اقتصاد » ضرائب

428 مليون ريال حجم ضرائب الشركات في السلطنة حتى نهاية نوفمبر الماضي

في 2016/06/09

أدى التراجع الحاد في أسعار النفط إلى وجود حاجة ملحة لتطبيق تدابير لإصلاح المالية العامة للدول المصدرة للنفط، وكان الإصلاح الضريبي من أهم الوسائل التي يتم اللجوء إليها لزيادة الدخل من القطاعات غير النفطية، وخلال الفترة الماضية أقرت الجهات المعنية رفع معدل الضرائب على عدد من الأنشطة الاقتصادية مثل التعدين والغاز، كما تقدم ملف ضريبة القيمة المضافة خطوة مهمة مع التوصل إلى اتفاق بين دول المجلس بشأن الضريبة التي ستمثل تغييرا كبيرا بالنسبة للحكومات وقطاع الأعمال في دول المنطقة.
وتعد الضرائب سلاحا ذا حدين فمن ناحية هي مصدر دخل جيد للمالية العامة ويمكن توظيف عائداتها في زيادة رفد الخزينة العامة وإقامة مشروعات إنتاجية مهمة والمحافظة على مستوى الخدمات الأساسية والخدمات العامة المقدمة للمجتمع، لكن من جانب آخر فإن قطاع الأعمال والشركات التي اعتادت لسنوات طوال على بيئة عمل مريحة فيما يتعلق بحجم الضرائب قد تحتاج هذه الشركات إلى وقت للتكيف مع هذا التغيير الكبير في بيئة الأعمال وما يؤدي إليه من تبعات وأعباء جديدة على الشركات، كما أن بعض أنواع الضرائب ومنها القيمة المضافة قد تؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم وزيادة الأعباء على المستهلك، ولمعادلة هذه الآثار السلبية اختارت السياسات الحكومية البدء بفرض معدل منخفض لضريبة القيمة المضافة وذلك لتقليل آثارها المحتملة، وسيكون على هذه السياسات تحقيق معدلات نمو اقتصادي جيدة واستمرار تقديم الدعم اللازم لتوفير بيئة مشجعة لحفز نمو واستثمارات القطاع الخاص بما في ذلك إصدار التعديلات الجديدة على قانون الاستثمار الأجنبي بما هو منتظر من تحفيزات جيدة للمستثمرين.
وحسب أحدث إحصائيات متاحة فقد بلغ حجم الضرائب على الشركات في السلطنة 428 مليون ريال عماني خلال الـ11 شهرا الأولى من 2015 بارتفاع 4.5 بالمائة مقارنة مع نفس الفترة من عام 2014، وتتوقع الإحصائيات الواردة في موازنة العام الحالي أن إجمالي الإيرادات العامة المتوقعة 8.6 مليار ريال عماني وتتكون من 6.15 مليار ريال عماني إيرادات النفط والغاز بنسبة 72 بالمائة من جملة الإيرادات، في حين تبلغ الإيرادات غير النفطية أي الضرائب والرسوم وعوائد الاستثمار 2.45 مليار ريال عُماني أي بنسبة 28 بالمائة وبالنسبة لإجمالي حجم الإيرادات غير النفطية عن العام الماضي من المقدر أن تبلغ نحو 1.9 مليار ريال عُماني لسنة 2015، وتستهدف موازنة العام الجاري رفع الإيرادات غير النفطية إلى نحو 2.4 مليار ريال عماني بنهاية العام الجاري.
وسبق أن أعلن معالي الوزير المسؤول عن الشؤون المالية أن هناك اتفاقا مبدئيا لتطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 بالمائة في دول مجلس التعاون الخليجي بحلول عام 2018 مشيرا إلى انه لا تزال هناك دراسات في هذا الصدد وقد تكون هناك تعديلات حتى حلول عام 2018 وبشكل عام هذه هي النسبة التي يتم العمل عليها حاليا.
