السلطة » خلافات سياسية

لا تنشروا غسيلكم على الملأ

في 2016/05/04

هاني الفردان- الوسط البحرينية-

يبدو أننا بلغنا مرحلة معقدة جداً من الإشكالات المرتبطة بعلاقة النواب ببعضهم، وكذلك بقواعدهم التي أوصلتهم إلى مقاعد المجلس في ظروف صعبة مرّت على البلاد فرضت عليها نواباً من نوع معين.

عطفاً على مقال سابق (27 أبريل/ نيسان 2016) بعنوان «هل يقصم (تويتر) ظهر النواب؟»، فإن مشهد الأزمة النيابية التويترية تتفاقم بشكل متسارع وغير مسبوق أو حتى مبرر، حيث بلغ مرحلة متقدمة في العلاقة بين السلطات الثلاث (التشريعية، التنفيذية، والقضائية).

على صعيد الخلافات النيابية الداخلية، فقد طفت الخلافات الشخصية بين أعضاء مجلس النواب في جلسة الثلثاء (26 أبريل 2016)، أثناء مناقشة طلب تقدّم به 3 نواب للانسحاب من لجنة المرأة والطفل، بعد أن طالب نواب بمحاسبة النائب خالد الشاعر على ما ذكره بحقهم في جلسة «السيداو» التي عقدت قبل 3 أسابيع، إذ قال النائب عبدالحميد النجار من النواب «نشر الغسيل على الملأ مرفوض، ونحن في أمر صلح، والصلح له آداب، والمجلس مليء بالمشايخ، ولا ينبغي أن نصفي الحسابات على الملأ».

بعض النواب وليس كلهم، عمدوا إلى «تصفية الحسابات» بينهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حتى بلغت ذروتها عندما قام بعضهم بعمل «بلوك» لآخرين بسبب حدة النقاشات وتبادل الاتهامات، وذلك في عدة قضايا.

على الصعيد الشعبي، فقد نفد صبر النواب على الناس وبالخصوص المغرّدين الذين استغل بعضهم -وهم معروفون- المساحة الموجودة للتعبير في الإساءة للنواب ومجلس النواب، فيما حاول آخرون التعبير عن رأيهم ضمن مساحة النقد الجارح البناء والمباح، فاختلط الأمر على النواب، ليوجّهوا سهامهم إلى عدد كبير من المغردين حتى بلغ مجموع القضايا المحالة إلى النيابة العامة 61 قضية!

حتى هذه اللحظة فإن النيابة العامة انتهت من التصرف في 15 بلاغاً مقدماً من مجلس النواب ضد مغرّدين بالحفظ، وذلك لعدم الجريمة، وجارٍ استكمال التحقيق في العدد الباقي منها. أي إنه حتى هذه اللحظة، لم يثبت للنيابة العامة وجود «جرم» من قبل مغرّدين ضد مجلس النواب، الذي رأى أن هناك كثيرين «أساءوا للسلطة التشريعية»، حتى خرجت النيابة العامة للتأكيد على أنها أولت اهتماماً بالغاً بفحص تلك البلاغات الـ61، مراعاةً لصون كرامة المجلس النيابي وهيبته واعتباره، ومراعاةً في الوقت ذاته للمبادئ المقرّرة عن حرية التعبير والرأي، وتوضّح النيابة أنها قد انتهت من التصرف في 15 بلاغاً بالحفظ لعدم الجريمة.

النيابة العامة رأت أن الـ15 بلاغاً التي حقّقت فيها، لم ترق فيها الشكاوى إلى التعرض للمسئولية الجنائية، وذلك بالاستناد إلى معايير محددة، والمعيار الأول يقوم على أن حرية الرأي والتعبير هي الأصل، وأي قيد على هذه الحرية هو الاستثناء، ولا ينبغي أن يهيمن الاستثناء على الأصل ويكون الاستثناء غير متجاوز لحدوده، فلا يصح التوسع فيه أو القياس عليه.

لقد خلط مجلس النواب في بلاغاته ضد المغردين بين الإساءة لشخص النائب أو النيل من كرامته الشخصية، وبين النقد المتعلق بأسلوب عمل المجلس وكفاءة أدائه في نطاق النقد المباح. ومن حق المغردين كونهم مواطنين، التعبير عن آرائهم ومواقفهم تجاه أداء وكفاءة مجلس النواب، وذلك من منطلق «استهداف الصالح العام واستنهاض المجلس للقيام بأقصى جهده في أداء رسالته».

القضية تطوّرت حتى تحوّلت في جلسة النواب أمس (الثلثاء) إلى سجال نيابي، ومطالبة بعض النواب بغلق كل الملفات، بما فيها ملف القضايا المرفوعة من المجلس ضد المغردين، وذلك بعد أن تم ربط زيارة سمو رئيس الوزراء للمجلس أمس الأول (الإثنين) بقضية المغرّدين، وشكاوى مجلس النواب القضائية.

زيارة سمو رئيس الوزراء وتبيان النيابة العامة بشأن بعض البلاغات المقدمة إليه من قبل مجلس النواب، يكشف عن ضعف فهمٍ لدى بعض القائمين في مجلس النواب، وخلط بين ما هو إساءة شخصية، وانتقاد مباح لأداء المجلس وكفاءته، حتى أصبح من علامات مجلس النواب الحالي، هي مقاضاة أبناء الشعب من منتقديه، وهو ما يعد ظاهرةً غريبةً وعلامةً فارقةً في مسيرة المجلس.

ندعو النواب بشكل عام للانشغال بأمور أكثر أهميةً، تخدم الوطن والمواطنين، بدلاً من السجالات المستمرة في داخل المجلس وخارجه بشأن المغرّدين وملاحقتهم قضائياً، وعدم نشر غسيلهم على الملأ على حد قول أحد النواب.