعين والإجابات، لذا فالبعض يسعى إلى جذب المزيد منهم حتى لو كان ذلك على حساب القيم والمبادئ بغرض الشهرة الزائفة، لذا فهم يتبعون مبدأ السبق الصحافي لنشر الصور والمقاطع وحتى الأخبار من دون التحقق من صحتها ومن دون مراعاة توافقها مع القوانين أو القيم المجتمعية أو مدى خطورة المادة المنشورة، والقانون لا يحمي المغفلين.

وقال إن قنوات التواصل الاجتماعي أصبحت قنوات لـ«البزنس»، وللأسف الشديد فإن البعض يصدق كل ما ينشر على حسابات من يسمون أنفسهم بـ«البلوجرز»، نظراً لشهرتهم الكاذبة وحجم متابعيهم وحجم الإعجابات التي تحصل عليها المواد المنشورة على حساباتهم.