علاقات » خليجي

«ستراتفور»: دول الخليج .. توافق في الأولويات واختلاف حول الطرق

في 2016/04/06

ستراتفور - ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-

توقعات

(1) سوف تحافظ التهديدات الأمنية على تماسك مجلس التعاون الخليجي الذي يخضع بشكل كبير لنفوذ أكبر أعضائه، المملكة العربية السعودية.

(2) سوف تعمل كل دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي على إصلاح اقتصادها وتنويعه، ولكن هذه الدول سوف تتخذ طرقا مختلفة تجاه هذا الهدف.

(3) سوف تسعى دول مجلس التعاون الخليجي ككل للتعاون الاقتصادي الشامل لجذب الاستثمارات الأجنبية، وفقا لنموذج لدولة الإمارات العربية المتحدة.

تحليل

كما هو الحال في جميع دورات الازدهار والكساد، فإن انخفاض أسعار النفط يؤثر على سلوك الدول التي تعتمد على النفط في جميع أنحاء العالم مما يدفعها إلى تنويع اقتصاداتها وخصخصة أصولها النفطية في محاولة للحد من خسائرها. دول مجلس التعاون الخليجي، السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين وسلطنة عمان، هي من بين أكثر الاقتصادات المعتمدة على النفط والغاز الطبيعي في العالم. وعلى الرغم من أنها قد ناقشت طويلا قضية الإصلاح الاقتصادي وحققا قدرا من التقدم فيها، فإن هذه الجهود قد صارت اليوم أكثر إلحاحا لاسيما في ضوء الاعتراف بأن أسعار النفط قد تظل منخفضة على مدى السنوات الخمس المقبلة أو أطول من ذلك.

في أعقاب أزمة النفط التي وقعت خلال السبعينيات، ثم الانسحاب البريطاني من منطقة الشرق الأوسط في عام 1971، تم تأسيس مجلس التعاون الخليجي في عام 1981 لتسهيل التعاون الاقتصادي والأمني ​​بين الدول الست الأعضاء. بعض الدول التي تعتبر الآن منافسة لدول المجلس كانت جزءا من المناقشات الأولية لتشكيله. في عام 1976، اجتمع وزراء خارجية من دول مجلس التعاون الخليجي الحالية ومن إيران والعراق في مسقط، بسلطنة عمان، للنظر في سياسة الأمن والدفاع الإقليمية المشتركة. في ذلك التوقيت أيضا كان هناك مسحة من عدم الثقة في النفوذ الاقتصادي والعسكري الإيراني في المنطقة، على الرغم من أن الحذر من علامتها التجارية الخاصة من الإسلام لم يبدأ إلا بعد قيام الثورة الإسلامية في عام 1979. استمرار المنافسة مع إيران على الهيمنة السياسية والاقتصادية قد دفعت دول مجلس التعاون الخليجي إلى مواءمة نفسها مع المملكة العربية السعودية، أكبر قوة مضادة للمصالح الإيرانية في المنطقة. في الواقع، فإن المملكة العربية السعودية، التي تمتلك عدد سكان أكبر من سائر دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة، هي من تقود هذا التنسيق الأمني.

الالتزام نحو الأمن

بسبب الرغبة المشتركة في مواجهة التحديات الأمنية، فإن دول مجلس التعاون الخليجي سوف تستمر في تنسيق الاستجابة لقضايا الأمن الإقليمي على الرغم مما بينها من الاختلافات الأيديولوجية والسياسية. لا تزال الرؤى المتنافسة حول مستقبل الشرق الأوسط، على سبيل المثال بين حكومة دولة قطر والمملكة العربية السعودية، تتسبب في بعض النزاعات. الدعم الذي تقدمه قطر لجماعة الإخوان المسلمين وبعض الجماعات الإسلامية الأخرى ولبعض جماعات المعارضة الإسلامية في سوريا كثيرا ما يضعها في خلاف مع الدول الخليجية الأخرى، كما تسبب في تعقيد العلاقات مع بعض الدول الصديقة لمجلس التعاون وعلى رأسها الأردن ومصر. وقع أحدث مثال على هذا الصراع في مارس/ آذار عام 2014، عندما قامت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين بسحب سفرائهم من قطر، متهمين إياها بتهديد أمن دول مجلس التعاون الخليجي، بعد أن رفضت قطر الالتزام بالاتفاقية الأمنية التي وقعتها كل دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.

