اقتصاد » مياه وطاقة

هل تنهار دولة الرفاهية في الخليج بعد أربع سنوات؟

في 2016/04/12

سامية عبدالله- شؤون خليجية-

دولة الرفاهية بالخليج صارت مهددة فقط في غضون سنوات قليلة ربما أقل من أربع سنوات تتفاقم فيها أزمات الاقتراض لتمويل العجز في ظل انهيار أسعار النفط المصدر الرئيسي لاقتصادها، الأمر الذي يلقي بظلال من التشاؤم بشأن مستقبل اقتصاديات الخليج وشعوبها، وينعكس بالسلب على أوضاع البنوك والبورصة، الأزمة قابلة للتصاعد في ظل التقليل من احتمالات نجاح اجتماع منتجي النفط في الدوحة الخاص بتثبيت الإنتاج.

اقتراض لتمويل العجز

توقع تقرير اقتصادي صدر أمس الأحد 10 إبريل 2016 عن مركز الكويت المالي ("المركز")، أن تقترض دول مجلس التعاوني الخليجي حتى 390 مليار دولار بحلول سنة 2020 لتمويل العجز في موازناتها، في ظل الانخفاض الحاد في أسعار النفط، المصدر الرئيسي لإيراداتها. وجاء في التقرير أنه من المتوقع أن تسجل الدول الست لمجلس التعاون الخليجي عجزا يقدر بـ 318 مليار دولار في 2015 و2016.

ورجح التقرير أن تقترض هذه الدول ما بين 285 مليار دولار و390 مليارا حتى سنة 2020، وقال "المركز" في تقريره أن دول الخليج ستواجه العجز المالي، إما عن طريق الاقتراض أو من خلال اللجوء إلى احتياطاتها المالية الضخمة.

كانت قد تعرضت المالية العامة لدول مجلس التعاون (السعودية، الإمارات، قطر، الكويت، البحرين وسلطنة عمان)، لضغوط كبيرة جراء فقدان برميل النفط أكثر من ثلثي قيمته منذ منتصف العام 2014. وكانت الإيرادات النفطية تشكل أكثر من 80 بالمئة من مداخيل هذه الدول قبل انخفاض الأسعار.

السعودية تخطط للاقتراض خارجيا

قال وزير الدولة السعودي عضو مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية «محمد بن عبد الملك آل الشيخ»، في 5 إبريل 2016 إن المملكة تخطط لدخول أسواق الدين الدولية بالاقتراض خارجيا اعتبارا من سبتمبر المقبل، من خلال إصدار سندات بالدولار.وأضاف أن اصدار السندات الخارجية سيتم في أعقاب قرض مجمع خارجي، إلا أنه رفض تحديد حجمه أو أي تفاصيل أخرى عنه، وكانت معلومات صحفية قالت سابقا إن السعودية تتفاوض لاقتراض 10 مليارات دولار من بنوك عالمية.

من جهتها اقترضت المملكة العربية السعودية العام الماضي 26 مليار دولار من المصارف المحلية، واستخدمت نحو 100 مليار دولار من احتياطاتها المالية التي سجلت 732 مليار دولار نهاية العام 2014.

وأعلنت وزارة المالية السعودية في نهاية فبراير المنصرم تسجيل عجز قدره 87 مليار دولار في موازنة عام 2016، وتعتزم المملكة إعادة تقييم الدعم الحكومي على منتجات أساسية كالمنتجات البترولية والمياه والكهرباء، وقالت الوزارة إن الإنفاق في موازنة 2016 يبلغ 840 مليار ريال سعودي (224 مليار دولار)، مقابل إيرادات تبلغ 513 مليار ريال (137 مليار دولار)، هي الأدنى مستوى منذ العام 2009.

فيما سيتم تمويل العجز "وفق خطة تراعي أفضل خيارات التمويل المتاحة، ومن ذلك الاقتراض المحلي والخارجي وبما لا يؤثر سلبا على السيولة لدى القطاع المصرفي المحلي لضمان نمو تمويل أنشطة القطاع الخاص".

وباستثناء البحرين وعمان، تتمتع دول الخليج باحتياطات مالية هائلة ومستويات منخفضة من الدين العام، ما يتيح لها -بحسب التقرير- الحصول على قروض محلية ودولية كبيرة، وسجلت دول المجلس عجزا يقدر بنحو 160 مليار دولار العام الماضي، مقارنة مع فائض في الميزانية يقدر بنحو 220 مليارا في العام 2012.

وكان "المركز" توقع في تقرير صادر في فبراير، أن يرتفع الدين العام الخليجي إلى 59 بالمئة من الناتج المحلي في خمس سنوات، علما أن نسبته نهاية العام 2015 كانت 30 بالمئة من الناتج فقط.

