سياسة وأمن » تصريحات

هل هناك مواجهة سعودية أمريكية قادمة..ولماذا؟

في 2016/06/07

حذر مراقبون من أن الحرب الأمريكية في الدول العربية وسياسة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بمرحلة "البطة العرجاء" بالأشهر الأخيرة ستؤدي إلى توريط السعودية، لأنها ستحصد ما تزرعه واشنطن من شوك وحنظل في سوريا والعراق، وبالرغم من وجود خيارات بديلة تحفظ مصالح الرياض، إلا أن أمريكا تغطي على ترتيبات مشبوهة يجري صناعتها خلف الستار، وعلى التوازي تزيد من تغلغلها العسكري بالمنطقة، فماذا ستفعل السعودية هل ستدخل في مواجهة مع الحليف الأمريكي، أو بحث بدائل أقل خطورة، أم ستكتفي بالفرجة على تكريس أوباما لأوضاع تحول دول المنطقة لما يشبه القنابل الموقوتة؟

السعودية تحصد ما تزرعه أمريكا     

حذر الكاتب السعودي جمال خاشقجي من أن "أميركا «تعك» في عالمنا ولا نملك منعها، وليس مهماً أن نفهم لماذا «تعك»؟ قد لا تستطيع السعودية أن تحل محلها، أو تدفعها نحو الاتجاه الصحيح، ولكن لا يجوز أن نقف متفرجين، إنه عالمنا، ونحن من سيحصد الحنظل الأميركي الذي تغرسه بيننا! وبغض النظر عن السبب الحقيقي لهذا التخبط الأميركي في عالمنا، فإنها تزرع نتيجة جهل، أو بتخطيط سيئ النية، حنظلاً سنحصده في المنطقة بعد سنوات. انتصار إيران والانفصاليين الأكراد في العراق وسورية، لن يلغي «داعش»، وإنما سيكون انتصاراً موقتاً خارج سياق التاريخ، وسيولّد مزيداً من الانقسامات العرقية لتضاف إلى الطائفية التي تلت سنوات الفشل والاستبداد، والنتيجة كارثة نعيشها عقوداً مقبلة.

أمريكا أدارت ظهرها للجميع      

وأضاف خاشقجي في مقال له بصحيفة "الحياة اللندنية" بعنوان "السعودية ستحصد ما تزرعه أميركا الآن في العراق وسورية" "كما استمعت واشنطن إلى ما تقوله القوى الإقليمية المعنية بالأزمة السورية، سعوديين وأتراكاً وقطريين، ولبعضهم مصالح ولديهم أيضاً معلومات. على رغم كل هذا، وبعدما تعاملت مع كل فصائل الثورة، حزمت أمرها، وأدارت ظهرها للجميع، واتخذت قرارها بعيداً من مصالح حلفائها الإقليميين وعن قاعدة الثورة العريضة العربية السنية، التي تشكل غالبية الشعب السوري، واختارت الأكراد ليقودوا عملية تحرير الرقة من تنظيم «الدولة»."

قلق السعودية ..وثلاث خيارات بديلة

ويرى "خاشقجي" أن كل ما سبق يجب أن يثير ريبة وقلق السعودية، تضيفه إلى قلقها المتزايد من «الأميركيين الجدد»، فحتى لو قبلت تبريرهم القتال كتفاً بكتف مع قاسم سليماني، المطلوب للعدالة الدولية، في الفلوجة، تحت فرضية واهية فإنهم غير مضطرين إلى اختيار الأكراد الانفصاليين بمثابة شركاء في الحرب على «داعش» في سورية، ذلك أن أمامهم خيارات ثلاثة أفضل ومتاحة، مجتمعة أو متفرقة.