وتعد ضريبة القيمة المضافة ضريبة مركبة غير مباشرة، وتفرض على الفارق بين سعر التكلفة وسعر البيع للسلع المحلية والمستوردة، ويبدو واضحا الآن أن هناك اتفاقا حول المعدل الضريبي وتاريخ التطبيق بين دول المجلس لكن بعض الجوانب الأخرى ما زالت تحتاج مزيدا من النقاش والدراسة مثل السلع خاصة الأغذية والخدمات التي قد تستثنى من ضريبة القيمة المضافة بهدف تخفيف الأثر المالي أو الأثر السلبي على المستهلك خاصة الطبقات التي يعد دخلها عند الحد الأدنى وتنفق أغلب دخلها على الغذاء.
ومن الجانب النظري يرى منظرو الرأسمالية الحديثة أن هذا النوع من الضرائب محفز للإنتاج ودافع لتجميع رؤوس الأموال وإعادة الإنتاج وبالتالي ستساهم في ارتفاع معدلات النمو الأمر الذي ينعكس إيجابا على التطور الاقتصادي. ولكن في المقابل فإن هذا النوع من الضرائب قد يؤثر سلبا أيضا على الطلب نتيجة ارتفاع أسعار السلع كنتيجة لفرض الضريبة، لذا فانه لابد من إيجاد نموذج متوازن لفرض هذا النوع من الضرائب، ولسنوات طويلة نصح صندوق النقد الدولي دول المجلس بتطبيق هذه الضريبة التي تطبق حاليا في نحو 140 دولة وتعد دول مجلس التعاون من الدول القليلة في العالم التي لا تطبق هذه الضريبة التي تعمل بها كثير من الدول العربية مثل لبنان ومصر والمغرب وتونس، ومؤخرا أعلنت اليابان أنها بصدد رفع ضريبة القيمة المضافة لكن رئيس وزرائها تراجع في اللحظات الأخيرة خوفا من أن تؤدي الزيادة إلى انكماش الاقتصاد.
وفي الجانب البحثي أعطت الشركات المالية والاستشارية اهتماما كبيرا بموضوع الضرائب خاصة ضريبة القيمة المضافة خلال الأشهر الأخيرة حيث يرى سيمون كتشين رئيس الاستراتيجية في بنك (اي اف جي هيرمس) أن الإيرادات الضريبية أقل تقلبا من الإيرادات النفطية، بالتالي فإن العجوزات ستكون أكثر استقرارا، وهكذا إذا ما أرادت دولة خليجية دخول سوق الاقتراض، فان ذلك قد يخفض تكلفة الإقراض عليها عند احتساب الفائدة، نظرا لأن المقرضين يأخذون في اعتبارهم موارد مستدامة لا تتعرض للتقلبات، وهو ما يضفي عليهم حالة أكبر من الاطمئنان والثقة في الدولة المقترضة.
وأوضح كيتشن انه على المدى الطويل، إذا رأت الشركات أن هذه الضرائب منخفضة نسبيا فإن ذلك يمنحها درجة من الثقة في الاستقرار الاقتصادي، خصوصا إذا كان ما أنفقته على البنية الأساسية من شأنه أن يسهل إدارة الأعمال، ورغم أن ضريبة الشركات والدخل يستغرق تطبيقهما وقتا أطول لأسباب فنية وسياسية، ولكن يمكننا أن نرى تطبيقهما في نهاية المطاف، ومن جانبها توقعت مجموعة (إندوسويس) السويسرية لإدارة الثروات زيادة معدل التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي، حال تطبيق ضريبة القيمة المضافة، ما يؤدي إلى تزايد الضغوط على الأسعار، وقالت ماري أوينز ثومسن كبيرة المحللين الاقتصاديين في المجموعة أن اعتماد سلسلة سياسات اقتصادية جديدة، مثل تخفيض الدعم ، وفرض الضرائب لمواجهة تراجع الإيرادات النفطية، سيؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم، ولفتت ثومسن إلى أن معدلات تضخم اقتصادات الخليج لا تزال تحت السيطرة، إلا أن هناك سقفاً زمنياً لاستمرار هذه الحالة، إذ إنه كلما طالت مدة بقاء أسعار النفط عند مستويات منخفضة للغاية، ازدادت المخاطر والصعوبات التي تواجه اقتصادات دول المنطقة، واعتبرت أن هذا هو الوقت المناسب للتغيير ، خاصة أن مداخيل حكوماتها تتعرض لضغوط كبيرة نتيجة انخفاض أسعار النفط، ويزداد إلحاح حاجتها لتعزيز سياسات تنويع مواردها الاقتصادية ومعدلات نمو قطاعاتها الاقتصادية غير النفطية.
