مجتمع » ظواهر اجتماعية

الاختلاط في القطاعات الصحية..ضرورة أم ترف!

في 2016/08/05

تداول المغردون السعوديون تأكيد جديد على منع الاختلاط في القطاع الصحي، وتم إرسال تعميم من وزارة الصحة للمستشفيات، وفهمه المواطنون أنه قرار لعزل النساء عن الرجال في مجال العمل سواء كانوا موظفين أو مرضى..

الجدير بالذكر أن ظاهرة الاختلاط بين الذكور والنساء في المجتمع السعودي تم تصويرها على أنها حرام مطلق، برغم من أن كلمة اختلاط غير موجودة في السيرة أو في مصطلحات السلف والتابعين. كما تعلمنا من السيرة عدم وجود اختلاط في الحياة العامة في ذلك الزمن..

كان فهمي للقرار مختلفاً، والذي كان فيه دعوة لتنظيم مجالات العمل المختلط ، والتأكيد على جرم التحرش الجنسي، وإصدار القوانين التي تؤكد على حرمته، وقد شهد مواطن بما رأى من مخالفات في بيئة اختلاط في مجال العمل في القطاع الصحي..

وبصفتي أيضاً مواطن قضى زمناً طويلاً في المجال الطبي، سأدلي بخبرتي في هذا الشأن، وأتذكر جيدا أن حدثت عاصفة في كلية الطب في جامعة الملك سعود قبل سنوات عديدة ، بعد أن تقدم استشاريان للمفتي العام بطلب فتوى لتحريم دخول الطلبة الذكور إلى غرف الولادة، ومنع الطالبات من التدريب أو ممارسة تخصص المسالك البولية للذكور، في مرحلة ما قبل التخرج، ولو تم تطبيقه لتم نزع الاعتراف بالكلية دولياً..

بعد صدور الفتوى تحول المستشفى الجامعي إلى صراع أقرب للفوضى ، بين مؤيدي القرار، وبين معارضيه، وكانت وجهة نظر المعارضين أن عزل النساء عن الرجال في المستشفيات أشبه برابع المستحيلات، كما أنه ضرب من الخيال أن يتم عمل ازدواجية في الخدمات الطبية قطاع للرجال وآخر للنساء، وذلك لاستحالة توفير الكوادر الطبية في التخصصات المختلفة لكل الجنسين.

كذلك مهنة التمريض ، والتي تحظى بإقبال النساء عليها في مختلف دول العالم، بينما يعزف عنها الذكور، وسيكون من المستحيل أيضاً توفير طاقم تمريضي ذكوري خالص في عنابر الرجال، ولو تحقق ذلك بالمغريات، فمن سيعمل في المصانع والأمن والجيش والأسواق، التي عادة تستوعب الشباب الذكور في مختلف العالم.

كذلك لا يمكن تعميم حالات فردية في الحكم على قطاع نخبوي، ويتعهد أعضاؤه بالالتزام بالأخلاق منذ تخرجهم، ، وتتعامل إدارات المستشفيات بحزم من أي تلاعب بحرمة الآخرين سواء ذكور أو إناث، كما تعتبر حرمة المريض خطاً أحمر ليس فقط في المجتمعات المسلمة، ولكن في مختلف دول العالم.،كنت أتمنى أن تكون هناك دراسات في المجتمع ، تراقب ظاهرة التحرش في مختلف الأماكن، وتعالجها بالعقوبات الرادعة..

تحديات وزارة الصحة كبيرة، ودائما ما يرى معالي الوزير الصورة أوضح، وهو على كرسي الوزير، ويتطلب الخروج من الأزمة خطط إستراتيجية، هدفها توزيع المهام التنفيذية على المناطق ، و الاكتفاء بدور المراقب والمخطط الإستراتيجي، وكلنا يدرك أن دعوات الالتزام بتعاليم الدين قد تخفف الضغط الشعبي على المطالبات بتحسين الخدمات..

لإدراك مدى عملية وديناميكية قرارات الفصل بين الذكور والنساء في المستشفيات، كنت أتمنى أن يشمل القرار المستشفيات الخاصة، وعندها ستتضح الصورة ، فالتكاليف أكبر بكثير مما نتخيل، وقد تضطر للإغلاق إذا تم إلزامها بقرار الفصل، وذلك لاستحالة العمل الطبي المزدوج ..

كذلك قد ينسحب ذلك على الأسواق، والتي تعتبر أشهر وأقدم مجال للتحرش والإيذاء، ولاستحالة فصل الأسواق وعزل الذكور عن الإناث تكتفي الدول المتقدمة بسن قوانين وتشريعات صارمة ضد التحرش الجنسي..

من المتوقع عودة النشاط لمؤيدي العزل داخل هذه المستشفيات بسبب سوء فهم للقرار، ومن ثم عودة الصراع الذي تجاوزناه منذ سنوات، وكان الله في عون مديري المستشفيات، لأنه سيواجهون الضغط من قبل نشطاء المد الصحوي..

وربما يؤدي ذلك إلى عودة الحوار الصاخب داخل أروقة المستشفيات وأداء دور الهيئة ضد النساء العاملات ، أو إلى تأجيل التطبيق إلى أن نصل إلى مرحلة الفصل الكامل بين الذكور والنساء في حياتنا العملية في مختلف القطاعات، ولن نصل..، ولو صرفنا كامل الدخل القومي في ذلك، والله المستعان.

عبدالعزيز السماري- الجزيرة السعودية-