علاقات » عربي

مفكرون ومثقفون: يوسف زيدان متحيز ويعاني فقراً معلوماتياً

في 2016/08/18

أشعلت تصريحات يوسف زيدان التي قال فيها إنه "لا علماء للغة العربية في الجزيرة العربية، ولا حضارة فيها من الأساس قبل الإسلام" شبكات التواصل الاجتماعي حيث أطلق المغردون وسم #أخبروايوسفزيدان لتتابع التغريدات التي هاجمته وأخبرته من هي الجزيرة العربية.

تحيز وعنجهية

وفي استطلاع لأراء المهتمين بيّن أستاذ النقد والنظرية د. عبدالله الغذامي أنّه "يجب أن لا نعطي يوسف زيدان أكبر من حجمه"، واعتبر الكاتب والروائي تركي الحمد أنّ يوسف زيدان "لو تجرد من تحيزه وقرأ كتابا مثل (تاريخ اليمامة في صدر الإسلام لعبدالله العسكر) لما تفوه بكثير من المغالطات، والعنجهية".

تهاون في التوثيق

فيما أكّد أستاذ التاريخ وعضو مجلس الشورى الأسبق د. محمد آل زلفة أنّ يوسف زيدان بدا وكأنه جاهل بتاريخ الجزيرة، التي هي موطن اللغة العربية وموطن الشعراء والمبدعين، "وبكل أسف أننا تهاونا في توثيق هذه الجوانب الخالدة من تاريخ الجزيرة على مستوى الجلمعات والمثقفين، وإجراء أبحاث بكل نواحي الحياة بالجزيرة العربية مما جعلنا في دائرة أن مصر هي موطن الحضارة، متناسين أن الجزيرة العربية خرج منها الرسالة المحمدية والثقافات المنتشرة بكل مكان، وحينما جاء العرب إلى مصر اعترفوا بإنسانية الإنسان المصري، ولم يلغوا تاريخها بل حافظوا عليها وكذلك بلاد الشام والفرس، لم يكن لهم لغة يكتبون فيها في حين حفظت لهم الجزيرة العربية الثقافات والحضارات".

وأضاف آل زلفة: "إنّ الحضارات العربية تتركز بالمملكة والدول الخليجية واليمن، ولكننا للأسف ما زلنا نعتمد على الأخوة المصرين في توثيق تاريخنا وكأنه لا يعنينا ما يكتبونه عن الجزيرة العربية، وهذا يدعو إلى أن يولوا هذا المجال قدرا كبيرا من الأهمية لكي لا نفسح المجال لزيدان وأمثاله بنقل معلومات مغلوطة عن الجزيرة العربية ويصورونها على أنها صحراء قاحلة وقبائل متوحشة، وتناسى أن مصر لم يكن لهم لغة يعترف بها إلا بعد أن تواجدهم بالجزيرة العربية أصبح للمصريين لسان عربي".

في حين ردت هيئة السياحة والتراث على زيدان بحسابها الرسمي بتويتر، مبيّنةً أنّ من يشكك في ثقافة أبناء الجزيرة العربية يجهل أو يتجاهل سبقهم في تطوير الحرف العربي المميز الذي لا نزال نكتب به إلى الآن، وأنّ وسط الجزيرة العربية كان همزة الوصل بين الشرق والغرب ومنه تعبر القوافل التجارية وحضارة كنده خير شاهد، مضيفةً أنّ "الدراسات أثبتت قوة التواصل الحضاري للجزيرة العربية من (3000) سنة قبل الميلاد مع الحضارة ببلاد الرافدين والشام ومصر"، وأن "مكة المكرمة البوتقه التي انصهرت فيها لغات الشمال والجنوب ونتج منها لغة القرآن التي يفهمها أهل الشام واليمن".

أقدم مستوطنة

وكشف الباحث والكاتب د. عيد اليحيى أنّ الجزيرة العربية بها أقدم مستوطنة بالعالم منذ حوالي (1.250.000) عام، بمنطقة تسمى "الشويحطية" بسكاكا بالجوف اكتشفت عام 1985م، وهي تعد أقدم مستوطنة وأول مستوطنة بقارة آسيا، ويوجد بالمملكة ثاني أقدم مستوطنة، وهي منطقة "صفاقة" في الدوادمي عمرها مليون سنة، وثالث مستوطنة بالجزيرة العربية مستوطنة "المقر" وتاريخها من 17 عاما وهي أول حضارة تدجن الخيل وتلجمه، ورابع مستوطنه "الثمامة " بالرياض وعمرها 10 الآف سنة.

