ملفات » البحرين وأزمة الجنسية

البحـرين تغـامر بالأمن من خلال حـمـلتها على الشـيعـة

في 2016/06/23

تسعى البحرين لوضع حد لسنوات من عدم الاستقرار في البلاد من خلال حملة على الأحزاب السياسية الشيعية لكن هذه الخطوة قد تكون مقامرة محفوفة بمزيد من الاضطرابات في المملكة والشرق الأوسط.

وبعد مرور خمسة أعوام على سحق احتجاجات بدعم عسكري سعودي تبدو الأسرة السنية التي تحكم شعبا أغلبيته من الشيعة مقتنعة بقدرتها على الصمود مرة أخرى أمام الرفض الدولي لإجراءاتها الصارمة.

وفي سلسلة من الإجراءات على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية علقت السلطات البحرينية أنشطة جمعية الوفاق أكبر جماعة شيعية معارضة وأغلقت مكاتبها كما ضاعفت عقوبة السجن على زعيم الجماعة الشيخ علي سلمان واعتقلت الناشط الحقوقي البارز نبيل رجب وأسقطت الجنسية عن الزعيم الروحي للشيعة بالبلاد آية الله عيسى أحمد قاسم.

ونجحت السلطات في كل مرة في كبح جماح غضب المعارضين بنشر عدد أكبر من ضباط الشرطة في الشوراع لكن إسقاط الجنسية عن الرمز الشيعي هذا الأسبوع دفع الآلاف للخروج تلقائيا والاحتجاج أمام منزله إلى الغرب من العاصمة المنامة.

وأعربت الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية عن قلقها لكن البحرين ترى على الأرجح أن هذا القلق لن يترجم إلى إجراءات ضدها خاصة لصلتها الوثيقة بالسعودية أحد الشركاء الرئيسيين للولايات المتحدة في المنطقة.

لكن المعارضين يرون أن تضييق الحكومة الخناق على السبل السلمية للتعبير عن الرأي من خلال جمعية معترف بها مثل الوفاق ربما يدفع شباب الشيعة للانضمام إلى عناصر متطرفة كتلك التي نفذت تفجيرات في البلاد.

وقال علي الأسود النائب السابق بالبرلمان عن جمعية الوفاق والذي يعيش خارج البلاد "هذا أمر خطير لأن السلطات بحظرها للمعارضة المعتدلة تدفع المعارضة كلها للقيام بأعمال غير قانونية. وهو الأمر الذي يعزز (نفوذ) المتشددين على كل الأصعدة."

وأضاف "هذا ينسف بكل بوضوح إمكانية الحوار والمصالحة ... هذا الأمر سيحول دون تقدم البلاد للأمام."

ويعتري هذا القلق أيضا بعض المؤيدين للسلطات.

وقال مسؤول حكومي بحريني سابق "الآن التطرف محصور في مساحات صغيرة ... بعضها تضم شباب وبعضهم في الخارج. لكن إذا ضرب الجسم الكبير (الوفاق) في اعتقادي أنك دون أن تدري تفتح الساحة لكل أنواع التطرف."

وأضاف المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه أن تأجيل البت في القضية ربما يكون لإعطاء كل الأطراف فرصة لتسوية تسمح للوفاق بالاستمرار.

ويخشى محللون إقليميون من أن عدوى العداء الطائفي في البحرين ربما تتفشى في المنطقة حيث يخوض حلفاء السعودية حروبا بالوكالة مع عدوتهم اللدودة إيران الشيعية في سوريا واليمن.

 

غـضب وفـزع

وأعربت الولايات المتحدة التي يقع مقر قيادة قواتها البحرية في الشرق الأوسط في البحرين عن قلقها من إسقاط الجنسية عن قاسم. وأعرب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن قلقه البالغ إزاء ما وصفها خطوة "غير مبررة بالمرة."

