سياسة وأمن » تصريحات

كيف أصبحت مستعبدا في الكويت؟

في 2016/05/26

لأكثر من شهر، كانت روتيندو مكي (ليس اسمها الحقيقي) تقضي الوقت القليل المسموح لها به للراحة في البكاء حتى النوم. كانت ترتعد بين بطانيتين رقيقتين في خضم الشتاء القارس في الشرق الأوسط، يسيطر عليها التعب والتوتر، تتأرجح أفكارها بين الغضب والأسف والخجل. وفي كل يوم، تتساءل كيف حدثت كل تلك الإخفاقات؟

وبالكاد قبل شهر مضى، كانت على أعتاب ما تعتقد بأنه مستقبل عظيم مع وظيفة في منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط.

كانت شركة عالمية للتوظيف تقدم العمالة من نساء زيمبابوي كخدمات في الكويت براتب شهري 600 دولار أمريكي، و30 يوما إجازة في العام، ومحلات البقالة مجانية كل شهر، ويوم واحد إجازة في الأسبوع.

الخادمات في زيمبابوي محظوظون بحصولهم على مبلغ 100 دولار شهريا.

الكويت تحتل رابع أعلى نسبة دخل للفرد في العالم وسادس أكبر احتياطي نفطي في العالم، وعملتها الدينار، وهي العملة الأعلى قيمة في جميع أنحاء العالم.

وعلى الفور، اتصلت رودينو بالرقم المرفق بنهاية الإعلان، حيث كان الرقم لجيمس مارودزا (وهو الآن يواجه تهما بالإتجار في البشر) وهو من دعاها لمكتب الوكالة في فاينونا، بهراري للمقابلة.

وتروي روتيندو وهي خريجة جامعية، “قال لي إن كل ما هو مطلوب مني جواز سفري، وتصريح من الشرطة، ونتائج اختبار فيروس نقص المناعة و100 دولار أمريكي لتسهيل إجراءات استخراج التأشيرة”.

“قال لي إنه بمجرد بدأ العمل في الكويت، يمكنني التغيير لوظيفة أفضل كمُدرسة للغلة الإنجليزية بعد ثلاثة أشهر فقط”.

وقيل لها أيضا إن الأمر سيستغرق حوالي 10 أيام لاستخراج التأشيرة والتوظيف وذلك بمجرد الانتهاء من تقديم الوثائق والمال.

كل شيء تم إنجازه في غضون خمسة أيام، حيث تلقت روتيندو مكالمة تخبرها أنها ستغادر إلى الكويت في غضون يومين.

“لم أستطع أن أصدق مدى سهولة العثور على وظيفة في بلد أجنبي. كنت متشوقة للغاية ولم أصدق حظي بعد قضاء وقت طويل عاطلة وأبحث عن عمل في زيمبابوي”.

توجهت رودينو لمطار هراري الدولي مع والديها الفخورين بإنجازها وابنها البالغ من العمر ثلاثة أعوام. حيث كان العناق والقبلات هما برنامج اليوم.

وأخيرا، حصل واحد منهم على فرصة أفضل، أو هكذا كانوا يتصورون.

إن عمال المنازل الأجانب بالكويت يكادون يكونون عبيدا يعيشون ويعملون في ظل ظروف بالغة القسوة بأجر قليل أو دون أجر.

قوانين الكفالة في الكويت تنظم العمالة المهاجرة في مجلس التعاون الخليجي، حيث يتم تداول العمال المهاجرين مقابل مبالغ مختلفة تتراوح ما بين 200 دولار أمريكي إلى 3000 دولار.

ويعمل النظام على مراقبة العمال الأجانب لدى المواطنين العاديين كما يمنع الموظفين المتعاقد عليهم من ترك وظائفهم أو الهجرة إلى بلدان أخرى. فالإخلال بالعقد يوصل دائما للسجن.

يذكر أن نحو مليوني عامل منزلي يتم توظيفهم بدول مجلس التعاون الخليجي.

رحلة توريندو أخذتها إلى أديس أبابا، بإثيوبيا كترانزيت ومنها لرحلة أخرى. وهنا كانت المفاجأة، الرحلة الأخرى كانت على متن طائرة أصغر بكثير على متنها نساء من مختلف البلدان الأفريقية.

ثم بدأ الكابوس

في لحظة الهبوط على أرض الكويت، صادر مسؤولو الهجرة وثائقها، جنبا إلى جنب مع الخاصة بجميع النساء الأخريات.

وقالت “لحظة رأى مسؤولو الهجرة أن لدي تأشيرة عمل منزلية، أخدوا جواز سفري وتم أخذي إلى حجرة حيث تم احتجاز عشرات الفتيات الأخريات”.

أمضوا الليل دون طعام أو ماء أو بطانيات وسط درجات حرارة الشتاء. وعلى الرغم من القلق البالغ، حاولت أن تريح نفسها بالتفكير في أن الأمور ستكون أفضل في الصباح.

وأضافت “تم إطلاق سراحي في صباح اليوم التالي عنما جاءت لتأخذنا سيدة تدعى حنان، قدمت نفسها لنا على أنها وكيلنا في العمل”.