وأضاف إنّ هناك حضارات شاهدة حتى اليوم، ومنها المدافن الموجود على الجبال والمرتفعات والحرات السلاسل الجبلية "ومنها المسننات، والتي يكون المدفن بأعلاها، والمذيلات، الركامات، الحبال، المصاطب، مثل مدافن فرزان بالخرج والفاو والمدافن الملكية في يبرين والمدافن الركامية بعين الضلع بالخرج، أما جبال الضلع والضرية وحمى سواج وأجا وسلمى تعلوها مدافن لعهود سحيقة بنيت بطريقة هندسية ما زالت باقية إلى اليوم، ويوجد لدينا أكثر من (14) حرة بركانية في الجزيرة العربية وهي صعبة المسالك، وتدل على حضارات سحيقة لم تتغير إلى اليوم.

وأشار إلى أنّ عن الكتابة وهي الدليل على تقدم أي شعب من الشعوب، والتي تعبر عن شعبة وحضارته وتقدمة وهمومه، معتبراً أنّ الجزيرة العربية هي أكبر مخزن للكتابات في العالم فيوجد بها الكتابات تخضع لحروف ومنها "السبائية والمعينية والحميرية والقتبانية واللغة الصفائية والثمودية لغة البادية، والأرامية واللحيانية، واللغة الزادانية والاشورية والعبرية والفينيقية واليونانية والهيروغروفية، وغيرها كثير ومن هذه اللغات (13) لغة خاصة بالجزيرة العربية، وهي عتيقة وفصيحة، وكل الشعوب خرجت للجزيرة العربية قبل العصر الأخير حينما بدأ التصحر.

ولفت د. اليحيى إلى أنّ الجزيرة العربية مصدر اللغة العربية، فكيف لا يكون بها علماء للغة العربية؟، مؤكّداً أنّ ما قاله زيدان يدل على فقر شديد ونقص كبير في المعلومات، مضيفاً: "كيف لا يوجد فيها علماء لغة عربية، والإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، هو أبو اللغة العربية، وهي التي خرجت أبو الأسود الدؤلي والأصمعي والهمذاني وسيبويه وابن جني، حتى الموالي تعلموا اللغة العربية في الجزيرة العربية، وكانوا يرسلون أبناءهم إلى نجد لتعلم العربية، وكفى للغة العربية فخراً أن يدخلها أناس من غير العرب ثم يكونون علماء بها".

دوافع شخصية

من جانبه قال رئيس المركز الثقافي بصبيا الزاهد النعمي أنّ التعاطي مع تاريخ المنطقة الثقافي بحاجة لعلم فالأمانة العلمية وآداب الطرح وأصول التعاطي مع مثل هذه القضايا يقتضي الإلمام التام والمعرفة الكاملة بما يريد الحديث عنه وبحثه سواء طرحا إعلاميا أو بحثا علميا وهذا يضر بالناتج العلمي والثقافي ويؤثر تأثيرا سلبيا من خلال المعلومات المنقوصة أو المغلوطة التي تنقلها اليهم،

وقد يبني المثقف رأيه أحيانا بدوافع الشخصية فلربما بنى رأيه على خلفية خلاف شخصي أو صدام داخل الحرم الثقافي واحيانا يأتي الرأي على شكل تطرف وعنصرية وتعصب مناطقي.

وأضاف: "في مجمل الأمر أيا كان هذا الشخص فمثل هذا الفعل لا طائل منه سوى إثارة الخلافات والتوترات بين فئات المثقفين من جهة وأبناء المجتمعات في مختلف الدول العربية من جهة أخرى بآراء وأطروحات هي في الأساس لا تستند على أسس علمية وخاصة عندما يتعلق الحديث بتاريخ جزء من أجزاء الوطن العربي الذي لا يختلف اثنان على عمق جذوره وأصالته وامتداده وغزارته وتميز إنتاجه واثره وتأثيره في المشهد الثقافي".

وأشار إلى أنّ المثقف يلجأ أحيانا إلى المقارنة، إلا أن المقارنة تستلزم شروطا مهمة فالأمانة والعدل والإنصاف والحياد أسسها فإذا سقط احدها اختل ميزانها وفقدت مصداقيتها وحينها لا جدوى منها وكل ما ينتج عنها باطل، بالتالي فتهميش طرف لإبراز آخر هو قمة الجور والتجني وينافي الأمانة العلمية وخلق العالم أو الباحث الذي ينبغي أن يكون عليه وأمر طبيعي أن يسقط صاحب الطرح ويفقد مكانته في عين المتلقي سواء على مستوى الفئة المثقفة أو المتلقي العادي في مجتمعنا المتمسك بدينه القويم وبقيمه الأصيلة ومبادئه السامية وقادر على أن يميز بين الغث والسمين مهما حاول صاحب الطرح إخفاء مقاصده.

