ح.سلفية » القاعدة

الكرت الداعشي في طريقه للاحتراق..!

في 2016/08/04

القاسم المشترك بين القاعدة وداعش ومن سيخلفها، أن البيئة العربية الإسلامية لا تزال مهيأة لخلق منظمات وجماعات إرهابية تترى، كل واحدة، أو مجموعة منها تتلو الأخرى.

أكاد أجزم أن (داعش) في طريقها للدحر التام، لأن وجودها استثناء من العصر الذي يجنح للسلم، وإن كره المرجفون والإرهابيون، ولأن العالم تنبه لخطرها الذي امتد إلى حيث تتواجد مدنيته وحضارته، لكن المشكلة تبقى دائما أن هذه المنظمات الإرهابية مجرد دمى يحركها فاعلون نفعيون من خلف الستار.

داعش تحتل الآن أجزاء واسعة من العراق وسورية وليبيا، وامتدت أذرعها الأخطبوطية إلى قلب أوروبا، فهل يمكن لعاقل أن يتوقع أن تلك الإمكانات المالية والعسكرية، وما تتطلبه من دعم لوجستي واستخباراتي ضخم، يمكن أن تتوفر عليها جماعة إرهابية كونت نفسها بنفسها؟

لا أحد اليوم يشك أن ثمة دولا تقف بإمكاناتها خلف هذه المنظمات التي تتناسل من بعضها حسب رغبة الراعي.

أفل نجم القاعدة نسبيا لأن كرْتها احترق عند رعاتها أو يكاد، فنسلت داعش منها لتؤدي دورا مختلفا عن دور القاعدة، هو تحديدا بعث الحروب الطائفية وتخريب السلم الأمني الهش في دول المنطقة، واليوم تكاد داعش تقع في أسفل سلم أولويات الرعاة الذين ربما يخططون لبعث جماعة، أو جماعات إرهابية أخرى، ربما نترحم على داعش إذا قورنت بها.

وليس هذا الكلام مجرد استهلاك للمفردات، فنحن اليوم نقارن ما تقوم به داعش بما كانت تقوم به القاعدة فنجد أن الفرق كبير لصالح داعش، وغدا ربما نقول: سقى الله أيام داعش!

لقد أنشأت الاستخبارات الأميركية القاعدة، وتعهدتها بالرعاية والحماية لغرض محاربة الوجود السوفياتي في أفغانستان، فكان الغرض الأساس مساعدة القوات الأميركية على محاربة الوجود السوفياتي هناك، أو قل: تولي حرب الوجود السوفياتي بريّا نيابة عن القوات الغربية، والأميركية تحديدا.

ثم لما خرج السوفيات من أفغانستان اتجهت بوصلة القاعدة نحو استثمار كره غالبية الشباب العربي والمسلم للغرب، بوصفه عدو الإسلام الجديد بعد انجلاء غبار الشيوعية بسقوط الاتحاد السوفياتي، فكان ما كان من تفجيرات وقتل ودماء أسيلت على الأرض العربية والإسلامية من قبل القاعدة، ثمنا للعداء الإسلامي للغرب.

أما داعش فلقد تلقفت مهمة أخرى، وإن كانت تسير في نفس الطريق الذي يراد لدول المنطقة أن تتجه إليه، وهي مهمة بعث الكير الطائفي، فاستثمرت الصراع السني - الشيعي الذي انفتحت أبوابه على مصاريعها بعد ما يسمى "الربيع العربي"، فكان أن اجتمع الصراع السني - الشيعي مع الفوضى غير الخلاقة التي حلت بدول إقليمية وغير إقليمية، لتهيئ لداعش أرضا خصبة للعمل من خلالها.

وماذا عسانا أن نتوقع ماذا ستكون مهمة من سيخلف داعش؟

القاسم المشترك بين القاعدة وداعش ومن سيخلفها، أن البيئة العربية الإسلامية لا تزال مهيأة لخلق منظمات وجماعات إرهابية تترى، كل واحدة، أو مجموعة منها تتلو الأخرى.

القرآن الكريم صريح في لوم النفس، بدلا من إلقاء التبعة على الآخرين، صريح في أن سبب الهزائم والانكسارات إنما يكمن في السياق المهيأ اجتماعيا وثقافيا لزرع القلاقل والحروب البينية والتناقضات.

يقول الله تعالى:"أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم". لم يقل القرآن الكريم إن الهزيمة حلت بكم لأن الروم أو الفرس كانو يتآمرون عليكم، أو لأنهم حسدوكم على ما أنتم فيه فراحوا يفرقون بينكم، بل أكد على أن الهزيمة ذاتية في المقام الأول، قبل أن تكون من عدو خارجي، ثم عاد القرآن ليؤكد على أن اتقاء الهزائم وتدخلات الأعداء إنما يكون بتهذيب الأنفس، وتدعيم جهاز المناعة الاجتماعية ليكون قويا ضد البكتيريا والفيروسات التي تهاجمه من الخارج، فقال تعالى:"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".

