علاقات » خليجي

الاتحاد الخليجي.. والدرس المستفاد من خروج بريطانيا من "الأوروبي"

في 2016/06/25

دقت بريطانيا ناقوس الخطر على تكتل "الاتحاد الأوروبي" بعدما ظهرت نتيجة الاستفتاء بخروجها منه، في الوقت الذي تتحرك فيه الدبلوماسية الخليجية للتكتل والاتحاد تحت ما يُسمى "الاتحاد الخليجي".

وعلى مر العقود السابقة لم يكن الاختلاف الثقافي واللغوي عائقاً أمام الاتحاد الأوروبي في تحقيق مصلحته القومية بالاندماج، برغم الـ23 لغة الرسمية التي يتحدث بها شعوب الاتحاد الأوروبي، فتمتع بإنشاء سوق واحدة، وعملة واحدة، وسياسة زراعية مشتركة، وسياسة صيد واحدة، لكن استفتاء بريطانيا وجه ضربة لهذا الكيان.

وفي المقابل، ثمة مطالبات في دول الخليج للتوجه من التعاون إلى الاتحاد، وإنشاء كيان واحد قوي تحت اسم "الاتحاد الخليجي"، يتفوق على نظيره الأوروبي بوحدة اللغة والدين، فضلاً عن تقارب العادات والبيئة.

كما أن المنطقة الخليجية لم تتغير منذ أن جاء الإسلام، ولم تشهد انقسامات، إلا بعد الحرب العالمية الأولى، فالدول الخليجية تتماثل في وحدة التاريخ، والعادات والتقاليد، والمذهب الواحد، فضلاً عن تداخل السكان، وامتداد القبائل، ما يدفع نحو سهولة تكوين الاتحاد الخليجي، وتحقيق المصلحة بين سكانه، باعتبارهم شعباً واحداً ينتمون لأمة واحدة.

- الخليج.. تهديدات خارجية مشتركة

التطورات التي شهدتها منطقة الخليج مؤخراً لم تترك فرصة أمامها سوى البحث عن اتحاد خليجي لحماية الجبهات الداخلية والخارجية في آن معاً، فالخطوات الخليجية التي تحدث مؤخراً تدفع نحو هذا التكتل دون تسمية واضحة، فالعمل على إنشاء اتحاد عسكري واقتصادي قائم، ومطالبات بعملة موحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي جارية، بالإضافة إلى فتح الحدود، وتبادل التجارة، وإلغاء الجمارك بينهم، ومنح المواطن الخليجي ميزة الانتقال، والإقامة، والاستثمار، والعمل، وكأنه في داخل دولته.

وفي حال تحقيق الاتحاد بين دول التعاون الخليجي فإن ثمة ميزات تصب في مصلحة الدول مجتمعة؛ أهمها مواجهة الأطماع الخارجية، وتعزيز مكانة دول التعاون إقليمياً وعالمياً، فضلاً عن الحد من الأخطار الداخلية، وهو ما يدفع نحو تعزيز الاستقرار، ويخلق كذلك كياناً سياسياً واقتصادياً يتناسب مع متطلبات وإمكانيات المنطقة، والتغلب على مشكلة العمالة الوافدة التي باتت تشكل تهديداً ديموغرافياً حقيقياً.

- الخليج.. وقوتهم الاقتصادية

وتملك دول الخليج قوة اقتصادية هائلة، سواء ما تملكه من الطاقة، أو أرصدة استثمارية منتشرة عالمياً، وقوتها الاقتصادية جعلتها تتبوأ الترتيب الثاني عالمياً من حيث مجموع الناتج المحلي، فضلاً عن امتلاكها مقومات كثيرة تجعلها في مركز متقدم على الصعيد العالمي إن استثمرت أوراقها بشكل صحيح.

وتعد دول الخليج القوة الثامنة في التعاون الاقتصادي مع الصين، ويبلغ مجموع الناتج المحلي الخليجي نحو 1.5 تريليون دولار، وبجمعه مع العالم العربي يتجاوز 2.5 تريليون دولار.

- التهديدات الخارجية واحدة

التصعيد العسكري في المنطقة دفع دول الخليج إلى تشكيل ثلاث مؤسسات عسكرية خلال العام الماضي، تمثلت تلك المؤسسات في القوة البحرية الخليجية الموحدة، والقيادة العسكرية الخليجية الموحدة، والإنتربول الخليجي، وذلك نتيجة الشعور بالمخاطر التي تحيق بمنطقة الخليج العربي؛ بعد قرارات ومطالب كثيرة نادت بإنشاء قوة رادعة خليجية موحدة.

فالإنتربول الخليجي في الإمارات، والقوة البحرية المشتركة في البحرين، والقيادة العسكرية الخليجية الموحدة في الرياض، ودرع الجزيرة، والدرع الصاروخية الخليجية، كلها أنظمة دفاعية في الأساس، تسعى إلى التصدي لأي اعتداء خارجي، وتعمل على التنسيق الأمني الداخلي في منطقة الخليج العربي.

والقلاقل التي تحدث في محيط دول التعاون الخليجي تؤكد أن التهديدات واحدة، في القرن الأفريقي، وعلى سواحل البحر الأحمر، وأزمة اليمن وحدوده الشمالية، والعراق وسوريا، وكل ذلك يدفع نحو ضرورة إيجاد تكتل واحد يحمي الحدود.

- التكامل العسكري

أظهر الكشف عن صناعات عسكرية محلية في السعودية وقطر والإمارات، توجهاً متنامياً لتوطين هذا القطاع الاستراتيجي في الخليج العربي، وإن بصورة جزئية، في مؤشر واضح على عزم الدول الخليجية على خوض ميدان التسلح من أوسع أبوابه.

ويعكس الإصرار الخليجي على التطور الصناعي العسكري قبول التحدي والمغامرة إقليمياً ودولياً، فضلاً عن كون الصناعة العسكرية الخليجية باتت مطلباً حيوياً تقتضيه المتغيرات الدولية والتطورات الإقليمية.

كذلك، فإن العائد الاقتصادي المادي يعتبر غاية استراتيجية حرصت دول الخليج على الاستفادة منها، فكانت المعارض الخليجية العسكرية إحدى البوابات المهمة للتعريف بالمنتج الخليجي، فشهدت إقبالاً عالمياً غير مسبوق تتبارى فيها كبريات الشركات العالمية في المجال العسكري لعرض منتجاتها من خلالها.

- انعكاسات الاتحاد الخليجي

وفي حال تحقق "الاتحاد الخليجي"، فإن ذلك سينعكس على الأمن الداخلي لدوله، سواء على مستوى الأمن الاستراتيجي، أو الاقتصادي، أو الغذائي، أو الثقافي، فضلاً عن التعاون والتكامل بين دوله الأعضاء.

النجاح في إنشاء الاتحاد الخليجي -إذا تم- سيجعل دول المجلس تتمتع بموقف واحد وثابت في المواقف السياسية، خاصةً في التهديدات الإقليمية التي تواجهها، ما يعزز مكانتها وعلاقاتها الخارجية.

مكانة الاتحاد الأوروبي دولياً لم تتحقق إلا باتحاده، وبالتالي، فإن دول الخليج ستفرض كلمتها دولياً حال تحقيق اتحادها، وقد يمتد التكتل ليشمل دولاً أخرى في المستقبل، مثلما حدث مع الاتحاد الأوروبي؛ بانضمام دول جديدة إليه لم تكن في التأسيس على مدى عمره الممتد منذ خمسينيات القرن الماضي.

محمد عبّود - الخليج أونلاين-