ودافعت البحرين عن إجراءاتها وقالت إنها ضرورية لأمنها القومي. وقالت وزارة الداخلية إن السلطات تتهم جمعية الوفاق وقاسم بالترويج للطائفية وإقامة علاقات مع إيران التي تتهمها المملكة بدعم المتشددين الذين استخدموا قنابل محلية الصنع لمهاجمة قوات الأمن ما أسفر عن مقتل 17 ضابطا منذ عام 2011.

وتنفي إيران التحريض على العنف. لكن قاسم سليماني القائد بإحدى قوات النخبة التابعة للحرس الثوري الإيراني قال - ردا على إسقاط الجنسية عن قاسم - إنه ربما لم يعد أمام البحرينيين أي خيار سوى اللجوء إلى "المقاومة المسلحة" ضد الأسرة الحاكمة.

وقال منتقدون إن رد الفعل الفاتر من واشنطن إزاء قمع المملكة للاحتجاجات قبل خمسة أعوام ربما شجع البحرين على تنفيذ حملتها الأخيرة.

وكتب براين دوولي من جمعية (حقوق الإنسان أولا) الأمريكية "هذا أول استعراض واضح للقوة الوحشية منذ الحملة العنيفة في عام 2011". و(حقوق الإنسان أولا) هي جمعية تضغط على الحكومة الأمريكية للتأكيد على أهمية الحقوق أثناء ممارسة الحكومة لسياستها الخارجية.

وندد دوولي في هذا الصدد بما سماه "نهج الدبلوماسية الهادئة الذي تتبناه الحكومة الأمريكية."

وبعد تحقيق دولي في كيفية تعامل حكومة البحرين مع اضطرابات عام 2011 أجرت البحرين بعض الإصلاحات وفتحت مجالا للحوار السياسي مع الأحزاب الشيعية.

لكن المحادثات مع المعارضة انتهت في 2013 دون التوصل إلى اتفاق. وتشهد البحرين منذ ذلك الوقت حالة من الجمود السياسي. وفي الآونة الأخيرة زاد السخط في الشوارع بفعل الضغوط المالية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط.

وتبدي السعودية الحليف المقرب من البحرين تشككا إزاء الإجراءات المناصرة للديمقراطية. ولا تسمح السعودية بتأسيس أحزاب سياسية مستقلة على أرضها.

ويربط جسر بين البحرين والمنطقة الشرقية في السعودية التي يقطنها عدد كبير من الشيعة الذين يمثلون أقلية في السعودية. وتخشى السعودية من أن أي مكاسب للشيعة في البحرين ربما تزيد من جرأة الشيعة لديها.

وعزا بعض الخبراء الحملة البحرينية ضد الشيعة إلى عودة نفوذ المتشددين بالحكومة البحرينية الذين يرون أن الحد من نفوذ الشيعة هو أمر طبيعي في إطار المعارضة العربية لإيران. ويرى الخبراء أن هؤلاء المتشددين زادت جرأتهم بعد توقف محادثات الإصلاح.

غير أن خبراء آخرين ألقوا بجزء من اللوم على جمعية الوفاق بعد مقاطعتها ومعها ثلاثة أحزاب أصغر للانتخابات البرلمانية في نوفمبر تشرين الثاني عام 2014. وقالوا إن ذلك جعل المعارضة عرضة لاتهامات بأنها غير مهتمة بالحوار.

وقالت جمعية الوفاق إنها قررت عدم المشاركة في الانتخابات لأن البرلمان المنتخب لن تكون لديه صلاحيات كافية ولأن تقسيم الدوائر الانتخابية جاء في مصلحة الأقلية السنية.

وقال جوستين جنجلر وهو باحث في شؤون البحرين يقيم في قطر "إن كل ذلك من نتائج قرار جمعية الوفاق بعدم المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. وهم يرون أن (زعيمهم الشيخ) علي سلمان غير مستعد لتقديم أي تنازلات."

سامي عبودي- رويترز-