دول » دول مجلس التعاون

القوة الناعمة: المناورات الخليجية في الجمهوريات الإسلامية الروسية

في 2016/07/22

توقعات

(1) مع ازدياد الأوضاع المالية في روسيا سوءًا، سوف تتجه العديد من الجمهوريات المسلمة في روسيا لجذب الاستثمار الخارجي باستخدام الأدوات المالية الإسلامية، وإنشاء البنوك المشتركة مع البلدان الإسلامية.

(2) خوفاً من العواقب السياسية والاجتماعية المحتملة، سيحاول الكريملين الحفاظ على العلاقات المالية بين المناطق الإسلامية ودول الخليج العربي في أدنى مستوياتها إلا إذا تم ذلك من خلال موسكو.

(3) اتساع المسافة المحتمل بين الجمهوريات المسلمة والحكومة الروسية أو التأثر بالدول الأجنبية، سوف يستمر في إزعاج موسكو، وخاصة أن هذه المناطق تمثل تهديدًا أكبر لأمن روسيا.

تحليل

مع استمرار الاقتصاد الروسي في الركود، يتم إجبار 83 كيانًا فيدراليًا تتكون منهم روسيا على التنافس ضد بعضهم البعض من أجل جذب الاستثمار الخارجي. وكان البحث عن التمويل موضوعا للمناقشة في منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الأخير.

يزداد النمو السكاني بين المسلمين في روسيا بتسارع شديد. والآن فإن نسبة تبلغ حوالي 13% من الروس هم من المسلمين، وأغلبهم يعيش في المناطق المسلمة الثمانية في روسيا: تتارستان، بشكورتوستان، والشيشان، كراشاي-شركيسيا، وكاباردينو بلكاريا، وإنغوشيا وداغستان وأديغيا.

تختلف بنية الاقتصاد بين الجمهوريات. على سبيل المثال، تتميز تتارستان وبشكيريا بالتطور نظرًا لأنهما غنيتان بالنفط والثروة الزراعية. وكذلك تتمايز الجمهوريات الأخرى عن بعضها البعض في مصادر الدخل. وعلى الرغم من هذه الاختلافات في شكل الاقتصاد بين كل جمهورية والأخرى، فإنّ الجمهوريات المسلمة تضررت بشكل موحد من انهيار أسعار النفط العالمية. ولم تكن موسكو لتترك المجال لمناطق روسيا للبحث عن الاستثمارات والأموال الخارجية على حسابها.

البحث عن الممولين من العالم الإسلامي

تمتلك بعض الجمهوريات المسلمة في روسيا خبرة في إيجاد الممولين الأجانب مقارنة بجهوريات أخرى. تتارستان وبشكورتوستان، عل سبيل المثال، لديهما تاريخ يمتد إلى 10 سنوات من النجاح في ذلك الأمر. وعلى النقيض، نجد أن جمهوريات المناطق القوقازية الشمالية لم تجذب إلا عدد قليل جداً من الاستثمارات الأجنبية على مر السنين.

وتحاول الجمهوريات الإسلامية أيضا الاستعانة بقوانين الاقتراض الإسلامية بدلا من القوانين الاتحادية الروسية للخروج من الأزمة المالية. يعد الاقتراض الإسلامي وسيلة قليلة المخاطر لطرح استثمارات جديدة. وبالاعتماد على نظام الصرف الإسلامي، لا تفكر هذه الجمهوريات فقط في جذب اهتمام الجمهور في الداخل، بل من الخارج في الدول الإسلامية أيضًا.

لكن هذه الخطة تصطدم بعائق كبير: فالتمويل الإسلامي محظور في روسيا لأنه لا يتطلب دفع فائدة مثل الاقتراض العادي. وقد وجدت بعض البنوك، حتى الاتحادية منها، ثغرات للالتفاف على القانون. بينما تجاهل آخرون في الجمهوريات الإسلامية القانون تماما. ولم يعلق الكرملين على أمر ما يحدث في الجمهوريات الإسلامية من استخدام التمويل الإسلامي بالرفض أو القبول.

