مجتمع » ظواهر اجتماعية

تكافؤ الأنساب.. هل يجد حلاً؟

في 2016/08/06

هكذا يظل استحضار بعض القصص الفقهية من التاريخ وفرضها على الواقع مدخلا للكثير من الأزمات الاجتماعية بل والتنموية أحيانا.

سيكون أعظم خبر شهدناه هذا الأسبوع هو صدور توجيهات عليا تتضمن وقف قضايا نزاعات الأنساب لدى المحاكم الشرعية.

وفي نص الخبر ما يلي: «وذلك لما يترتب عليه من نتائج سيئة، وإثارة النعرات والتشكيك في الأسر، وبث عوامل الفرقة.

وأوضحت المصادر، أنه ستتم المعالجة من خلال وكالة وزارة الداخلية للأحوال المدنية في القضايا الجديدة المختصة بالتعديل أو الحذف أو الإضافة».

المبررات التي أشار إليها الخبر ليست سوى جزء يسير من الآثار المدمرة التي تنتج عن هذه القضايا، إنها من نوعية قضايا ما قبل المدنية.

هذا التوجيه المحوري يكشف أزمة إدارية لكثير من القضايا التي تدور في المجتمع على أساس أنها قضايا فقهية شرعية، كان يفترض بالدوائر الفقهية والشرعية أن تقوم بحلها، لكن عدم حلها قد يتسبب في أزمات اجتماعية ويخلق قصصا لا تليق بالمرحلة. الذي يحدث غالبا - وهو ما يجب أن يحدث دائما - أن تتدخل الدولة وتقوم بتحويل تلك القضايا إلى دوائر مدنية، أولا حماية وتنزيها لتلك المؤسسات الشرعية من الحرج الذي قد تقع فيه وتوقعنا نحن فيه، وثانيا حماية للمجتمع وللأسر من آثار تلك القضايا.

إن قضايا كتكافؤ النسب والولاية وزواج القصر وقضايا الاحتساب وغيرها ستتحول إلى أسلحة في حرب اجتماعية إذا ما ظلت هناك دوائر رسمية ذات صبغة فقهية تتيح لتلك القضايا أن تطرح وتتعامل معها وفق منظور أحكام فقهية ضيقة، إن الذي يجعل المتخاصمين في قضايا تكافؤ النسب مثلا يلجأون للمحاكم الشرعية هو أنهم يدركون أن الغطاء الشرعي للقضية وربطها ببعض الأقوال الفقهية القديمة يكسبها نوعا من القوة والقداسة ويحولها إلى قضية شرعية مما يجعلها تبدو وكأنها صراع بين حق وباطل وبين مباح ومحرم، هذا الغطاء الشرعي أيضا يجعل الناس أقل قوة في مواجهة هذا النوع من القضايا وأكثر إحجاما عن نقدها والتصدي لها.

الآن حين يتجه ابن عم غاضب أو أخ غير شقيق ليرفع دعوى تكافؤ نسب ويطالب بتفريق أخته عن زوجها سوف يتجه إلى وكالة وزارة الداخلية للأحوال المدنية أو أي من فروعها، سيأخذ رقما ثم ينتظر ثم يقدم أوراقه لموظف لا يتجاوز عمره الأربعين، سيقلب أوراق الملف والخطاب المرفق وسيقوم برفعها حسب الإجراءات المتبعة إلى جهة أعلى، هذه الجهة ستحيله إلى مادة ما في نظام ما، سيدرك بعدها أنه لا يختلف عمن ذهب لمركز الشرطة ليشتكي جاره بأنه لا يؤدي السنن الراتبة بانتظام، أو ليشتكي جاره لأنه حليق اللحية. وشيئا فشيئا ستموت هذه القضايا وتنتهي، لسبب يسير وهو أن أصحاب القضايا القادمة من زمن ما قبل الدولة والمدينة لن يجدوا مسارات ولا طرقا ليتحركوا فيها بقضاياهم المتخلفة، ومن المأمول مستقبلا أن تكون الجهات والمؤسسات الشرعية هي التي تبادر بتمدين وتحديث معايير تعاملها مع مثل هذه القضايا، وأن تقفل الباب أمام هذه القضايا ذات المردود الرديء على الدولة والمجتمع.

لقد شهدت وزارة العدل والمحاكم خطوات إيجابية جدا في عهد الوزير السابق الدكتور محمد العيسى وخطوات تتصاعد الآن بين يدي الوزير الحالي الشيخ وليد الصمعاني، وإن الإنجاز الأكبر يتمثل في أن تصل هذه المؤسسات ذات الصبغة الشرعية الوقورة إلى واقع لا يجد فيه أصحاب هذه الدعاوى وغيرها مكانا لهم لكي لا ننتج للمجتمع ولا للعالم هذا النوع من القضايا ولكي نصنع واقعا يعزز ثقتنا في المستقبل وفي رؤاه الطموحة.

يحيى الأمير- عكاظ السعودية-