التاريخ الصراعي الطائفي عند المسلمين ظل على وتيرة واحدة، فاعلون اجتماعيون لهم مصالحهم يقومون بتهيئة الأرض للقتال الطائفي بين الفرقاء بمجرد بعث الشرر من تحت الرمار، عن طريق تشجيع المتعصبين من الطوائف. الصراع بين السنة والشيعة ظل يتخذ نفس الآلية قديما وحديثا.

كان البرجماتيون النفعيون الأعداء في ماضي التاريخ العربي الإسلامي يستثمرون العداء الشيعي - السني لركوبه مطية لتحقيق مآربهم، فكانوا يستخدمون من تطلق عليهم مصادرنا اسم (العيارون) لفتح أبواب الجحيم الطائفي كلما خبا أواره.

كان لكل من الشيعة والسنة حينها عيارون خاصون بهما يُركبون كمطايا لإثارة النعرات الطائفية. وكان العيارون يبدأون قرع طبول الحرب الطائفية بالإساءة إلى الرموز التاريخية للمذهبين؛ حيث يقوم عيارو الشيعة مثلاً بالانتقاص من الرموز السنية، فيرد عليهم عيارو السنة الإساءة بمثلها، لتبدأ دورة جديدة من الصدامات المروعة التي تبتدر نارها الأخضر قبل اليابس.

وباختصار فقد كان الهمّ الأول للعيارين، كما يقول مؤرخ معاصر، هو "إشعال نار الفتنة كلما واتتهم الفرصة، ليجنوا المزيد من الغنائم جراء نهب الدور وإحراقها. وكثيراً ما كانوا يتولون، من الجهتين، قيادة الاحتفالات التذكارية ما كان يعطيها بالضرورة طابعاً صداميا".

أما المناسبات الدينية للطائفتين فإن أمر قيادتها عادة ما يوكل إلى أولئك العيارين لإعطائها طابعاً راديكالياً منذ البداية. ورغم أن كلتا الطائفتين مسلمة إلا أن مناسباتهما كانت مختلفة من حيث التوقيت والمكان ونوعية الطقوس.

وكان أبرزَها بالنسبة للشيعة يوما عاشوراء وغدير خم.

أما السنة - وكما أشرت في مقال سابق - فقد قاموا من جهتهم، كما يقول جورج مقدسي في كتابه (ابن عقيل وانبعاث الإسلام السلفي في القرن الحادي عشر)، "بتأسيس عيدين يعقب كل منهما يوم عاشوراء ويوم غدير خم بثمانية أيام. وتتمثل بزيارة قبر مصعب بن الزبير، والاحتفال بيوم الغار"، وكان لابد، نتيجة للطابع الغوغائي الصدامي الذي تتسم به قيادة العيارين لتلك المناسبات، أن يحف بها مصادمات بين الفريقين تتحول في الغالب إلى قتال شوارع.

أما استحضار الرموز التاريخية للفريقين فقد ظل حاضراً في المشهد الصدامي، في السابق كما في الحاضر. وهي، أعني الرموز، إذ تُستحضر، قديماً وحديثًا، وفق سيناريوهات مختلفة، فإن ما بقي ثابتاً في عامل استحضارها هو أداؤها لدورها الراديكالي في إذكاء روح النزق الطائفي المميت.

من مشاهد حضورها في السابق ما يرويه ابن كثير على هامش أحداث سنة ثلاث وستين وثلاثمئة للهجرة أن "جماعة من أهل السنة أركبوا امرأة جملاً وسموها عائشة، وتسمى بعضهم بطلحة، وبعضهم بالزبير، وقالوا: نقاتل أصحاب علي، فقتل بسبب ذلك من الفريقين خلق كثير!".

وبطبيعة الحال، فإن متطرفي الشيعة لم يتركوا الإساءة السنية تمر دون أن يردوا عليها بمثلها، فقد انبروا يكتبون على أبواب مساجد بغداد "لعنة معاوية ولعنة من غصب فاطمة حقها من فدك، ومن منع الحسن أن يدفن مع جده ولعنة من نفى أباذر"!.

وإذا كان ذلك كذلك بالنسبة للمنتفعين وعملائهم في قديم التاريخ الإسلامي، (العيارين)، فإن باعثي الكير الطائفي المعاصر لم يعدموا وجود عيارين معاصرين يقومون بذات الدور الذي كان يقوم به أسلافهم من العيارين القدماء، والفرق إنما يكمن في الآليات المعاصرة فحسب!

لو لم يكن بيننا ولدينا صراع طائفي مزمن، لما تمكن من هم خلف الستار من زرع القاعدة وداعش وأخواتهما.

لو كان الشيعة والسنة يتعاملون مع بعضهما بمبدأ "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة"، لما وجدت القاعدة ولا داعش ولا النصرة ولا غيرها من المنظمات ذات الصبغة السنية أو الصبغة الشيعية موطئ قدم لها في دولنا، فالله المستعان.