ومع ذلك، فإن قطر لا يزال ينظر من قبل الدول القوية في مجلس التعاون الخليجي، مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، باعتبارها قوة شاردة تحت السيطرة، نظرا لقيامها بدعم الجهود التي اتخذتها المملكة العربية السعودية مؤخرا لمواجهة الإرهاب. وسوف تبقي التهديدات التي تكتنف منطقة الخليج ككل الدول الخليجية الصغيرة، بما يشمل قطر، معتمدة على المملكة العربية السعودية وقوتها العسكرية التي توسعت مؤخرا مع تدخلها في اليمن وتشكيلها لتحالف عالمي لمكافحة الإرهاب. وقد أثبتت العمليات العسكرية المشتركة التي قادتها قوات درع الجزيرة، التي بلغ تعدادها 30 ألفا ويقر مقرها ويأتي تمويلها الرئيسي من المملكة العربية السعودية، مدى فاعليتها في حماية أعضائها من خلال تدخلها في البحرين خلال الربيع العربي. اليوم، تشعر دول مجلس التعاون الخليجي بالقلق بفعل التهديدات التي يشكلها جيرانهم غير المستقرين بما في ذلك سوريا والعراق واليمن. من وجهة نظرهم، فإن هذه البلدان تشكل أرضا خصبة للجماعات المتطرفة وأماكن يمكن لإيران تعزيز نفوذها خلالها، وهذا هو السبب في دول مجلس التعاون الخليجي تقوم بتوفير الدعم دبلوماسيا وعسكريا وماليا لوكلاء في جميع أنحاء المنطقة لتشكيل وإدارة الحكومات.

وبصرف النظر عن التعاون العسكري، تواجه دول مجلس التعاون الخليجي تحديات مشتركة حين يتعلق الأمر بموازنة اعتمادها على عائدات الطاقة وإدارة المعارضة السياسية والتنافس مع إيران، لكنها في كل حالة تتعامل مع هذه التحديات بأساليب مختلفة نوعا ما. التحديات الاقتصادية التي تواجه كل دولة تتطلب حلولا محلية مختلفة، وسوف تصرف كل دولة تركيزها إلى إدارة الشؤون الاقتصادية والخارجية الخاصة بها. على سبيل المثال، فإن كل من قطر وسلطنة عمان تنتهجان سياسة أكثر توسطا تجاه إيران، ما يسمح لهما بالاستفادة من إقامة علاقات تجارية مع إيران. وإذا كانت السعودية تحتل المرتبة الأولى خليجيا عندما يتعلق الأمر بالمسائل العسكرية، فإن الإمارات العربية المتحدة تحتل الصدارة على الصعيد الاقتصادي. وتعمل دولة الإمارات العربية المتحدة لتنظيم التعاون الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي لتقديم المجموعة إلى مجتمع الاستثمار الدولي كوجهة مرغوبة للاستثمار الأجنبي. هذا المزيج من القيادة العسكرية والاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي سوف يبقيه موحدا على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.