خلفية عنصرية

أما الناشط في الحركة الثقافية عبدالله التكتلي فيرى أنّ التقليل من تاريخ المنطقة -أي منطقة كانت- لا يأتي إلا ّمن شخص فيه بذرة عنصرية تسقط عنه كل الحياد والموضوعية في الطرح، فلا يمكن لأي باحث حقيقي متجرد من كل خلفياته العنصرية أن يقلل أو يهون من تاريخ منطقة لها إرثها الثقافي الإنساني على المستوى العالمي في نفس الوقت الذي يشيد الكثير من الباحثين الغربيين والمستشرقين حيث كانوا اكثر إنصافا واكثر قربا للحق ممن يحاول التجني على المنطقة وعلى تاريخها ففي تاريخنا العربي نماذج من تطور الحركة العلمية والأدبية والدراسات اللغوية التي أبهرت كل من دخل في هذا التخصص ومن المؤكد أن الحرية العلمية والأدبية في فترات متقطعة من تاريخ المنطقة كان لها الأثر الواضح في تطور وارتفاع مستوى الدراسات في فقه اللغة وفي الأدب وفي تصحيح ما قد علق عليها من الشوائب؛ نتيجة هذه الحرية، ومن أكثر ما يميز حضارتنا خاصة في اللغة والأدب ويدل على قوتها أنها حضارة صاهرة لمن يدخلها، فكثير من غير أهلها عندما درسوها انصهروا وذابوا فيها واصبحوا من أهلها وحسبوا من نتاجها فيما بعد

ميزان المقارنة

وقال التكتلي إنّ أي رأي سلبي ومعمم -خاصة من غير أهل الاختصاص- لابد وأن يكون منطلقاً من خلفية عنصرية ومؤدلجة، ولا يؤخذ به كرأي علمي بقدر ما يؤخذ به استشهادا على انحراف منهج الباحث نفسه، وأما البعض فقد يكون ناتج عن جهل وعدم تقصي للحقائق، ولو صدر رأي من باحث واكتشف خطأه فسنجد هذا الباحث أول من يصحح ويتراجع ويبين الحقيقة، وتزيد في رصيده ولا تنقص وتزيد من احترام الوسط العلمي له، ولكن ما نراه ونلحظه هو قلة هذه النوعية من الباحثين، بل تراه يتعصب لرأيه ويبدأ بجمع كثير من الأدلة وقد يأول الكثير منها ويحرفها عن مسارها العلمي انتصارا وتعصبا لرأيه لا للحقيقة مهما كانت.

وأضاف إنّ المقارنة في اصلها هي توضيح نقاط الاختلاف والاتفاق بين أطراف المقارنة بكل موضوعية وحياد، وبثبات معايير القياس لجميع للأطراف، ثم وضعها في ميزان المحصلة، وليس من الأسلوب العلمي إسقاط طرف كامل على حساب آخر فقد نجد لدى طرف نقاط تنقص الأطراف الأخرى، ونجد عند الأطراف الأخرى ما ينقص غيرها وللأسف (وبصراحة) طغت السياسة والتسييس على المشهد الثقافي في غالبية الوطن العربي، فسمح لمثقفين محددين بالظهور، وحجب آخرون، فنتج لنا مشهد اعرج أو مشهد أعور، ولذلك نرى التذبذب في الآراء والقفز من ضفة لضفة، ونرى البحث عن قضايا تزيد الشقاق والخلاف فقط من أجل الخلاف، وليس لسبب علمي، فكثير من القضايا المعروضة بشكل أحادي لو كان الهدف علمي، لكان فتح المجال لمناقشتها علميا مع كثير من أهل الاختصاص، وسيكون اختلافهم حينها زيادة في العلم وفي دفع الحضارة للأعلى.

فيما رأى المختص في اللغة العربية سعد المفلح أنّ من يقلل من تاريخ المنطقة ثقافياً فهو جاهل بالتاريخ القديم والحديث، فمنطقة الجزيرة العربية قدمت الكثير في اللغة والأدب بداية من حضارة "طسم" و"جديس" في وسط الجزيرة حتى ظهور الرواة للشعر العربي، موضحاً أنّ هناك من يقوده الجهل أو التعصب ويظهر جليا في حديثه، فالانتقاص هو شعور بالنقص فمن يفكر في الانتقاص من الآخرين يرى نفسه كاملاً ويبدأ سقوط عدالة الطرح ممن يعتلون المنابر الثقافية، منوهاً بأنّه يجب على المثقف أن لا يخوض في موضوع إلا وهو ملم به، وهذا يثير الفتن بين الشعوب العربية ، والعرب جمعياً حضارة واحدة، مستدركاً: "نحن مقصرون في إبراز حضارتنا للعالم أجمع سواء من ناحية المؤلفات أو من ناحية البرامج الثقافية".

وكالات-