وتابع:أولها الثوار السوريون، إنهم الاختيار الأصح والطبيعي، فهم يمثلون غالبية الشعب ويطالبون بتغيير النظام، وضد تقسيم بلادهم، وضد «داعش» بقدر ما هم ضد النظام، وفي حال حرب معه، بل إن «داعش» يكاد لا يقاتل غيرهم في شكل جدي، إذ ينسحب أمام تقدم النظام في تدمر، ويخلي قرى أمام تقدم الأكراد، ولكنه يستبسل الآن بالقتال في أعزاز.

السعودية والتدخل البري

الخيار الثاني هو حليف أميركا الاستراتيجي القديم المملكة العربية السعودية، التي ما فتئت تقول إنها مستعدة لأن ترسل قوات برية إلى سورية للقضاء على «داعش»، إذا توافر لها الغطاء الدولي، والمقصود هنا، الدعم الأميركي. ويعلم الأميركي أن السعودية قادرة على تشكيل تحالف إسلامي عريض يمتد إلى ما هو أبعد من الثوار السوريين والأتراك والخليجيين، تحالف كهذا هو الحل المناسب للقضاء على «داعش» عسكرياً وفكرياً، كما أنه مرحب به من السكان المحليين، ولا يتطلب من واشنطن إرسال قوات إلى الأرض وتعريض أبنائها للخطر، يكفي أن تحمي ظهر تحالف كهذا من الروس، ثم تترك للأقوياء في المنطقة إعادة ترتيب منطقتهم.

التدخل التركي     

الخيار الثالث-بحسب خاشقجي- تركيا، التي كررت عشرات المرات رغبتها في إقامة منطقة عازلة في شمال سورية، تكون آمنة لملايين السوريين، عرضت تركيا على الأميركيين عملية مشتركة ضد «داعش»، فلماذا هذا التردد الأميركي مع حلفائها التاريخيين، سعوديين وأتراكاً، وهذه الحماسة للتدخل مع قوى مشبوهة وأقليات، كـ «الحشد الشعبي» في العراق والانفصاليين الأكراد في سورية؟ هل هي تصفية حسابات مع «الإسلام السني» الذي ضرب أميركا في11 أيلول (سبتمبر)؟ إنها جملة خاطئة! فليس الإسلام السنّي من فعل ذلك، وإنما جماعة متطرفة..

التلكؤ الأمريكي     

حزمة من التطورات السياسية والميدانية تعزز فرضية "خاشقجي" بالفعل إدارة أوباما لا تعبأ بالحلفاء التقليديين، بل تورطهم وتعصف بمصالحهم العليا، فبحسب مراقبين تراوح الجهود الدبلوماسية الأمريكية حول سوريا في مكانها، فيما يبدو أنه استكمال لتوجه الإدارة الأمريكية القائم على "إدارة الأزمة" وليس حلها، بينما تشير الوقائع على الأرض السورية أن الولايات المتحدة ترى هي الأخرى مصالحها في سوريا عبر بوابة العسكرة ودعم فئة محددة قريبة منها من القوات التي تقاتل في سورية، كلاهما يرى بالأخر جسر عبور لتحقيق الأجندات الخاصة.

ويعكس فشل الجهود الأمريكية – الروسية المتكررة في الاجتماعات التي عقدت منذ نهاية العام الماضي بما فيها اجتماعات فيينا وجنيف، أن واشنطن ترى قبل روسيا أن الحل السياسي في سورية الآن غير وارد، طالما أن المصالح لم تتحقق بعد، لكن في المحصلة يصب ذلك في صالح نظام بشار الأسد الذي يستفيد من الاندفاعة الروسية لجانبه، وبذات الوقت من التلكؤ الأمريكي، إذ يشير مراقبون إلى أن التصعيد العسكري الأمريكي الحاصل في شمال سوريا لا يثير حفيظة الأسد، طالما أنه لا يمس نظامه.

فيتو أمريكي ضد التسليح     

وفشلت تحركات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، في تحقيق خرق واضح في معضلة الملف السوري، بل زادته تعقيداً لجهة تنصل أمريكا من موقفها الداعم لقوات المعارضة، لا سيما وضعها لـ"الفيتو" على تسليح قوات المعارضة بأسلحة نوعية من شأنها قلب المعادلة العسكرية في سورية لصالح المعارضة.