إنشاء أنظمة متماثلة

يعتمد النموذج القيادي لدولة الإمارات العربية المتحدة على تقديم نفسها كمثال للسياسات المشتركة التي يرغب في تطبيقها، بما في ذلك تنفيذ إصلاح القطاع الضريبي والمصرفي وتطبيق ضريبة القيمة المضافة وهي كلها أمور ستجعل من دول مجلس التعاون الخليجي في مواقع استثمارية أفضل خلال السنوات المقبلة. أحد النقاط التوجيهية في ميثاق دول مجلس التعاون الخليجي ترشد إلى أهمية تأسيس «نظم مماثلة بين الدول الأعضاء في جميع المجالات بما في ذلك المجالات الاقتصادية والمالية». تم التركيز على تطبيق ضريبة القيمة المضافة بقيمة 5 في المائة في منطقة الخليج الحساسة ضريبيا نظرا لأنه يمكن تطبيقها وتعديلها بمرور الوقت لتصبح أكثر شمولا كما أنها تستند أيضا على أنماط الاستهلاك بدلا من التركيز على الدخل الشخصي الذي قد تثير الضرائب عليه سخطا كبيرا. وقد تم تعيين ضريبة القيمة المضافة بقيمة موحدة للحد من التهريب عبر الحدود بين دول مجلس التعاون الخليجي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن بقية دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية والبحرين التي تمتلك قطاعات مصرفية كبيرة، تقوم بتطبيق لوائح تحاكي البنك المركزي لدولة الإمارات العربية المتحدة الذي يمتثل للوائح المصرفية العالمية «بازل 3» في محاولة لجذب المزيد من الاستثمارات.

تتمتع دول الإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر بوضع مالي أفضل من أقرانها في مجلس التعاون الخليجي لأنها يمكنها تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية بشكل أكثر بطئا بفضل احتياطياتها الكبيرة، إضافة إلى صناديق الثروة السيادية ذات الاستثمارات المربحة على المستوى العالمي، فضلا عن كونها تحوي عدا أقل من السكان. المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين وسلطنة عمان، من ناحية أخرى، ليس لديها نفس المتسع من الوقت وسوف تبدأ في الشعور بضغوط اقتصادية مكثفة. هذه الاختلافات الاقتصادية تترجم إلى استجابات متنوعة إلى تراجع أسعار النفط طويل الأمد. الجهود المبذولة لتنويع مصادر الدخل في كل دولة يمكن أن تنتج حلولا قد تكون مؤذية أكثر مما تكون نافعة. الحد من عبء الأجور على الحكومة في كل دولة هو أحد الأولويات، ولكنها تتصادم مع خطط التوطين التي تم وضعها لتوظيف المواطنين في مختلف القطاعات. . زيادة فرص العمل في القطاع الخاص هي واحدة من القضايا الرئيسية التي لم يتم حلها بشكل شامل لأنه مرتبط بقضايا حساسة تشمل الدوافع والقيم الثقافية والرؤية. لا يزال القطاع الخاص يناضل من أجل تقديم وظائف جيدة بأجور جذابة للمواطنين. حكومات مجلس التعاون الخليجي تحاول ببطء أن تضبط أمورا مثل الدعم والضرائب، ولكن ذلك يأتي في مواجهة معارضة من الأجيال التي تعودت على طريقة البلاد الأثيرة في توزيع الثروة النفطية على المواطنين عبر توظيفهم في القطاع العام.

يتم معالجة مسألة إصلاح الدعم بطرق مختلفة أيضا. كما هو الحال مع مخططات التوطين، فإن حل كل مشكلة يمكن أن يتسبب في مجموعة أخرى من المشاكل. شهدت البحرين تغييرات أشمل حتى الآن؛ حيث تم تخفيض أو إلغاء الدعم على اللحوم والخضروات والتبغ. حاولت الكويت إلغاء دعم المواد الغذائية في أواخر عام 2015 لكنها واجهت معارضة شعبية لخطتها. قامت عمان من جانبها بطرح فكرة تطبيق ضريبة الاستهلاك الشخصي لكنها لم تسنها بعد. يمثل دعم الوقود وإصلاح أسعار الطاقة تدابير متفق عليها بين دول مجلس التعاون الخليجي ولكن يجري التعامل معها بطرق مختلفة بين الدول.

