علاقات » عربي

هل يمكن أن يتسبب الخلاف السعودي الإماراتي في تقسيم اليمن؟

في 2016/07/02

في وقت سابق من هذا الشهر أعلن وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الإمارات العربية المتحدة «أنور قرقاش» نهاية العمليات العسكرية في اليمن النسبة لبلاده، التي تعد جزءا رئيسيا من التحالف العسكري الذي تقوده السعودية.

وفي خطاب له في يوم 15 يونيو/حزيران، نقلت وسائل الإعلام عن «قرقاش» قوله إن «الحرب في اليمن قد انتهت فعليا بالنسبة إلى قواتنا» وأن دولة الإمارات العربية المتحدة سوف تركز على رصد الوضع السياسي وتمكين اليمنيين في المناطق المحررة. كان الخطاب يحمل لهجة وداع كما أنه لم يخل من التركيز على أن الجيش الإماراتي قد تجاوز التوقعات في حرب اليمن، وأن القوات الخاصة التي جرى تدريبها من قبل الولايات المتحدة لعبت دورا حاسما في تنسيق عمل القوات المحلية لتشكيل تحالف بين المتمردين في الشمال والوحدات العسكرية المنشقة في جنوب البلاد منتصف عام 2015.

تسببت تصريحات «قرقاش» في غضب كبير بين المراقبين الخليجيين واليمنيين، ولكن هذا الغضب سرعان ما تلاشى في أعقاب إعلان الوزير الإماراتي، الذي يعد شخصية بارزة على وسائل الإعلام الاجتماعي، تراجعه عن موقفه. وادعى الوزير أن تصريحاته قد تم تحريفها. ولكن على الرغم من المفاجأة التي قوبلت بها تصريحات قرقاش في البداية فإنها قد بدت معقولة إلى حد كبير. يمكن لدولة الإمارات العربية المتحدة مواصلة العمل على أرض الواقع في اليمن، في الوقت الذي تتوقف فيه فعليا عن المشاركة في الحرب الأهلية واسعة النطاق في البلاد.

ويتم خوض الصراع في اليمن ما بين تحالف يضم المتمردين الحوثيين الزيديين والقوات الموالية للرئيس السابق «علي عبد الله صالح»، في مواجهة مجموعة واسعة من الميليشيات القبلية والإسلامية السنية تقاتل تحت مظلة الحكومة القانونية المعترف بها للرئيس «عبد ربه منصور هادي» وتتلقى الدعم السعودي والمساندة الجوية.

في الواقع فإن «قرقاش» ربما يكون وقع في الزلة التي يصفها المعلق السياسي الأمريكي «مايكل كينسلي» على أنها قول السياسي للحقيقة. وربما يكون خطابه قد كشف أمورا طالما كان المحللون يشتبهون فيها لبعض الوقت وهي أن دولة الإمارات العربية المتحدة لم تعد مشاركة في المعركة في شمال غرب اليمن. بدلا من ذلك، تركز الإمارات على تأمين الجنوب اليمني والعمل جنبا إلى جنب مع الميليشيات السلفية الانفصالية المحافظة من أجل ترسيخ السيطرة على الإقليمية في المنطقة التي عانت من الفراغ الأمني بعد إزاحة الحوثيين والقوات الشمالية. يقاتل الجنود الإماراتيون أيضا ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الفرع المحلي للحركة الجهادية «المتطرفة»، جنبا إلى جنب مع تلك الميليشيات نفسها ومجموعة صغيرة من قوات العمليات الخاصة الأمريكية.

تبدو دولة الإمارات العربية المتحدة مترددة في المشاركة في معارك الشمال ويرجع ذلك جزئيا إلى كون القادة العسكريين الإماراتيين لا يؤمنون بإمكانية تحقيق نصر عسكري حاسم، ولكن السبب الأكثر وضوحا هو كراهة أبوظبي لتيارات الإسلام السياسي المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين. «على محسن»، القائد الأعلى للقوات اليمنية التي تكافح ضد الحوثي في الشمال، فضلا عن العديد من الفصائل التي تقاتل كل من الحوثيين والوحدات العسكرية الموالية للرئيس «صالح»، تنتمي إلى التجمع اليمني للإصلاح وهو الشبكة السياسية الإسلامية السنية التي تضم أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين. يقود الإصلاح الفصائل الإسلامية في تعز وهي مدينة في جنوب غرب اليمن، طالما اشتكت من غياب الدعم بسبب رفض الإماراتيين دعمها بالرجال والمال والمعدات رغم قربها من عدن التي يسيطر عليها المقاتلون الموالون لدولة الإمارات العربية المتحدة.