ويعد ما كشف عنه أحد ضباط وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آيه إيه) في أبريل/ نيسان الماضي، سبباً رئيسياً للقول في أنه من المستبعد أن يشهد الملف السوري تحركات جدية من إدارة أوباما لإنهاء وقف الدماء بحق السوريين.وكان ضابط الوكالة "دوغ لوكس" قد كشف أن أوباما رفض منذ العام 2012 خطة عرضتها "سي آيه إيه" للإطاحة بالأسد عن السلطة، وقال "لوكاس" في مقابلة مع محطة "ان بي سي نيوز" إن أوباما رفض حتى مناقشة الخطة.

التغلغل العسكري الأمريكي      

في المقابل بدا أن إدارة الرئيس أوباما شعرت بخطورة الوجود الروسي الإيراني الواسع في سوريا، عبر تدخلهما العسكري الكبير، فاتجهت هي الأخرى إلى وضع قدم عسكرية لها في الأراضي السورية، بدءاً ببناء قاعدة عسكرية في بلدة رميلان بمحافظة الحسكة، وفقاً لما أكدته صور نشرها معهد "ستراسفور" للتحليلات الأمنية.

وانعكس حجم التدخل العسكري الأمريكي في سورية مع ما كشفت عنه وكالة الأناضول، حيث نقلت يوم الأربعاء الفائت عن مصادر – لم تسمها – أن مستشارين عسكريين أمريكيين أشرفوا الثلاثاء الفائت على تقدم قوات "سورية الديمقراطية" من خلال تركيب جسر حديدي على نهر الفرات في قرية قره قوزاق فوق جسر مدمّر، على الطريق الدولي حلب – الحكسة، وتمكنت تلك القوات من العبور لغرب النهر والسيطرة على عدة تلال وجبال مرتفعة تمهيداً للتقدم باتجاه منبج من محور ثالث "المحور الشمالي الغربي".

فيما سبقها مسؤولون عدة انتقدوا سياسة أوباما حيال سورية، تقول إيفلين فاركاس، النائب السابق لمساعد وزير الدفاع الأمريكي إن المحادثات التي ترعاها أمريكا وروسيا لحل الملف السوري مجرد تمثلية لا نتائج منها.

الحرب الأمريكية وترتيبات مشبوهة

حذر الكاتب خطار أبو دياب في مقال له بعنوان "الحرب الأميركية ضد داعش والاستعصاء السوري" في 4 يونيو 2016 بصحفية "العرب اللندنية" من أن "شمال سوريا يشهد فصلا جديدا من فصول اللعبة الكبرى للقرن الحادي والعشرين وضمن مسلسل ترنح المشرق تحت عنوان "عدة حروب في حرب"، تبدو الصورة غامضة لناحية طبيعة القوى والأهداف النهائية.

وأضاف:"في حقبة “البطة العرجاء” (آخر شهور ولاية باراك أوباما)، تتركز أولوية واشنطن على قيادة المعركة ضد داعش، لكن ذلك لن يفتح تلقائيا كوة في جدار الاستعصاء السوري لأن موسكو تقود، عمليا، مسار الحل السياسي وتوزع نسخا من "دستورها السوري"، وتحاول فرض تركيبة هجينة بين ما يسمى فترة تحضيرية ومرحلة انتقالية كي تفرض الأمر الواقع الأسدي. وهكذا تشكل الإدارة الأميركية للحرب ضد الإرهاب، عن قصد أو عن غير قصد، ستارا من الدخان لحجب الرؤية الحقيقية حيال ما يجري في الكواليس والمطابخ الدولية من ترتيبات مشبوهة ستحوّل سوريا إلى عراق آخر، وتدع اللعبة فيها مفتوحة لصراعات طويلة ومريرة.          

شؤون خليجية-