تشاؤم بشأن اتفاق تجميد الإنتاج         

في مؤشر على تنامي أزمة النفط تراجعت أسعار النفط اليوم الاثنين 11 أبريل، بعد تصريحات بنك "جولدمان ساكس" بشأن التقليل من احتمالات نجاح اجتماع منتجي النفط في الدوحة.

وبحلول الساعة 12:20 بتوقيت موسكو هبطت أسعار الخام الأمريكي بنسبة 0.68% ليصل إلى 39.45 دولار للبرميل، متراجعة بذلك عن أعلى مستوى وصلته قبل ذلك والبالغ 40.49 دولار للبرميل.

وكانت الأسعار ارتفعت أكثر من 6% يوم الجمعة الماضي، بعدما أظهرت بيانات أن شركات الطاقة الأمريكية قلصت عدد منصات الحفر الباحثة عن النفط لثالث أسبوع على التوالي، ليصل إلى أدنى مستوى له منذ نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2009.

وتشير التقديرات إلى أن الإنتاج العالمي الحالي يفوق الطلب على النفط بنحو 2 مليون برميل يوميا، وأفاد بنك "جولدمان ساكس" في تقرير نشره اليوم الاثنين أنه من غير المتوقع أن يتمخض اجتماع منتجي النفط في الدوحة في 17 أبريل عن مفاجأة تدفع الأسعار للصعود.

وأضاف البنك أن تجميد الإنتاج عند مستوياته في الآونة الأخيرة لن يعجل بعودة التوازن للسوق، إذ أن مستويات إنتاج منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" وروسيا في العام الحالي تظل عند متوسطها السنوي المتوقع البالغ 40.5 مليون برميل يوميا.

وذكر "جولدمان ساكس" إن عودة التوازن للسوق ستتطلب بقاء أسعار النفط منخفضة، متوقعا أن يبلغ سعر النفط في الربع الثاني من العام الجاري 35 دولارا للبرميل.

وحذرت مؤسسة "مورغان ستانلي" من أن أسعار النفط الحالية ترجع لتوقفات مؤقتة في الإنتاج، ولا تنم بالضرورة عن اتجاه صعودي للأسعار وصولا إلى سعر ثابت، أو عن دلائل على تعاف أسرع لاختلال التوازن العالمي (بين العرض والطلب) في السوق.

خطورة تكثيف السحب من احتياطاتها العامة

في ظل أزمة انهيار أسعار النفط المصدر الرئيسي للإيرادات الحكومية أصبح الاتجاه السائد لدى معظم دول مجلس التعاون الخليجي هو تكثيف الاعتماد على السحب من الاحتياطات العامة لسد العجز المتوقع في موازناتها، بحسب خبراء ومحللين اقتصاديين، وتشير قاعدة بيانات البنك الدولي إلى أن دول مجلس التعاون الست لديها احتياطات من النقد الأجنبي المقومة بالدولار الأميركي بما قيمته 904.1 مليارات دولار.

ويحذر خبراء من أن استمرار تلك الدول في استهلاك احتياطاتها المالية ستكون له عواقب وخيمة، خصوصاً في حال بقاء أسعار النفط عند مستويات متدنية لسنوات قادمة، وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، فإن الاحتياطات النقدية لدى المملكة العربية السعودية تكفي بالكاد لضمان تحقيق التوازن لفترة لا تتجاوز خمس سنوات، إذا ما ظل سعر النفط عند 50 دولاراً للبرميل، ويتوقع الصندوق أن تكون احتياطات كل من الكويت وقطر كافية لمدة 25 عاماً والإمارات 30 عاماً، في حين تحتاج البحرين وعمان خمس سنوات عند سعر 50 دولاراً للبرميل.

وانخفضت الاحتياطات النقدية السعودية عام 2015 إلى أدنى مستوياتها منذ أربعة أعوام، مع سعي الحكومة لتمويل عجز ميزانيتها بسبب تراجع أسعار النفط العالمية وزيادة الإنفاق الحكومي، وتشكل عائدات النفط أكثر من 90% من الإيرادات العامة للمملكة.

ويرى خبراء أن لجوء دول الخليج إلى السحب من الاحتياطات أمر مقلق لاسيما وأنها تمثل أهم وسيلة للدفاع عن الملاءة المالية للدولة، لذا لابد أن تبقى للظروف الطارئة وغير الاعتيادية. ولذا لابد على دول الخليج الحفاظ على احتياطاتها عند مستويات مرتفعة، وألا تكثف من استخدامها في تمويل عجز الموازنة، على أن يكون هناك نوع من التوازن في تنويع مصادر التمويل بين السحب من الاحتياطي والاقتراض.