دول » السعودية

الموسيقى ليست عورة

في 2016/06/02

نحن نتعاطى مع عقولنا وأفكارنا كعورات أجسادنا، فالأفكار منابع الشهوة واللذة المحرمة، لذا يجب تغطيتها وحجبها ومنعها!

  الضجة الواسعة التي أثيرت على مواقع التواصل الاجتماعي بعد حديث الشيخ المغامسي الذي أدلى به في قناة mbc أنه لا يرى كل الموسيقى على إطلاقها حرام، وأنه لا بد أن يتم التفريق في استخدامها، ذكر في معرض رده على أحد السائلين في تويتر، قائلا: "مسألة الموسيقى جُعلت مطية لحاجة في الصدور فهم فرقاء متشاكسون جمعهم بغضهم لأخيك فالقضية ليست إنكار منكر بل إسقاط رجل معروف".

الحقيقة التي يجب علينا أن ندركها بكل وضوح أن بعضنا "عليمية" في ممارسة حرية الرأي، فنحن نتشدق بها فقط على الآراء التي نتفق معها، ولسان الحال أن نقول "حرية بس عاد لا تتكلمون في البديهيات والمسلمات". نحن نحترم حرية الرأي ولكن دون تناول المواضيع الحساسة والخطيرة، ولذلك نحن "عليمية" نتحدث عن مبدأ حرية الرأي ونوزع في الحال ذاته قائمة كبيرة من المحظورات واللاءات لتصبح الحرية في خبر كان. وسؤالي هنا: هل موضوع الفنون كالموسيقى والغناء من المواضيع الحساسة والخطيرة التي لا يمكن النقاش فيها؟ كيف ذلك وهي جزء من حضارة الشعوب التي تغور عميقا في تراثها وذاكرتها، فلا يكاد يوجد شعب في العالم دون ثقافة موسيقية مهما كانت درجة تقدمه أو تخلفه وفي حياتنا المعاصرة!

لا يمكننا الفكاك بسهولة من صوت الموسيقى وانتشارها العجيب، إذ نسمعها في ردهات الفنادق وأروقتها، وفي المصاعد، ويتسلى بها المسافرون على متن الطائرات وفي الحافلات والسفن. كما أنها تسلي المتسوقين في المراكز التجارية ومراجعي العيادات الطبية وممارسي الرياضة. وأصبحت علاجا قويا في الطب النفسي، ولا يمكن أن تغفلها الأذن في الكثير من المحال والأماكن العامة الأخرى. كما أنها موجودة كذلك في دور السينما والتلفاز والإذاعة وجميع أماكن ألعاب الأطفال والترفيه.

أعتقد أن الإشكال في هذه القضية ليس في الموسيقى بحد ذاتها، بل في عقلية تعشق الحجب والمنع. المشكلة أننا بتنا نتعاطى مع عقولنا وأفكارنا كعورات أجسادنا، فالأفكار هي منابع الشهوة واللذة المحرمة لذا يجب تغطيتها وحجبها ومنعها! وتبقى تلك العقول الشابة بتساؤلاتها الفطرية عورة يجب حجبها وتلحيفها سواداً قاتماً حتى لا تثير غرائز الآخرين، أتعلمون ما هي تلك الغرائز؟ إنها غرائز البحث والمساءلة والمكاشفة للفكر الموروث من أجل تطويره وتجديده، والضحية في كل ذلك هي الروح البشرية، التي تتوق بوعيها للتساؤل المنطقي، وكأننا نتحدث عن بشر محشية عقولهم بأفكار سطحية مقولبة ومسلمات لا يحق لهم مراجعتها وتقويمها. ومقتضى ذلك، أن الذين يسعون إلى فرض وإخضاع البشر لثقافة واحدة أو فكر واحد أو حتى حضارة واحدة إنما يعملون ضد إرادة الله ومشيئته في استمرارية الاختلاف والتنوع والتعدد، فالاختلاف رحمة والأسئلة نعمة، والشك باب دنيا ملؤها الغموض والسحر والانبهار، لكن هناك شرط مهم، علينا أن نسجل في مراكز اللياقة العقلية، فحرية الرأي بحاجة ماسة إلى عقل ذي لياقة ولا يكون ذلك إلا بالتدريب المستمر في رفع أثقال الحرية.

أعلم جيدا أننا في البداية، لكن المسألة بسيطة جدا.. فقط قرر من الآن ومن هذه اللحظة أن تذهب لـ"الجيم".

علي الشريمي- الوطن السعودية-