على النقيض من ذلك، فإن المملكة العربية السعودية كانت أكثر تقبلا للعمل مع الإخوان في عهد الملك «سلمان» مما كانت عليه في عهد سلفه الملك «عبد الله». حيث دخل في تعاون وثيق مع «علي محسن الأحمر» وشخصيات أخرى تنتمي للإصلاح منذ بداية الحرب. ويقال إن الرياض هي التي شجعت «هادي» على وضع «علي محسن الأحمر» في منصب نائب الرئيس وهو الأمر الذي فعله «هادي» في بداية عام 2016. والسؤال الذي يبقى بلا إجابة هو لماذا لا تزال دولة الإمارات العربية المتحدة تكرس الكثير من الوقت والأفراد والمعدات في جنوب اليمن.

الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على حد سواء حريصين على تعزيز مفهوم الوحدة بين الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. ويقال إن «محمد بن زايد»، ولي عهد أبوظبي، يتمتع بعلاقة وثيقة مع «محمد بن سلمان»، ولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع المسؤول عن الجهد الحربي في اليمن. ولذلك فإنه رغم قيام القادة الإماراتيين بمهاجمة التجمع اليمني للإصلاح علنا فإنهم حرصوا عل إبقاء خلافاتهم مع السعوديين قيد الكتمان. وربما هذا هو السبب الذي دفع «قرقاش» إلى المسارعة بإعلان أن تصريحاته قد تم اقتطاعها من سياقها وأن الإمارات لا تزال جزءا من التحالف الذي تقوده السعودية وأنها ملتزمة تجاه الحرب. ومن الواضح أنه فزع من الحديث حول أن الإماراتيين يعتزمون الانسحاب من اليمن تماما وهو في الواقع أمر غير صحيح. لا تزال هناك وحدة إماراتية كبيرة تحافظ على وجودها في جنوب اليمن وإن كانت معزولة عن بقية التحالف.

والسؤال الذي يبقى دون إجابة، رغم ذلك هو لماذا تواصل الإمارات العربية المتحدة تكريس المعدات والوقت والأفراد في جنوب اليمن. يحافظ الإماراتيون على سيطرتهم على قاعدة عسكرية في الطرف الغربي من عدن، وهم يواصلون تمويل وتدريب الميليشيات في الجنوب بما في ذلك تلك التي دفعت القاعدة في جزيرة العرب من المكلا بدعم من الولايات المتحدة في شهر مايو/أيار الماضي. ويتساءل المحللون حول مدى القيمة الاستراتيجية لجنوب اليمن بالنسبة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، مع الالتزام الكامل الذي تبديه أبوظبي تجاه تأمين المنطقة. يهرول المراقبون نحو العديد من التخمينات المتضاربة بدءا من رغبة الإماراتيين في استعراض قوتهم العسكرية من أجل عميق التعاون العسكري والأمني ​​مع واشنطن.

وسوف يصبح موقف دولة الإمارات العربية المتحدة في اليمن أكثر إزعاجا خلال الأسابيع والأشهر المقبلة. تستمر محادثات السلام في الكويت بين تحالف «الحوثي-صالح» الذي يسيطر على العاصمة صنعاء وجزء كبير من شمال غرب اليمن وبين حكومة «هادي» المنفية التي تدعي، دون كثير من المصداقية، أنها تحوز ولاء جميع القوات التي تقاتل الحوثيين. تضم حكومة الوحدة المقترحة ممثلين للحوثيين و«صالح» و«هادي»، وهي من غير المرجح أن تكون مقبولة في الجنوب، حيث تشتد كراهية الناس لـ«هادي» بقدر «صالح» والحوثيين بسبب قيامه بترقية «على محسن الأحمر» لمنصب نائب الرئيس بالنظر إلى دوره في سحق انتفاضة الجنوب المطالبة بالاستقلال في عام 1994. كما أن إدراج «على محسن الأحمر» أو التجمع اليمني للإصلاح في أي ترتيب للسلطة لن يحوز بالتأكيد على رضا الإماراتيين.

في حال تم التوصل لاتفاق سلام، يمكن للجنوبيين أن يتجهوا نحو الإعلان الاستقلال، مما يهدد بنشوء صراع جديد بين القوات المدعومة من السعودية على جانب والقوات المدعومة إماراتيا على جانب آخر. إذا حدث ذلك، فإن الخلافات بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية سوف يكون من الصعب جسرها. سوف تكون الزلات، مثل ذلة «قرقاش»، هي أهون مخاوف أبوظبي.

وورلد بوليتكس ريفيو- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-