ملفات » البحرين وأزمة الجنسية

بعد استهداف الشيخ عيسى قاسم.. النظام يحفر قبره بيده.. والخيارات مفتوحة

في 2016/06/22

هذه الوقفةُ تأتي في خضم منعطفٍ كبيرٍ وخطير، وغير مسبوق. لم يعد التهديد لأمتنا في البحرين، هذا الوطن السّليب؛ خافياً على أحد، وأيّ تهديد أكبر من هذه الحرب المفتوحة والشّعواء على شعبنا، عندما يُستهدَف أكبر رمز ديني ووطني في حياته وأمنه؛ فهو تهديدٌ لأمةٍ في هذا الرّجل.

وقفتنا مع سماحة الوالد آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم؛ هي وقفةُ ضمير، وقفة منْ يتأهّب حتّى لعناق البلاءِ والتعذيبِ والتّنكيلِ والرّدى؛ في سبيل الدّفاع عن هذا الرّمز، وهو ذاته الدّفاع عن أمةٍ بكلّ تاريخها وعطائها وتضحياتها. هي وقفةُ منْ يغبط السادةَ العلماء وتلك الجماهيرَ التي لبّت واعتصمت حول منزله في الدّراز، لنقول لهم، نشدّ على أيديهم: “يا لتنا كنّا معكم، لنفوز بشرف الموقف“.

ولي وقفاتٌ في ثلاثِ نقاط، وذلك حسب العناوين التّالية:

– المحور الأول: المحنة الكبرى وضروريات مخاض التغيير

لابدّ لنا من أن نأخد العظةَ من التاريخ القديم والحديث، ولنا في حركةِ الإمام الخميني (قده)، وفي ثورته العارمة؛ أسوةً وقدوةً حسنةً. فالإمام، كما تعلمون، جابَه نظامَ الشّاه المقبور بكلّ حسْمٍ وحزمٍ وإصرار، دون أن يتراجعَ أو يستسلم. وقد طالعنا التّاريخ بمشاهدَ اعتقاله وترحيله نحو المنفى القسري. كان روح الله، ولأنه يصرّ على تحرير الأمة؛ فقد كان لازماً عليه أن يخوضَ محنةً كبرى، ولأنه خاضَ المحنةَ بجدارةِ الفقيه العارف الرّباني الذّائب في الله، ومن أجل الله، وفي سبيلِ الله؛ فقد كان وعداً على الله جلّ جلاله أن ينصره، ويُثبته ليواجه المحنة، وينتصر، ويغيّر مصير أمةٍ بأكلمها.

ما يحدث اليوم هو امتدادٌ لعقودٍ من الاستهدافِ والتّنكيل والملاحقة من الطغاة في البحرين. الملاحقة والانتقام من منْ؟ من آية الله الفقيه المجاهد سماحة الشيخ عيسى قاسم. هذه الملاحقةُ تعبّر عن نتيجةٍ حتميّةٍ لصبره وصموده وثباته، ولوعيه ورفضه المساومة والاستسلام، ولمواقفه الأبويّة المشهودة التي لا تنحاز إلى قضايا شعبنا ومعاناته فقط، بل تعبُر ذلك لتكون في وجه المحنةِ من أجل الله والتكليف والشّعب. فاختار ذات الشّوكة، وهو أهلٌ لها، وما بعد هذه المحنة والثّبات إلا النصر العزيز من الله الواحد القهّار. قال الله في كتابه الكريم: “ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين“.

– المحور الثاني: الواقع الإقليمي والخيارات الصّعبة

نحن ندرك أن ثمّة واقعاً إقليمياً ودوليّاً مسانداً ومتآمراً مع النظام الخليفي المجرم، ولو لم يكن ذلك لما تجرّأ نظامُ آل خليفة، الهشّ وفاقد الشرعية؛ أن يتجاسر ويُمعِن في تنكيله لأبناء شعبنا وقهْرهم. لكن في المقابل، نُدرك أننا، ومن خلال التجربة لعقود، وتجلّت بعد خمس سنواتٍ من القمع والإرهاب الرّسمي الممنهج.. (هذه التجربة) برهنت صمودَ شعبنا، وأنه لا يمكن أن يتنازلَ عن حقوقه المشروعة، مهما تكالبت عليه قوى الظلام والإرهابِ في المنطقة، ودائما ما تكون للشعوب كلمة موقفٍ وخيارات.

نعم، ثورة شعبنا سلميّة، واستمرت كذلك بإرادةِ قادتها، وليس جُبْناً أو مهانة. لكننا دائماً نُدرك أننا قادرون على اتخاذِ خياراتٍ صعبة لحمايةِ أمتنا ورموزنا، وأنه بإمكاننا كشعبٍ أن نقاومَ مستعينين ببأس أبناءِ شعبنا، وتسديد رموزنا، بعد الله الواحد المتعال.

 إن هذا النظام، وبحماقاته، يحفر قبرَه بيده ويخرّب بيته بيده، وكذلك بأيدي الأباة المؤمنين، وهذا التّصعيدُ سوف لن يكون في صالحه، وكلما صعّد من عنهجيته وجبروته؛ كلّما كان هناك أفق أوسع للتفكير والتخطيط لخياراتٍ أصعب، لكنّها أنجع لحماية كرامتنا ورموزنا وأمتنا.

– المحور الثالث: حتمية النصر والحراك الشعبي

الحراك الشعبي، والحركة الشّعبية لا يمكن قهْرها وقتلها. قد تخبو شرارةُ الجماهير، وقد تُسْحق جولاتُ للشعوبِ عبر قمع الطغاةِ وعنفهم، لكنها لا تموتُ وتظلّ تتجدّدُ وتتصاعد. إنّ رغبةَ الأجيالِ في الحريةِ والكرامةِ والتخلّص من نيْر العبوديّةِ والذلّ والهوان؛ هي رغبةٌ عارمة لا تخبو إلا وتعود إلى الإنبعاثِ من جديد.

منذ عقودٍ طوال، وشعبُنا يُقدِّم القرابين، وينهض. وإننا نعلم علمَ اليقين إنّ ورقة الجماهير هي التي ستُزلزل الطاغية وجُنده، وهي أكبرُ سلاح في وجه المستبد، ولذا وجب علينا دائماً، واليوم بشكل ملحٍّ، أن نثقَ بشعبنا، وأن ندعمَ حركته ونوحّد صفوفَه في وجْه عدوّ ضارٍ غاشم وحتى يبزغ فجر الحرية.

تحيةُ إجلال وإكبار للوالد الفقيه المجاهد سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم. تحيةٌ لدماء شهدائنا الأبرار.. تحيةٌ للسجناء والرّموز والعلماء.. تحيةٌ لشعبنا المظلوم الأبي.

عبد الغني الخنجر- البحرين اليوم-