الضرائب والرسوم على الشركات الأجنبية، وخاصة في قطاع النفط، يجري تطبيقها بالفعل على نطاق واسع، على الرغم من أن ذلك لم يمتد ليطال الشركات المحلية. سوف يمثل فرض الضرائب على الشركات المحلية تحولا كبيرا في السنوات المقبلة وسوف يكون خروجا جذريا عن الهيكل الضريبي المألوف لدول مجلس التعاون. وقد واجهت الجهود الرامية إلى إدخال الضرائب باستمرار معارضة كبيرة في دول مجلس التعاون الخليجي يعود تاريخها إلى العشرينيات خلال فترة توطيد الدولة السعودية. اليوم فإن الكويت وسلطنة عمان كانتا أولى الدول في تطبيق الضرائب على الشركات: 15 في المائة في عمان و 10 في المائة في الكويت، بينما تستعد المملكة العربية السعودية لتطبيق ضريبة على الأراضي. هذه الضرائب تتماشى مع سلسلة توصيات جاءت بعد مشاورات بين صندوق النقد الدولي مع وزراء دول مجلس التعاون الخليجي ومحافظي البنوك المركزية، تم خلالها اقتراح فرض ضريبة القيمة المضافة جنبا إلى جنب مع الضرائب على الممتلكات الفردية، وضرائب الدخل للشركات وتدابير الحد من الإنفاق الحكومي.

تبدو المملكة العربية السعودية بشكل خاص محاصرة من أجل دفع الخصخصة والتنويع، بسبب عدد سكانها المرتفع نسبيا. وقد اعتاد السعوديون على التوظيف في القطاع العام أو الوظائف مرتفعة الرواتب في القطاع الخاص وربما المساعدات الحكومية والتي لن تكون مجدية في ظل انخفاض أسعار النفط، وبراغماتية نائب ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان». في فترات سابقة من انخفاض أسعار النفط، كما هو الحال في منتصف الثمانينيات، فقد سعت دول مجلس التعاون الخليجي إلى خفض إنفاقها الحكومي ولكنها سرعان ما لاقت ممانعة من مجتمع الأعمال، وخاصة في المملكة العربية السعودية. حاولت الكويت أيضا التصرف بناء على نصائح صندوق النقد الدولي في منتصف الثمانينيات عبر تخفيض الإنفاق الحكومي من خلال إلغاء الدعم وتطبيق ضرائب أثقل ولكنها لم تستطع تمرير هذه القرارات من خلال البرلمان. سوف تواجه الضرائب أنواعا مختلفة من المعارضة على أساس القضايا السياسية في كل دولة. من غير المرجح، على سبيل المثال، أن قررا بتطبيق ضريبة دخل على الشركات بقيمة 10 في المائة يمكن أن يمر بسهولة عبر البرلمان الكويتي.

اتحاد يتغير ببطء

من الناحية السياسية، سوف يكون من الصعب أن تقوم دول مجلس التعاون الخليجي بإصلاح أنظمتها المعقدة بشكل سريع نظرا لصلة هذه القرارات بتغييرات في العقود الاجتماعية القائمة في البلاد. سوف يكون التغيير الأكثر جذرية من نصيب العقد الاجتماعي السعودي ما يجعل القيادة السعودية الحالية تواجه الوضع الأكثر خطورة بين الملكيات الخليجية. دول مجلس التعاون الخليجي، في مقابل الاتحادات السياسية الأخرى مثل الاتحاد الأوروبي، هي اتحاد أمني أكثر من كونها اتحاد اقتصادي، على الرغم من أن قضايا الأمن والسياسة كانت حاضرة كعوامل رئيسية في تـأسيسه.

مع إعلان البنك المركزي السعودي مؤخرا في فبراير/شباط أن المعروض النقدي في المملكة يعاني انخفاضا للمرة الأولى منذ أكثر من عقد من الزمن، فمن الواضح أن المملكة العربية السعودية تحتاج إلى الأمن الذي تجده في اتحاد دول مجلس التعاون الخليجي الذي تقوده. دولة الإمارات العربية المتحدة، من جانبها، سوف نرى دورها في رسم مثال اقتصادي للدول الأعضاء الأخرى سوف يحشد مزيدا من الاهتمام خلال السنوات المقبلة.