ملفات » البحرين وأزمة الجنسية

آية الله عيسى قاسم لمحاكميه.. لا أعترف بكم

في 2016/07/29

لم يحضر المرجع الديني الشيعي الأعلى في البحرين آية الله عيسى قاسم  أولى جلسات محاكمته التي قرّرها له النظام. كما لم يُنب أي محامٍ عنه. كذلك فعل المتهمون الآخرون معه في ذات القضية. وقبلها بيوم، رفض الشيخ تسلّم إحضارية المثول للمحاكمة، كما رفضت عائلته لصق هذه الورقة على باب البيت.

رجل الدين الشيعي المعارض، والمسقطة جنسيته بتوقيع ملكي، يحاكم اليوم من قبل النظام البحريني على أدائه مهمّته الشرعية المتمثلة في تسلم الحقوق الشرعية الخاصة بفريضة الخمس وفق المذهب الجعفري الذي ينتمي إليه. وإذا كان إسقاط جنسية الشيخ الهدف منها نفيه خارج البحرين والتخلص منه، فإن محاكمته بتهمة جمع الأموال وغسيلها الهدف منها الاستيلاء على أموال الحقوق الشرعية الخاصة بالطائفة الشيعية ومصادرتها.

لقد عقدت أولى جلسات محاكمة الشيخ اليوم في قاعة فارغة إلا من المدّعين والقضاة، وكان لهم فيها أن يدّعوا ما يشاؤون، وأن يرددوا على مسامع بعضهم ما يشتهون، أما المُدَّعى عليه، فقد تعامل مع الدعوى المرفوعة ضدّه وكأنها لا شيء، والمحكمة المنصوبة لمقاضاته وكأنها لا أحد. وفي الحقيقة، منذ إسقاط جنسيته، لم يتوقف الشيخ عن إصدار البيانات المعارضة باسمه مع كبار رجال الدين البحرينيين، وكان تعامله مع قرار إسقاط جنسيته أيضاً كأنه لا أحد.

هل يفعل الشيخ ذلك تحدّياً للسلطة أو تعنّتاً أو مواجهة أو استفزازاً أو من أجل المزيد من التصعيد؟ بالطبع لا، فتلك التصرفات الهوجاء وغير المسؤولة هي من صفات السلطة البحرينية، لا صفة الشيخ الحكيم. الشيخ الذي وقف حائلاً ضد الوقوع في هاوية حرب أهلية، إبان إعلان الملك حالة الطوارئ في 2011 وما تبعها من ويلات على الطائفة الشيعية شملت تعديات على أماكن العبادة وهدم للمساجد وقتل للأرواح وتعذيب واعتقال وإهانة للمعتقدات وسرقة للأموال وقطع للأرزاق وغيرها.

لماذا يفعل الشيخ ذلك إذاً؟

باختصار، إنه عدم الاعتراف. فحين لا تعترف بالشيء تتعامل معه وكأنه لا أحد. الأمر لا يتعلّق هنا بعدم الاعتراف بالسلطة، بل عدم الاعتراف بإجراءاتها القمعية وقراراتها التعسفية ومحاكماتها الصورية والجائرة.

تعامل الشيخ مع قرار إسقاط الجنسية، يعطي هذا القرار قوّة الاعتراف به والالتزام به والمحاسبة وفقه. في حين الأصل أنه لا يحق لأية سلطة سياسية أن تسلب حق مواطن أصيل في جنسيته بسبب معارضته السلمية لها. هذا حقه الأصيل الذي تمنحه إياه أرض أجداده لا السلطة، والسلطة التي تسلبه هذا الحق، هي التي تخالف وتتجاوز وتستحق المعاقبة، لا العكس.

وتعامل الشيخ مع التهم المعيبة والمخجلة التي وجهتها له السلطة، وقبوله المثول بين يدي القضاء لإثباتها عليه أو تبرئته منها، يعطي هذه التهم وجاهة الإمكان، ويجعلها محط التبرير والدفاع والهجوم، في حين أن مجرد نسبتها إلى شخصية متورّعة عن المال مثل الشيخ عيسى قاسم، تعدّ جريمة أخلاقية ومجتمعية. وفي المقابل، فإن السلطة ترفع يدها بالكامل، عن المفسدين وسرّاق المال العام الذين ينهبون الملايين من أموال الدولة، وتكشف عنهم تقارير ديوان المراقبة المالية سنوياً، بل نجدها تمدّ لهم في المناصب وترفعهم في المراكز.

أيضاً، مثول الشيخ أمام محاكمة تدار بقرار سياسي مطلق، وقضاة معينين من قبل الملك. الملك الذي جعل شعبه خصمه الأول، وأحال بلاده إلى سجن كبير مفتوح، وجعل من قضاته أدواته في معاقبة شعبه ومحاكمتهم، هو اعتراف بشرعية هذه المحاكم ومن يعمل فيها والأحكام التي تصدر عنها.

نعم، الشيخ يريد أن يقول للنظام البحريني: أنا لا أعترف بما تقوم به ضدّي، وكل ما تقوم به ضدّ هذا الشعب، وسأتعامل مع إجراءاتك ضدي على أنها لا أحد، وذلك ليس احتقاراً لأحد أو لجهة، بل احتراماً لنفسي والوطن، وتقديراً عالياً لذاتي ولحق المواطن، وتأكيداً على حاجة هذه الدولة للتغيير والإصلاح، وسأكمل طريق ذات الشوكة، وإن جرى علي ما جرى، سيبقى الوطن شامخاً بأبنائه العظماء، ومصير كل (لا أحد) ذاهبٌ إلى الحضيض.

وكالات-