و”قامت بأخذنا حيث وسائل النقل العام وحصلنا على حافلة وصلت بنا إلى مكتبها حيث أعدت لنا الشاي والخبز الناشف، وكانت هذه أول وجبة خلال أكثر من 24 ساعة”.

واصطحبتها حنان في جولة من التوجيهات

حيث كانت القواعد بسيطة للغاية: غير مسموح بالهواتف المحمولة، تقوم بما يقوله صاحب العمل الخاص بك، ولا تشكك أبدا في سلطتهم.

بعدها تم تسليم روتيندو عقد عملها مرفق بكل ما قيل وأجبروها على التوقيع، وكانت الوثيقة باللغة العربية.

وحنان “ِشرحت” لها شروط العقد.

يذكر أن عقد العمل كان لمدة عامين في العمل المنزلي، ولا يمكن أن يتم إلغاؤه دون موافقة صاحب العمل.

وهنا وقعت وهي لا تعلم أنها باعت روحها.

وتستند عقود العمل المنزلية وعمال البناء المهاجرين في الكويت بشكل كبير على نظام الكفالة، وتنص على أن العمال لا يمكنهم تغيير العمل أو تركه دون إذن صاحب العمل.

فإذا ترك أحد العمل بدون إذن، فصاحب العمل له سلطة إلغاء التأشيرة له أو لها، ويتم تحويل هذا العامل تلقائيا إلى مقيم بصورة غير قانونية.

يتم ترحيل العمال الذين تم إلغاء تأشيراتهم، ولكن في كثير من الأحيان يتم ذلك بعد قضاء وقت عصيب وراء القضبان.

وقبل أن يجف الحبر على عقد توريندو، جاءت مخدومتها، وهي سيدة عربية تبلغ من العمر حوالي 40 عاما، وأعطت حنان مبلغ 2000 دولار.

وهكذا وجدت توريندو نفسها مستعبدة.

وقالت “عندما وصلت مخدومتي”، كانت حادة جدا في طريقة تعاملها مع حنان. ودفعت 2000 دولار أمريكي، كي تبين بوضوح أنه يتم بيعي كأي شيء.

“قدم لنا العميل أيضا تعليمات صارمة بأنه علينا العمل بجد وإنه علينا أن نفعل كل شيء لإرضاء صاحب العمل. ومن هنا أدركت أنه لا عودة إلى الوراء”.

وعند وصولها لمنزل مخدومتها، أُمرت بتسليم حقائبها وجواز السفر والهاتف المحمول. واوحى لها شيء ما بعدم تسليم هاتفها. لذلك كذبت في أنه ليس لديها واحدا.

بعد ذلك تم أمر روتيندو بأن تحلق رأسها، وتأخذ حمام وترتدي عباءة ممزقة.

كما كان عليها أن تنام في ممر حيث الهواء الطلق وكان يؤدي إلى الفناء الخلفي، واستخدام المرحاض الخارجي والذي أصبح لاحقا غرفة نومها حيث تهرب من البرودة بالخارج.

وقيل لها إن اسمها الجديد هو كارداما

وفي تلك الليلة، قالت إنها نامت في الخارج بين بطانيتين ممزقتين. حيث كان يغلب عليها البكاء فقط.

وكان الروتين اليومي الخاص بها يتضمن على الاستيقاظ في 4:00 والقيام بالأعمال المنزلية والتي شملت تنظيف 15 غرفة وستة مراحيض، وغسل الملابس وغسل الأطباق.

وكانت تقوم بكل ذلك في وجود مخدومتها

ورفضت روتيندو دخول العالم الخارجي والتعرض للضرب بكل أنواع الأسلحة إذا اشتكت. حيث قالت إن لديها حرقا من رماد سجائر ألقي في وجهها. وقالت إن راتبها سيكون بقيمة 200 دولار. وإنها لن تتمكن من التوقف عن العمل.

لقد عملت من 17 إلى 20 ساعة ونجت من الزيادة.

اضطرت روتيندو للهرب.

صاحبت الابنة الأصغر لرئيستها وهي فتاة في الخامسة من عمرها، حيث اقنعت روتيندو الفتاة أن تساعدها في الاتصال بالإنترنت، وهذا مكنها من التواصل مع أصدقاء من الوطن، وتنبيههم بمحنتها.

ومن خلال ضربة حظ، واحدة من صديقاتها اتصلت برجل زيمبابوي مقيم في الكويت ومن خلاله تمكنت من التواصل مع مسؤولي السفارة.

وفي نهاية المطاف، وقعت السفارة المسؤولية على حنان، وقامت بالضغط عليها للكشف عن مكان وجود روتيندو. وتهربت حنان ولكن لم ينته الأمر بعد.

وقالت روتيندو “كان شقيق حنان قاسيا جدا، حيث اعتدى علي في عدة مناسبات، وقال إنه سيقتلني ويتهمني بأنني دمرت صفقتهم”.

وأضافت “إنهم يريدون استرجاع الـ200 دولار، وكان مُصرا أنه لن يسمح لي بالمغادرة حتى يتم أخذ هذا المال. وفي عدد من المرات، زارني وفد من السفارة للتفاوض على إطلاق سراحي”.

تم جمع المال بعد بضعة أيام. وبهذا، عادت روتيندو للوطن بحمد الله.

نيوز دي زيمبابوي