وتأمل تتارستان أن يؤدي استخدامها لنظام التمويل الإسلامي في جذب اهتمام دول مجلس التعاون الخليجي، والتي تربطها بهم علاقات قوية منذ بعض الوقت. وقد زاد التمويل الخليجي لتتارستان بشكل دراماتيكي للغاية في السنوات الأخيرة، حيث وصل من 60 مليون دولار في 2011 إلى 760 مليون دولار في 2015. وتوجهت أغلب هذه الاستثمارات إلى المدينة الذكية التي بنيت في عاصمة تتارستان، كازان، والتي توظف حوالي 50 ألف شخص في مجالات التكنولوجيا المتقدمة.

ولم تكن الشيشان بعيدة عما حققته تتارستان. حيث سعت الشيشان للشراكة مع دول مجلس التعاون الخليجي، بما فيها السعودية والإمارات. وناقش «قديروف» مشاريع بناء في جروزني مع مسؤولي السعودية والإمارات، ولكن الدولتان أبدتا قلقهما من عدم وجود نظام إسلامي لنقل الأموال في الشيشان. وفي أعقاب ذلك، أعلن رئيس الشيشان في وقت مبكر هذا العام أنه عازم على إنشاء بنك إسلامي بالشراكة مع عضو مجلس التعاون الخليجي، الإمارات.

لكن أديغيا وداغستان كانتا أبطأ في التحرك، وربما انتظرتا لرؤية نتيجة جهود تتارستان والشيشان أولًا.

تحركات روسيا للحد من نفوذ دول الخليج

والسؤال الآن حول إمكانية سماح روسيا للتمويل الخليجي بالاستمرار. تجنبت موسكو لسنوات عديدة عقد أي اتفاقيات مع دول الخليج، لكن في أعقاب توتر العلاقات بين روسيا ودول الغرب، فقد بدأت بالبحث عن شركاء آخرين. خلال عامي 2014 و2015، قامت دول الخليج بتمويل روسيا بنحو 25 مليار دولار، لكن موسكو أبقت تلك الأموال تحت سيطرة صندوق الاستثمار المباشر الروسي.

والآن هناك معضلة تواجه الكرملين بعدما بدأت دول الخليج بالتفاوض المباشر مع الجمهوريات المسلمة. فمن جهة، فإنه لا يمكنها السماح بالتوغل الخليجي داخل مناطقها بشكل كبير، لكنها لا تستطيع أيضاً إجبار الجمهوريات المسلمة على التنازل عن هذه الاستثمارات.

وهناك قلق إضافي لدى روسيا حول إمكانية أن يؤدي التنوع الاقتصادي والتنافس بين الجمهوريات الإسلامية إلى انفصالها في النهاية عن نظام البنوك الاتحادي. ولذلك لن يقدم الكرملين على إعطاء الجمهوريات المزيد من المساحة لبناء نظامها المصرفي الخاص.

ومن الناحية السياسية، تخشى روسيا من تصدير الثورات الملونة للجمهوريات عن طريق زيادة النفوذ الخليجي داخل مناطقها. قامت روسيا مؤخرا بتشديد المراقبة على كل المؤسسات والكيانات التي تتعامل مع شركات أو مؤسسات أجنبية.

لا تثق روسيا بالأخص في زيادة الروابط والعلاقات بين دول الخليج والشيشان. لم تنس موسكو أن دول الخليج على مدى عقدين من الزمان قد ساهمت في مساعدة الشيشانيين في حرب الشيشان الأولى والثانية. ويتهم الكرملين المملكة العربية السعودية بالأخص بنشر الوهابية في الشيشان، ومد «الميليشيات» الشيشانية بالسلاح والموارد والتدريب والدعم من خلال العديد من المنظمات الخيرية والإنسانية. وقد زاد من مخاوف روسيا تلك المفاوضات المباشرة بين «قديروف» وولي ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» في يونيو/ حزيران الماضي، حيث ناقش الطرفان دخول السعودية ودول عربية أخرى في تدريبات عسكرية مشتركة في مركز تدريب القوات الشيشانية الخاصة.

وتبدو روسيا واعية لهذا الخطر على أمنها القومي ووحدتها، لذا من غير المرجح أن يقوم الكرملين بإجبار الجمهوريات الإسلامية على تجاهل تلك الفرص الاستثمارية المقدمة من خلال التمويل والاستثمار الإسلامي، كما أنها لن تدعها تمر دون رقابة منها. لذا فإن موسكو ستقوم بإشراك نفسها في الأمر لكبح جماح العلاقات الناشئة بين جمهورياتها وبقية دول العالم الإسلامي.

ستراتفور- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-