ووفقاً لاستبيان تم إعلان نتائجه امس أكد 82 بالمائة من المشاركين أن تطبيق ضريبة القيمة المضافة سوف يزيد من معدلات التضخم في دول المجلس، وأشار المشاركون إلى أن قطاع السلع الكمالية سيكون أكبر المتأثرين بتكاليف ضريبة القيمة المضافة من حيث حجم الطلب، يتبعها تأثرا قطاع السيارات يليها التبغ ثم العقارات. وفي السياق ذاته، أشار المشاركون إلى أن قطاع الرعاية الصحية سوف يكون أقل المتأثرين بالتكاليف الإضافية لتلك الضريبة، وأكد 59 بالمائة من المشاركين وهم من ممثلي قطاع الشركات أنهم لن يفكروا بنقل مقرات أعمالهم إلى الخارج إذا ما تم فرض ضرائب دخل على شركاتهم، بينما قال 41 بالمائة منهم أنهم سيفكرون بذلك.
وأوضحت جمعية المحللين الماليين المعتمدين في الإمارات، وهي الجهة التي اجرت الاستبيان، في تحليل للنتائج أن الضريبة تعد مثالاً على تغير نهج السياسات المالية في دول مجلس التعاون الخليجي وهذا التغير سوف يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم، ورغم أن المعدلات تتأثر بقوة بأسعار الفائدة ومعدلات النمو الاقتصادي، إلا أن التأثيرات المباشرة لذلك التغير سوف تفرض تحديات جديدة على المستهلكين والشركات على حد سواء، وبينما لن يشعر المستهلك سوى بتأثير طفيف لذلك التغير على نفقاته اليومية، إلا أن ذلك التغير سوف يترك آثارا أكبر على ميزانيات المشتريات الأكبر حجماً، وذكر 73 بالمائة من المشاركين في الاستطلاع أن أسعار السلع الاستهلاكية في دول مجلس التعاون الخليجي أعلى من تلك السائدة في دول أخرى، ما يعني أن ضريبة القيمة المضافة سوف تفرض أعباء إضافية على المستهلكين وسوف تؤدي إلى ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم.، لكن تحليل الجمعية أشار إلى أن المكاسب طويلة الأمد التي سوف توفرها ضريبة القيمة المضافة لاقتصادات دول المنطقة سوف تعوض آثارها السلبية قصيرة الأمد. ويتضح بالتالي وجود حاجة لتنويع مصادر عائدات الحكومات التي لا تزال تعتمد حالياً إلى حد كبير على عائداتها من تصدير النفط والغاز، كما ستكون ضريبة القيمة المضافة إجراءً يتيح المزيد من الاستقرار الاقتصادي نظراً لاستمرار تذبذب أسعار النفط الخام. إضافة إلى ذلك، سوف تشجع هذه الضريبة المستهلكين على اتباع أنماط إنفاق أكثر مسؤولية، ولكي يواكب حجم الطلب هذه التوجهات لا بد من تخفيض الأسعار، ما سوف يؤدي في المحصلة النهائية إلى انخفاض معدلات التضخم.

وكالات-